044-خبر الثقة ممحض في الطريقية والجواب عن إشكال -جابرية السند بالظن غير المعتبر لدخوله في منطوق آية النبأ، والجواب
الأحد 21 جمادى الأولى 1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(44)
إشكال: حجية الخبر من باب الطريقية - الموضوعية
سبق: (لا يقال: ليست حجية الخبر من باب الطريقية المحضة، ليقال بان كل ما يوجب أقربيته للواقع تكويناً وإن لم يكن حجة فانه يرجّحه على معارضه، وذلك لأن المشهور اشترطوا في حجيته كونه خبر إمامي عادل، فليس حجة إن لم يكن خبر الإمامي للروايات المتعددة ومنها: ((لَا تَأْخُذَنَّ مَعَالِمَ دِينِكَ عَنْ غَيْرِ شِيعَتِنَا))([1]) كما ليس حجة إن لم يكن خبر العادل؛ لدلالة آية النبأ على مدارية العدل والفسق فإن كان فاسقاً فيجب التبين وإن كان عادلاً فلا يجب. (وذلك حسب ما قالوه).)([2]).
الجواب: الخبر فيما عدا ما اشترط فيه موضوعياً، طريقي
إذ يقال: مع قطع النظر عن النقاش في المبنى وانه لا يشترط في حجية الخبر إلا كون الراوي ثقة، من دون اشتراط كونه إمامياً عادلاً، فانه، حتى على مبنى اشتراطهما، فان الخبر يبقى فيما عدا تقييده بالشرطين، الإيمان والعدالة، حجة طريقية محضة، والفرض ان الكلام في ترجيح أحد الخبرين الصحيحين، بكون رواتهما إماميين عدولاً ضابطين، على الآخر، بالظن المطلق وانه حتى مع عدم اعتباره فانه مرجح تكويني لما طابقه لأنه يوجب وجداناً أقربية مطابقته للواقع وإصابته، فيترجح قهراً.
فيترجح بما يوجب أقربيته للإصابة
وبعبارة أخرى: الخبر وإن كان حجة من باب الطريقية – الموضوعية إلا ان جهة موضوعيته محددة مشخصة فيبقى فيما عداهما ممحضاً في الطريقية، فمع إحراز تحقق الجهتين الموضوعيتين فان كل ما يقوّي جانب الطريقية في الخبرين فانه يوجب اقوائية ملاك حجيته وحيث كان هو تمام الملاك بعد إحراز الجهة الموضوعية، كان الأقرب للإصابة من الخبرين الجامعين لجهتي الموضوعية، هو الحجة.
واحتمال وجود جهة موضوعية أخرى منتفٍ بالأصل، بل وببنائهم على عدم غيرهما، وبمسلمية كون الطرق إمضائيات طريقيات فيما عدا ما خرج بالدليل كونه قد أخذ فيها لمصلحة سلوكية. هذا.
القسم الثالث: الظن المطلق المندرج في ظن خاص
ويمكن إدراج الظنون المطلقة في دائرة الحجج رغم عدم دلالة دليل خاص على حجيتها، فيما إذا أمكن إدخالها، بوجه، في ضمن أحد الأدلة الخاصة، وذلك كإدخال الخبر الضعيف في دائرة التبيّن المصرّح به في الآية الكريمة، ببركة موافقة الشهرة له كما سيأتي بعد قليل، وهو أمر متوسط بين الظن الخاص أي الذي دلّ دليل على حجيته بخصوصه والظن المطلق الذي لم يدل على حجيته دليل بخصوصه ولم يدخل في ضمن دليل خاص ويندك فيه، ولذلك مصاديق وتصويرات:
كالضعيف المنجبر بالشهرة، لأنه متبيّن
منها: القول بصحة جبر السند الضعيف بالشهرة، رغم عدم القول بحجيتها، بناء على ان الشهرة إذ طابقت الخبر الضعيف أخرجته من دائرة كونه غير متبيَّن إلى دائرة كونه تبيناً، فيندرج في منطوق آية النبأ، كما تخرجه من دائرة الجهالة إلى دائرة اللاجهالة، ومن دائرة الندم إلى دائرة اللاندم، وذلك هو ما ذهب إليه الوحيد البهباني ونقل عن الشيخ كاشف الغطاء([3]) وقد أشار إليه المحقق القزويني ولكنه أشكل عليه:
نقد القزويني لكونه تبيّناً
قال: (وقد يدّعى: كون جبر السند بالشهرة [مستفاداً] من مفاد منطوق آية النبأ الدالّ على جواز قبول خبر الفاسق بعد التبيّن، بناءً على أنّه أعمّ من التبيّن الظنّي، والنظر في الشهرة فتوىً أو عملاً أو روايةً من حيث استلزامه الظنّ بصدق الخبر الضعيف، تبيّنٌ ظنّي.
ويزيّفه: بعد منع الاستلزام في بعض أقسام الشهرة، أنّ البناء على تعميم التبيّن يأباه أوّلاً: مادّة التبيّن، لكونه من البيان بمعنى الوضوح، فيكون ظاهراً في التبيّن العلمي، فلا يصرف عنه إلاّ لقرينة مفقودة في الآية.
وثانياً: لفظ «الجهالة» لظهوره فيما يقابل العلم، والظنّ غير المعتبر كما هو مفروض المقام غير خارج منه.
نعم لو كان الظنّ المأخوذ في التبيّن الظنّي من الظنون المعتبرة خصوصاً أو عموماً، قام بمقتضى دليل اعتباره مقام العلم، ومفروض المسألة ليس منه.
وثالثاً: تعليل الأمر بالتبيّن بما يوجب الندم، وظاهر أنّ التعويل على الظنّ الغير المعتبر في العمل بالخبر الضعيف اكتفاءً بالتبيّن الظنّي المفروض، من موجبات الندم، فيشمله المنع من العمل المستفاد من المنطوق)([4]).
ولكن الظاهر عدم تمامية إشكالاته كلها، وسيأتي غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((الْعَاقِلُ مَنْ كَانَ ذَلُولًا عِنْدَ إِجَابَةِ الْحَقِّ مُنْصِفاً بِقَوْلِهِ جَمُوحاً عِنْدَ الْبَاطِلِ، خَصْماً بِقَوْلِهِ يَتْرُكُ دُنْيَاهُ وَلَا يَتْرُكُ دِينَهُ، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ شَيْئَانِ: صِدْقُ الْقَوْلِ وَصَوَابُ الْفِعْلِ))
(مصباح الشريعة: ص103)
-----------
([1]) محمد بن عمر الكشي، رجال الكشي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد المقدسة، ص3.
([4]) السيد علي الموسوي القزويني، تعليقة على معالم الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج5 ص410.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
-----------
([1]) محمد بن عمر الكشي، رجال الكشي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد المقدسة، ص3.