251- استدلال الشيخ برواية تحف العقول ( ما يكون منه وفيه الفساد محضاً ) على حرمة اللهو ـ الاشكال على الرواية بالاضطراب واجوبة ثلاثة ـ الاشكال بان التمسك بالرواية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. واشكال الشهيدي ببيان آخر
السبت 2 ذو الحجة 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(13)
الأدلة الروائية على حرمة اللهو
رواية تحف العقول
استدل الشيخ في المكاسب بروايات عديدة على حرمة اللهو إذ قال (والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جداً، منها: ما تقدّم من قوله في رواية تحف العقول: (وما يكون منه وفيه الفساد محضاً، ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأُجرة عليه([1])
الإشكال على الرواية باضطراب المتن وتهافت الضابط
ولكن قد يورد على الاستدلال برواية تحف العقول:
أولاً: الإشكال على سند الرواية وعلى تحف العقول بشكل عام، وقد مضى البحث عنه سابقاً بالتفصيل فليلاحظ.
ثانياً: اضطراب المتن فان المتن المستشهد به مضطرب نظراً لأن المذكور في الرواية ضابطان متعارضان في الجملة أي في بعض الموارد، والضابطان هما (ما يكون منه وفيه الفساد محضاً) و(لا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح) إذ يتهافتان فيما لم يكن فيه شيء من وجوه الصلاح ولم يكن فيه شيء من وجوه الفساد فانه يكون حراماً حسب الضابط الثاني في الرواية ومحللاً حسب الضابط الأول.
الجواب عن اضطراب المتن بوجوه ثلاثة
لكن هذا الإشكال يمكن أن يجاب عنه بوجوه:
1- المصلحة والمفسدة ضدان لا ثالث لهما.
الوجه الأول: الالتزام بان عدم الصلاح فساد وعدم المصلحة مفسدة بدعوى كونهما ضدين لا ثالث لهما، فعدم احدهما (المصلحة) ملازم لوجود الآخر (المفسدة) نظير ما ذكره البعض في قاعدة لا ضرر من ان عدم النفع ضرر.
والحاصل: ان النفع والضرر والربح والخسارة والمصلحة والمفسدة أضداد لا ثالث لها، فيلزم من عدم احدهما (عدم المصلحة) وجود الضد الآخر (أي المفسدة).
لا يقال: ينقض بالتاجر الذي لم يربح فانه ليس بخاسر وبمن لم ينتفع من علمه فانه ليس بمتضرر (بصِرف عدم الانتفاع).
إذ يقال: بل التاجر غير الرابح خاسر إذ ليس الملاك الثبوتي للربح والخسارة هو المال فقط بل مجموع المال وما خسره من عمره من دون ان يعود عليه بشيء وما خسره من اعتباره فان من لا يربح يقل اعتماد الناس عليه. وكذا من صرف عمره في العلم ثم لم ينتفع به فانه متضرر إذ خسر عمره – وهو اثمن من كل شيء – ولم يعوِّض خسارة العمر بربح يجبره.
والحاصل: ان الصحيح في الوصف بالمصلحة والمفسدة والمضرة والمنفعة وشبهها هو لحاظ كل ما له دخل في الشيء من العوامل لا خصوص عامل واحد.
وبعبارة أخرى: ان النظرة الساذجة قد تقود إلى انه لا مضرة مع عدم المنفعة ولا خسارة مع صِرف عدم الربح إلا ان النظرة الواقعية الشمولية المحيطة تقتضي بانه كلما لم يكن ربح فهو خسارة، فتأمل إذ الألفاظ والمفاهيم لا تدور مدار الدقة العقلية بل تدور مدار فهم العرف والعرف لا يرى في كل عدم مصلحة مفسدة ولا في كل عدم نفع ضرراً ويشهد له المباح فانه لا مصلحة فيه لكنه لا مضرة فيه أيضاً. فتأمل([2])
2- المفسدة هي عدم ملكة المصلحة
الوجه الثاني: ان يقال: ان المفسدة هي عدم ملكة المصلحة، فهما كالعمى والبصر حيث ان العمى هو عدم ملكة الإبصار عمن من شأنه ان يكون مبصراً، وكذلك المفسدة.
والحاصل: انه كلما لم تكن فيه مصلحة فهو مفسدة لأن العلاقة بينهما هي علاقة العدم والملكة.
وعليه فقد ذكر الإمام ( عليه السلام ) أولاً ما يكون فيه الفساد كضابط ثم أوضحه بان ما لا مصلحة فيه ففيه المفسدة، فالعطف إذن تفسيري وليس من عطف المباين على المباين.
لكن هذا الوجه والوجه الأول وجهان لأمر واحد إذ لا تنافي بين كون المصلحة والمفسدة ضدين وبين كون عدم احدهما من قبيل عدم الملكة بالنسبة للآخر فتأمل([3])
3- الرواية تتكفل بالضابط الجامع المانع: المقتضي مع عدم وجود المزاحم
الوجه الثالث: ان الإمام ( عليه السلام ) يشير إلى الضابط الجامع المانع للحرمة وانه ما اجتمع فيه الأمران (وجود المفسدة وعدم وجود المصلحة) فان مجموع ذلك هو سبب الحرمة دون الأول وحده إذ الحكم لا يترتب على صِرف وجود المقتضي بل انه متوقف على انتفاء المزاحِم أيضاً([4]) فصِرف كونه ذا مفسدة ليس علةً للتحريم إلا لو لم تكن في مقابله مصلحة مزاحِمة أقوى أو مساوية أو حتى أضعف لكن لا بدرجة بالغة. توضيحه:
انه إن قابلت المفسدةَ مصلحةٌ أقوى بالغة وجب الفعل، وإن زاحمتها مصلحة مساوية كان مباحاً مخيراً فيه، وإن زاحمتها مصلحة أقوى غير بالغة استحب، اما لو كانت المفسدة أقوى بدرجة ضعيفة كان مكروهاً، وإن كانت أقوى بدرجة عليا بالغة كان العمل حراماً، فالصور خمسة.
والحاصل: ان الإمام ( عليه السلام ) لو اقتصر على الضابط الأول لما ترتب عليه الحكم بالحرمة إذ الحكم بالحرمة لا يتفرع على صِرف وجود المفسدة بل على وجودها وعدم وجود المزاحم وهو المصلحة.
وبكلمة: فان الإمام في مقام الفتوى باعطاء الضابط النهائي وليس في مقام التعليم بذكر مقتضٍ وإحالة بقية ما له مدخلية في الحكم إلى مجلس الدرس الثاني مثلاً([5]).
وهناك وجهان آخران للجواب عن هذا الإشكال([6]) سيأتيان غداً بإذن الله تعالى
الإشكال على الرواية بانها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية
وقد يستشكل على الاستدلال بالرواية على حرمة مطلق اللهو بانه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ لا شك في كليِّ حرمةِ ما يجيء منه الفساد محضاً من غير ان يزاحمه وجهُ مصلحةٍ، لكن الكلام كل الكلام في كون اللهو مطلقاً مصداق ذلك؟ إذ من أين ان (الرقص) بدون المقارنات أو اللوازم المحرمة قطعاً، أي الرقص في حد ذاته لا يكون منه إلا الفساد محضاً؟
وقد أشار الميرزا الشهيدي إلى هذا الإشكال بوجه آخر أشمل وهو (موضوع الحرمة فيها ما كان فيه ومنه الفسادُ المحضُ، وكون اللهو كذلك ممنوعٌ إن أُريد من الفساد الفسادُ الظاهرُ الذي يُدركه العرفُ مع قطع النظر عن الشرع؛ لأنّهم لا يحكمون به في اللهو، ومصادرة إن أُريد منه الفساد الواقعي المستكشف عنه بالنهي التحريمي، لأنّ الكلام بعد وجود الكاشف)([7])
توضيحه: ان العرف لا يجدون في الرقص بما هو هو فساداً ظاهراً ولا في الشطرنج إذا تجرد عن المقامرة فلولا دلالة النصوص الخاصة على حرمته مطلقاً وعلى حرمة نظائره لما كان لنا الاستدلال بمثل هذه الرواية المتكفلة لحال الكبرى غير المشخّصة لحال الصغريات.
كما انه قد تُؤَّيد دعوى إرادة الفساد الواقعي بان الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية الواقعية.
وفيه: انها وإن كانت كذلك إلا ان الامارة عليها والمرآة لها هو الفهم العرفي فهو المرجع وهو الحَكَم([8]) فتدبر وسيأتي مزيد توضيح وتكميل لكلامه بإذن الله تعالى
والظاهر ان هذا الإشكال لا مدفع له. وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) تحف العقول: ص 335-336 والمكاسب ج2 ص43.
([2]) إذ ليس الكلام في ان كل ما لا مصلحة فيه ففيه المضرة كي يُنقض بالمباح، بل الكلام في ان كل ما ليس (منه ولا فيه الصلاح) – وهو نص الرواية فان (منه وفيه الفساد) إذ منه يراد بلحاظ الفاعل والمنتسب إليه. فتأمل
([3]) إذ الضدان هما (المصلحة والمفسدة) والعدم والملكة هما (المصلحة وعدم المصلحة) و(المفسدة وعدم المفسدة) وليس (المفسدة وعدم المصلحة) أي ليس أحد الضدين وعدم الآخر. فتأمل إذ التلازم ملاك الاثنينية مع وضوح عدم العينية. فتأمل
([4]) كانتفاء المانع.
([5]) فصلنا الكلام عن مقامي الفتوى والتعليم في بحوث العام الماضي فراجع.
([6]) اضطراب الضابط.
([7]) كتاب المكاسب مع حواشي الميرزا فتاح الشهيدي التبريزي ج1 ص 481.
([8]) وقد مضى في بحوث العام الماضي تفصيل لذلك فراجع.
السبت 2 ذو الحجة 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |