293- الجواب 15: لاتلازم بين صحة الرؤيا وبين حجية التعبير ومزية لغة الاحلام الجواب16: تقييد موضوع رواية (رأي المؤمن ...) بـ أ ـ (الرؤيا الصالحة) ب ـ و (الحسنة)
الأحد 6 شعبان 1434هـ




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
15- صحة الرؤيا أمر، وحجية التعبير أمر آخر
الجواب الخامس عشر:
ان كون (الرؤيا) نبوءة وصحيحة مطابقة للواقع، لا يستلزم كون تعبيرها كذلك، فان صحة الرؤيا أمر، وحجية التعبير أمر آخر.
بيان ذلك: ان (للاحلام) لغة خاصة، ولمفرداتها معاني تختلف كثيراً عن مؤدياتها الظاهرية بل وقد تتناقض مع ظواهرها، فصحة الرؤيا ثبوتاً لا يستلزم حجية تعبيرها إثباتاً.
وقد نقل العلامة المجلسي في البحار تأويلات للأحلام عن بعضهم، ونذكر نماذج منها من غير تصحيح لها؛ إذ قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وموطن الشاهد: انه لا يعلم مطابقة ظاهر الرؤيا لباطنها، والمسلم ان ظواهرها رموز لا تتطابق مع ما يظهر منها في أكثر الأحيان.
والحاصل: ان الاستدلال بها ونظائرها على نفي التطابق بنظرهم، وعلى التعبير بالمغاير على سبيل البدل لتعدد ما يذكرونه من المعاني وندرة ما يطابق منها الظاهر – لا على صحة هذا التعبير أو ذاك.
أمثلة تدل على رمزية لغة الأحلام
فمنها: انه قد يرى في المنام الشيء لشخصٍ لكنه يرمز به إلى تحققه لولده أو قريبه أو سَمِيِّه فقد نقلوا ان النبي (صلى الله عليه وآله) رأى في المنام متابعة أبي جهل له فكانت لابنه عكرمة فلما اسلم عكرمة قال (صلى الله عليه وآله) – حسب ما رووه -: هو هذا، ورأى لأُسيد بن العاص ولاية مكة فكانت لابنه عتاب إذ ولّاه (صلى الله عليه وآله) مكة، ولئن لم يثبت النقل، فان الجامع والكلي[1] لا ريب فيه في الأحلام.
ومنها: ما نقل عن ابن سيرين من انه عبّر رؤيا (الرجل يخطب على المنبر) بـ: انه ان لم يكن من أهله فسيصلب وإن كان من أهله فسيصبح سلطاناً.
ومنها: ان (النكاح) يفسر بالتجارة، والتجارة تفسر بالنكاح.
ومنها: ان (الطاعون) يفسر بالحرب، وبالعكس.
ومنها: ان الخوف يعبر بالأمن، تفسيراً للضد بضده؛ قالوا: لقوله تعالى: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)[2]
ومنها: ان البكاء إذا لم تكن معه رنّة، يفسر بالفرح، والضحك يفسر بالحزن، إلا ان يكون تبسماً.
ومنها: قولهم: من رأى القيامة قامت في موضع فان العدل يبسط في ذلك المكان فإن كانوا ظالمين انتقم منهم وإن كانوا مظلومين انتصروا.
ومنها: انه لو رأى لسان المرأة قد قطع، فانه يدل على سترها وحياءها.
ومنها: ما نقلوه عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه رأى امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مِهيعة، فتأوّلها على انها وباء المدينة ينتقل إلى مهيعة.
ومنها: ان المرأة العجوز هي الدنيا فإن كانت شعثة قبيحة فلا دين ولا دنيا[3]
والحاصل: انه أجمع المعبرون إجمالاً على تفسير الرؤى بخلاف ظاهرها، اما بمخالف مضاد أو مناقض أو مقارب أو مشاكل، كما ان التجربة دلت على ان أكثر الأحلام - إن لم يكن شبه المستغرق منها - لا يطابق ظاهرها باطنها.
وجوه اختلاف ظاهر الرؤيا عن معناها
ولا يهمنا الآن التطرق إلى ذكر السبب في ذلك وانه هل هو: تصرفات القوة المتخيلة ودعاباتها أو اضطراباتها، أو سوء مزاج الدماغ، أو أحوال البدن ومزاجه أو كدورة النفس أو نظائر ذلك مما قالوه[4] أو ان (نحوَ وجود) الأحلام - كلاً أو بعضاً – هو على هذا الشاكلة، أي ان جعلها تكوينا وإيجادها و(وضعها) كان كي تكون هذه الرؤيا كاشفة عن ذلك المعنى، ولا يشترط في الواضع التكويني ان يطابق جعله التكويني لوضعه الاعتباري – أي وضع الألفاظ لمعانيها – أو لوضع الحكيم أو الحكماء الاعتباري أو تعهدهم، على الخلاف في وضع الألفاظ.
إنما المهم المتحصل من كل ذلك هو: ان كون الرؤيا نبوءة لو انضم إلى كون المعبر نبياً أو وصياً، كان التعبير حجة[5] عندئذٍ.
16- تقييد موضوع رواية (رأي المؤمن ورؤياه...) بـ(الرؤية الصالحة)
الجواب السادس عشر:
انه قد يقال بان رواية (رأي المؤمن ورؤياه في أخر الزمن على سبعين جزءاً من أجزاء النبوة) مقيدة بما ذكر في روايات أخرى كموضوع لما هو من أجزاء النبوة.
أ – التقييد بـ(الرؤيا الصالحة)
فمنها: ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى (لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) قال: الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها وادّاً...)[6].
ب- التقييد بـ(الرؤيا الحسنة)
وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه سلام الله قال (صلى الله عليه وآله) "هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه"[7]
وما جاء في تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى (لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) قال: في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن، وفي الآخرة عند الموت)[8]
فان ضم الرواية الأولى إلى تلك ينتج (رأي المؤمن ورؤياه الصالحة، في آخر الزمن...) أو (رؤياه الحسنة) على الرواية الثانية والثالثة.
وذلك واضح على القول بان العام والخاص والمطلق والمقيد المثبتين، يقيِّد أحدهما الآخر.
واما على عدم القول به فلا، إلا بدعوى ان العرف الملقى إليهم الكلام يفهمون من ضمهما ذلك. فتأمل[9]
وبناءً على تمامية ما ذكر يقال: انه لا بد من إحراز كونها رؤيا صالحة أو حسنة لإحراز كونها نبوة، ولا عكس، فلا جدوى من التمسك برواية (رأي المؤمن ورؤياه) لكن قد يقال: ان تلك منقحة لموضوع هذه. فتأمل[10]
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - أي كلي انه قد يرمز بالشخص إلى ولده أو قريبه... الخ.
[2] - قد مضت مناقشاتنا في أمثال هذه الاستدلالات فراجع.
[3] - بحار الأنوار ج58 ص221-225 بتصرف.
[4]- راجع مثلاً ما نقله البحار عن بعض المحققين ج58 ص206 – 207.
[5] - بمعاني الحجية الثلاثة: منجزاً، ولازم الاتباع، وكاشفاً عن الواقع.
[6]- البحار ج 58 ص191.
[7]- روضة الكافي.
[8]- عنه بحار 058 ص159.
[9]- لوجوه منها ان هذه الدعوى هي نقاش في المبنى وقد فرض في الشق الثاني قبوله ومنها: ان السند رواية الأولى عامي إلا بدعوى مطابقة مضمونه للقواعد ولروايات عديدة من طرقنا منها ما عقّبناه به فتأمل إذ ما سبق تفصيل في المبنى فهو قول ثالث، ولكفاية الروايتين الأخيرتين..
[10]- لأظهرية مخصصية هذه لتلك ولظهور كون الصالحة أو الحسنة، قيداً احترازياً لا توضيحياً.
الأحد 6 شعبان 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |