56- ادلة اخرى على جواز الاحتياط الاشكال على جواز الاحتياط في العبادات بفقدان قصد الوجه و التمييز
الثلاثاء 23 صفر 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين و اللعنة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول الاحتياط القسيم للاجتهاد والتقليد وانه قد يُستدل على جوازه بالمعنى الأعم وعلى حُسنه بادلة مختلفة , ذكرنا مجموعة من الأدلة ,بقي أن نشير الى الاخرى.
من الأدلة على جواز الأحتياط: بناء العقلاء , منها : سيرة المُتشرعة كما نرى في مثل إجراء عقد النكاح حيث يحتاطون بإجراء صيغ مختلفة , ومنها: الإجماع
هذه الأدلة الثلاثة لا حاجة لكثير بحث عنها فغاية ما تُفيده هو الجواز في الجملة لا الجواز بالجُملة، وذلك لأنها أدلة لبية فيُقتصر فيها على القدر المتيقن لأن بناء العقلاء وسيرتهم وكذا سيرة المُتشرعة لا لسان لها كي يُتمسك بإطلاقه أو عمومه، وأما الإجماع فهو غالبا مما لا معقد له فلا يُتمسك أيضا بإطلاقه أو عمومه من باب السالبة بانتفاء الموضوع ( اذ ان وجود معقد للإجماع اي: اتفاق الفقهاء في مسالة ما على لفظ واحد بعينه، امر نادر، فعندما يُقال: ان الإجماع لا لسان له او انه دليل لبي يقصد بذلك ما عدا ما كان له معقد بان عُقد على لفظ خاص وجملة خاصة وهو المعبر عنه بالاجماع اللفظي في مقابل الاجماع اللبي )
والاجماع لا معقد له في المقام فغاية الأدلة الثلاثة جواز الاحتياط في الجملة فلا يتمسك بها الا بالقدر المتيقن.
فعلى هذا تخرج تلك الموارد الستة عشرة المتقدمة من الجواز او الحسن،تخرج بالحجة كما قلناه فيما مضى اولانها مشكوكة (على اقل فرض ) فلا تشملها هذه الادلة الثلاثة الاخيرة لها، اذ لا اطلاق لها.
ويؤكد هذا المعنى الذي ذكرناه ان هذه الثلاثة، موارد النقض فيها كثيرة، اذ ان بناء العقلاء في كثير من المواطن ليس على الاحتياط، وكذا سيرة المتشرعة في كثير من المواطن ليست على الاحتياط، وكذلك الاجماع، فبعض تلك الصور الستة عشر على خلاف الاحتياط.
اما الإشكالات التي يمكن أن تورد على جواز الاحتياط او حسنه فانها تنقسم الى طوائف ثلاث:
الاولى: الإشكالات العامة.
الثانية: الإشكالات الخاصة بالعبادات.
الثالثة: الإشكالات الخاصة بالمعاملات. وسنتطرق لأهم الإشكالات من الطوائف الثلاث.
أما الإشكالات الخاصة بالعبادات ونبدأ بها:
فمنها: ان العبادة يعتبر فيها قصد الوجه اولاً، كما يُعتبر فيها قصد التمييز ثانياً، فالاحتياط فيها مُبطل للعبادة اذ ان العمل الاحتياطي المأتي به بعنوان عباديته لا يتوفر فيه (هذان الشرطان)، هذا هو الإشكال الأول. وهذه المسالة عامة الابتلاء وسيالة في كل عبادة من صلاة وصوم وحج وغيرها, هذا اجمال الكلام أما تفصيله فيتم بذكر مقدمات:
المقدمة الاولى: ماذا يعني قصد الوجه وقصد التمييز؟
(قصد الوجه) أي قصد الوجوب أو قصد الندب، وبتعبير اخر: قصد سنخ الطلب وذلك فيما لو علم بتوجه امر الى العبد لكن شك في نوعه: هل هو امر ايجابي ام ندبي؟ فقصد الوجه أي وجه هذا الاتيان او وجه هذا الامر,كصوم شهر رمضان لوجوبه، وصوم شهر رجب وشهر شعبان لاستحبابه.
ثم ان قصد الوجه اعم مما لو دار امر المجموع، او دار امر الجزء او الشرط بين الوجوب او الاستحباب، مثل جلسة الاستراحة اذا تردد امرها بين الوجوب والاستحباب، لكنه خاص بالدوران بين الوجوب والاستحباب.
اما (قصد التمييز) : فالمراد به قصد الاتيان بالفعل لأنه مأمور به(1)، وهذا لايكون الا بعد الفراغ عن كونه متعلقاً للامر، فينحصر ما يتمصدق فيه قصد التمييز فيما لو دار الامر بين الوجوب والإباحة او بين الندب والاباحة، فإذا ترددنا في شيء انه واجب او مباح، فلو قلنا: بان قصد التمييز معتبر، فيجب ان نميز المأمور به عن غيره، والمثال لذلك الصلاة للقبلة المشتبهة المرددة بين الجهات الاربعة، فالصلاة الى احدى الجهات امرها دائر بين الوجوب والاباحة، اذ انني عندما اصلي لهذه الجهة لا اعلم ان هناك امراً ام لا؟ لان الامر انما توجه للصلاة الى جهة الكعبة لا الى غيرها.
اما في جلسة الاستراحة؛ فيوجد امر لكن لا علم بانه للوجوب او الندب، وفي الدعاء عند رؤية الهلال، الى غير ذلك من الامثلة.
ثم كان الافضل ان يؤخر قصد الوجه عن قصد التمييز، اذا اريد به هذا المعنى الانف الذكر؛ لان الترتيب الطبعي لهما : أن نشترط قصد التمييز اولاً، ثم بعد ان اشترطنا قصد التمييز نشترط قصد الوجه ايضا، لكن الذي جرى في لسان الفقهاء هو: عكس الترتيب الطبعي.
المقدمة الثانية: هذا المبحث (مبحث قصد الوجه والتمييز) لا فرق فيه بين الواجبات النفسية والضمنية أي ان البحث جار في كلتا الصورتين خلافاً لبعض الاعلام حيث خصص البحث في الواجبات النفسية واعتبر الواجبات الضمنية مفروغاً عنها، وانه لا يعتبر فيها القصد(2), ولكن بلحاظ سوق الادلة نجد شمول البحث للقسمين توضيحه بايجاز:
القسم الاول: الذي يجري فيه النقاش (الواجبات النفسية) بمعنى ان هذا المركب الاعتباري (كالصلاة المركبة من سجود وركوع وقنوت وجلسة استراحة وغيرها) علينا ان نأتي بمجمل هذا المركب بعنوان وجوبه مع اخراج تلك الاجزاء المستحبة فيه او المردد امرها فان لم تستطع تعيينها فاحتط عندئذٍ فقط، عليه لا يكون الأحتياط قسيما للاجتهاد والتقليد بل هو في طولهما، ويلجاً اليه لدى العجزعن تحصيل الحجة على الواجب تفصيلاً، فيتفرع على القول بوجوب قصد الوجه: ان الانسان لو صلى الظهر ناوياً بان هذه الصلاة باجمعهاواجبة بما فيها القنوت، فلو كان مقصرا فصلاته باطلة لانه أخل بشرط مقصرا( وانما قيدنا بـ(مقصراً)حتى لاتشمله قاعدة لا تعاد(3)).
وكذا لوصلى الظهر وهو جاهل ان القنوت واجب ام لا ؟ فلم ينو الوجوب اي وجوب المركب الاعتباري باكمله، فيما كان جهله عن تقصير.
ولو التزمنا بذلك فان كثيراً من عبادات الناس تواجه الاشكال فمثلا في الحج فان الكثير من الناس لا يعلمون ان هذا العمل واجب او مستحب، بل انه يسير خلف المرشد، ولعل الكثير من الناس يتصور بعض المستحبات واجبة، فمثلا قد يعتقد بان صلاة تحية المسجد واجبة، او يعتقد وجوب كثير من الادعية ، او يعتقد وجوب غسل الاحرام او غير ذلك.
المورد الثاني: الذي نقول ان الادلة التي سيقت – او التي يمكن ان تساق – دليلاً على اعتبار قصد الوجه او التمييز، تشمله هو الواجبات الضمنية ايضاً، فان المبحث استدلالاً وجواباً، يجري في الواجبات الضمنية، فمثلا لو ان شخصا في خصوص جِلسة الاستراحة لما اتى بها لم يأت بها لاستحبابها، فبناءاً على الاشتراط يكون هذا الجزء باطلاً، ولم تقع عبادة، او عندما دعا عند رؤية الهلال ولم يقصد (لاستحبابه) فلا تقع عبادة لعدم مطابقة المأتي به للمأمور به.
المقدمة الثالثة: ما هو الدليل على ذلك؟
فان المدعى هو: ان قصد الوجه وقصد التمييز معتبران في العبادة (ككبرى كلية) وكصغرى جزئية قلنا: ان الاحتياط لا يحقق ولا يوفر هذين القصدين، فان الشخص اذا تردد بين القصر والإتمام، فاذا اتى بالقصر فانه لا يعلم انه واجب، وكذا الامر لو اتى بالاتمام فانه لا يعلم انه واجب، فلا يستطيع قصد الوجوب فقد اخل بقصد الوجه بل بقصد الامر، والسؤال الان هو: فما هو الدليل على اعتبارهما؟
والجواب:هناك ادلة عديدة يمكن ان تذكر، وهي بين عقلية ونقلية:
الدليل الاول: ان الحاكم في باب الاطاعة هو العقل، وهذا مما لا شك فيه اذ لو كان الحاكم هو الشرع للزم الدور، فالحاكم في باب الاطاعة،هو العقل، كما انه الحاكم في باب كيفية الاطاعة، الا لوتصرف الشارع في الكيفية.
وفي المقام لو ان العبد اتى بالعبادة لا بقصد التمييز او لا بقصد الوجه فانه لا يعد مطيعا لان الاطاعة تعني نسبة الفعل الصادر من العبد للمولى والذي لا يعلم بأن هنالك امر ام لا كيف ينسب هذا الفعل للمولى فلا يمكنه ان يقصد الامر. هذا هو الوجه الاول.
واضعف منه ما يقال في قصد الوجه: حيث يجري نفس الكلام فان العبد لو اتى بصوم شهر رمضان غير قاصد وجوبه، فلا يعد عمله اطاعة ؛ اذ اتى به لا لوجوبه فلا يعد مطيعا.
وسيأتي ان هذا المبحث قد تسرب الى الاصول والفقه من كلام المتكلمين ومنهم الخواجة نصير الدين الطوسي لكن حسب ملاحظة بعض كلماتهم، فان عباراتهم هناك لا تدل على هذا المبحث الفقهي وهذا الاشتراط، وان المقصود لهم شيء اخر.
وصل الله على محمد واله الطاهرين....
الهوامش ..................................................
(1) التنقيح ج1 ص 50
(2) سياتي في البحث القادم معاني اخرى لقصد التمييز.
(3) المشهور ان الاخلال بالركن عامداً او جاهلاً قاصراً او مقصراً مبطل للصلاة، اما الاخلا بغير الركن من الاجزاء او الشرائط فانه مبطل لو اخل به عامداً، ويلحق به الجاهل المقصر على تفصيل في الجهل بالحكم والموضوع والشروط، وهناك كلام حول حديث لا تعاد يوكل لمحله.
الثلاثاء 23 صفر 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |