||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 234- مقام التسليم والانقياد لولاة الأمر وأَبطال حول أمير المؤمنين (عليه السلام) (قيس بن سعد بن عبادة)

 236- فائدة لغوية: الفرق بين الإمساك والملك

 195- ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) -6 ( شروط الامامة وأدوارها ودعائمها ) ( الشعائر ) دعائم استراتيجية للدور الحسيني الاعظم

 99- (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي-12 جسور التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني

 تأملات و تدبرات في اية الاذان بالحج

 196- ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) ـ7 الابتلاء في الموقف الشرعي من الاديان والابدان ومع السلطان

 218- بحث فقهي: التعاون على البر والتقوى محقق لأغراض الشارع المقدس

 57- بحث اصولي: انحاء وصور مخالفة النص للعامة

 26- فائدة ادبية بلاغية: نكات بلاغية في العدول عن صيغة المجرد الى صيغة المبالغة

 65- فائدة عقدية: مباحث الحجج والتعارض قلب علم الاصول



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23699881

  • التاريخ : 28/03/2024 - 18:03

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 175- مباحث الأصول: (مبحث الأمر والنهي) (4) .

175- مباحث الأصول: (مبحث الأمر والنهي) (4)
26 رمضان 1438هـ

الفائدة الرابعة: لا لغوية في الوجوب الشرعي مع وجود الوجوب العقلي؛ لأنه توجد له عدة فوائد، كتأكد استحقاق العقاب وزيادته، وتعدد الشدة في المحركية  والزاجرية، وغيرها.
ذكروا أنه مع وجود الوجوب العقلي والفطري يصبح الوجوب الشرعي بلا فائدة ولغواً؟
وهذا الإشكال  قد دفع الكثير من الأصوليين على حمل  كثير من العناوين على الارشادية؛ لأنه يكفي في الباعثية الوجوب أو الإيجاب العقلي ؛ كما في وجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط فإنه مما يستقل به العقل أو الفطرة فلا فائدة للوجوب الشرعي فيها ؟ 
الجواب: لا لغوية ،  بل أن الوجوب الشرعي له ثمرات عديدة تقتضي كونه تمام الحكمة ، ومن هذه الثمرات:

الثمرة الأولى: تعدد حيثية وجهة استحقاق العقاب ؛ وذلك إما لتعدد الملاك ،  أو لتعدد الحاكم [1]،  والأصل عدم تداخل الأسباب ؛  فيكون لكل ملاكٍ استحقاقٌ للعقوبة خاص به  يوجب زيادته كمية أو كيفية .
وتوضيحه :أن الحاكم بوجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط لو كان هو العقل فقط وخالفه الإنسان لاستحق عقاباً واحداً فقط ، ولكن لو أُضيف للوجوب العقلي أمر مولوي شرعي ،  كما لو قال تعالى : ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾  [2]،  أو كما قال عليه السلام ((خذ من زكريا بن آدم)) [3]  أو : ((فللعوام أن يقلدوه))[4]، أو: ((أخوك دينك فاحتط لدينك)) [5] ؛فحينئذ توجد حيثية جديدة لاستحقاق العقاب ؛ وعلى هذا فلو خالف استحق العقاب من حيثيتين وجهتين : فاستحق أشدية العقاب كيفاً أو تعدده كماً .
وهنا نأتي بمثال خارجي للتوضيح : فشرب الخمر مضر  مما يقتضي تحريمها ،  ولكن لو سقطت في الخمر قطرة سم ؛  فهنا  حيث وجد ملاكان لتحريم الخمر  ؛ فيتعدد استحقاق العقاب  لتعدد ها [6]؛ وعليه فكما يتعدد العقاب الدنيوي لو نهاه المولى للجهتين ؛ لتعدد الملاك وكما يتعدد الأثر الوضعي ، كذلك هو الحال في العقاب الأخروي إذا تعدد الملاك  تعدد استحقاق العقوبة، وهذا حال تعدد الملاك  ؛ وكذلك إذا تعدد الحاكم فإنه يتعدد استحقاق العقاب  ، ومثاله العرفي : فيما لو نهى المولى عبده عن الخروج من الدار فخرج ، فقد استحق العقاب ، ولو أضيف إليه نهي الأب - بناءً على وجوب إطاعته حتى مع عدم التأذي- فهنا يتعدد استحقاق العقاب  ؛ نظراً لمخالفته النهي المولوي ونهي الأب معاً .
والحاصل : أنه قد يتعدد العقاب لتعدد الحاكم وإن أتحد الملاك ، كما لو كان نهي كليهما له خوفاً عليه من المفترس.

 الثمرة الثانية: تعدد العقاب في الجملة [7] ، فإنه قد لا يصل إلى مرحلة الفعلية  ؛ لأنه لا تلازم بين الاستحقاق والعقاب  ،  إما للشفاعة أو تفضلاً .
والحاصل: أن الاستحقاق لا يمكن دفعه ،  وأما العقوبة فيمكن دفعها بما تقدم ؛  فلا تلازم بين الاستحقاق والفعلية.
ومن هنا يتبين وجه الإشكال على كلام  الآخوند :  بأن مولوية الأوامر في المستقلات العقلية يلزم منه تعدد العقاب ؛  والتالي باطل بالضرورة ؛ فالمقدم مثله .
فنقول : فإنه يُجاب بالمناقشة في الصغرى ؛ وأن تعدد العقاب ليس باطلاً بالضرورة، هذا أولاً.
وثانياً : لو سلمنا عدم التعدد فإن عدم التعدد في العقوبة إنما هو للتفضل -مثلاً - لا لعدم الاستحقاق، ولا يلزم من المولوية تعدد العقاب  ، بل تعدد وجه استحقاقه.

الثمرة الثالثة: شدة المحركية وشدة الزاجرية،  وأقوائية البعث  والزجر ؛ لكونهما من الحقائق المشككة ذات المراتب كالنور والحلاوة ؛ فإن العبد قد يعلم أن الكذب حرام لكنه قد يكذب مع ذلك، ولكن لو ردعه من يحترمه أو من يخاف منه فإنه يزيد في الزاجرية في النواهي والباعثية في الأوامر ، هذا مع قطع النظر من  أن الوجوب بنفسه مشكك ، وأن الوجوب العقلي مرتبة من الوجوب ،  فإذا أضيف له الوجوب الشرعي ازداد الوجوب شدة [8]، وكفى بها من ثمرة.

الثمرة الرابعة: تحول الشك والظن إلى علم، وتحول العلم العادي إلى علم اليقين  أو حق اليقين؛ وذلك أن الوجوب الشرعي لو انضم للوجوب العقلي أو الفطري لأنتج - ولو في الجملة - تحول الشك إلى علم  أو تحول ظنه إلى علم  ، وهذه ثمرة عملية .
أو قُل: إنه أفاد تحول العلم العادي لدى بعض المكلفين إلى علم اليقين أو حق اليقين ، وهذه ثمرة نظرية ، بل هي عملية بوجه؛ إذ لعل العبد يشك في وجوب شكر المنعم عقلاً كما أنكره البعض ، فإذا جاء أمر المولى ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [9] تحول شكه إلى علم  ، وهذه ثمرة عظيمة.

الثمرة الخامسة: أنه في الوجوب الشرعي - بعد الوجوب العقلي والفطري - يحصل  إتمام الحجة على الغير ؛ وذلك أن الكثير من العقلاء لا يسلّم بوجود حكم عقلي في المقام[10]؛ إما لأنه ينكر القبح والحسن العقليين ويرى أن الحَسَنَ ما حسنه الشرع والقبح ما قبحه الشرع[11]؛  فهكذا شخص لو لم يَرِد من الشارع أمر أو نهي لما تمت عليه الحجة [12]؛  لأنه جاهل جهلاً مركباً  ؛ لأنه قاطع بأن الحَسَن ما حسنه الشارع والقبح ما قبحه الشارع ، وكذا الحال كمن يرى الاجتهاد بدعة [13]؛  فهؤلاء لا تتم عليهم الحجة بحكم العقل ولا بحكم الفطرة لقطعهم بالخلاف ، لكن إذا جاء حكم الشارع وقال :﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾[14]أو  ((العمري ثقتي)) [15] تمت عليهم الحجة ، فإن الاجتهاد والتقليد عندهم لا إلزام بأي منهما لو لم يرد فيهما أمر من الشارع.
والحاصل : أن الإخباري  ينكر جواز الاجتهاد ويراه بدعة كما ينكر جواز التقليد أيضاً ؛ بل أقام بعضهم عشرة أدلة عقلية ونقلية على ذلك .
إذن فهو قاطع بأن الاجتهاد والتقليد بدعة وأن التقليد رجوع لغير الأئمة عليهم السلام  ، في حين أن الروايات الكثيرة أمرت بالرجوع  إليهم عليهم السلام  وهذا  أحد أدلتهم ، والجواب عنه بشقين:
الشق الأول : أن ذلك[16] كان في قبال العامة الذين كانوا يرجعون إلى فقهاء السلاطين أو إلى فقهائهم مطلقاً ، وليس ذلك في قبال الخاصة الذين يرجعون لأهل البيت عليهم السلام وفقهاء الخاصة .
الشق الثاني : أن الرجوع إلى فقهاء الخاصة هو رجوع للأئمة عليهم السلام ؛  لأنهم صلوات الله عليهم أمروا بذلك حينما  قالوا : ((أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا )) [17].
إذن رغم وجود حكم عقلي واضح بوجوب الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط للوصول إلى أوامر المولى ، إلا أن الإخباري ينكر ذلك وهو قاطع بذلك  ؛ فأمر الشارع هنا - لو ثبت لديه -  ينفع في إتمام الحجة عليه.

الثمرة السادسة: محركية الغير نحو العمل، وفرق هذه الثمرة عن التي سبقتها : فهناك  قد افترضت باعثية ضعيفة لحكم العقل فكان أمر الشرع منتجاً لشدة المحركية، وأما هنا فالمفترض عدم محركية حكم العقل له أبداً إما لعدم إذعانه به أو لغير ذلك ؛ فتكون فائدة أمر الشارع محركيته  ؛ فإنه قبل ذلك لا محركية له ؛ لأنه يعتبره حراماً.
والحاصل: أن مثل الأخباري إذا تمت عليه الحجة الشرعية فإنها تبعثه نحو العمل ،  فنقول له  : أنت لا تؤمن بالحكم العقلي ،  لكن يوجد أمر شرعي: ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا﴾ [18]  و((أجلس في المسجد وأفتِ الناس)) [19]؛ والفتوى لا تقتصر على نقل الرواية ، بل قد يقال: بعدم إطلاقها عليها، أما الكافر فحتى لو تمت عليه الحجة فإنه قد لا ينبعث ، فتأمل.

الثمرة السابعة: دفع احتمال وجود مزاحم أقوى ، أو احتمال وجود مانع .
وتوضيحه: أن العقل هو المدرك للكليات والحاكم عليها ، لا على الجزئيات على المشهور ، فعلى هذا فإن الكلي الطبيعي هو موضوع الأحكام العقلية، وهذا الموضوع الكلي على قسمين ؛ فتارة يكون تمام موضوع الحكم كالعدل ؛  فيكون هذا العنوان بنفسه علة تامة للحكم ويكون مسوراً بسور (( كل ))  ، وتارة أخرى  يكون جزء الموضوع  ، أي بنحو المقتضي كالصدق، فإذا وجد المانع فلا حكم، كما لو كان الصدق موجباً لضرر الغير .
ومثاله : لو حكم العقل بوجوب الصدق ؛  فإن حكمه إنما هو بنحو المقتضي؛ لأن العقل حيث لم يدرك جميع الجهات وهل يوجد مانع أم لا يحكم بنحو المقتضي ليس إلا ؛ فإذا جاء حكم الشرع بالوجوب مطلقاً لكشف أن ذلك تمام الموضوع، أو بعدم الوجوب في صورة لكشف أنه مقتضي.
ومثال آخر: أن رد الوديعة واجب عقلي ، لكن العقل  قد يتحير عندما يلاحظ بعض حدود القضية أو بعض أصنافها  ؛ كما في رد الوديعة للكافر -خاصة الحربي  -  فإنه مقتض بنظر العقل لا علة تامة ؛ فحينئذ يتحير العقل هل أن هذا الفعل حسن  أم لا ،  وأما إذا قال الشارع يجب إرجاع الوديعة مطلقاً حتى إلى قاتل أبيك  ، وحتى للكافر الحربي  ؛ فهنا الوجوب الشرعي قد أفاد فائدة جديدة ؛  وهو كون هذا العنوان بما هو هو علة لثبوت الحكم ، هذا إذا كان الموضوع في بدو النظر بنحو المقتضي [20]
وأما لو كان الموضوع تمام العلة في نظر العقل كما في العدل ،  وجاء حكم من الشارع على طبقه ، كقوله  تعالى : ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [21]  فهل هناك فائدة من حكم الشرع على طبقه أم لا؟
فنقول : إن الكبرى لو تمت وكان الموضوع تمام العلة للحكم بنظر العقل ،  فيمكن القول كبروياً  بأن أمر الشارع مولوي أيضاً لما سبق من ملاك المولوية ، نعم  هذه الثمرة السابعة تنتفي دون الأولى والثانية والثالثة، بل والرابعة والخامسة والسادسة على تأمل.
وأما صغروياً : فقد يناقش في وجود موضوع هو تمام العلة كعنوان بنظر العقل ؛  فحتى العدل يمكن أن يدعى كونه مقتضياً لا تمام العلة  ؛ ويشهد له ما لو كان العدل  بالنسبة لشخص موجب لوقوعه في ضرر أقوى ؛  كما لو كان إعطاء الأب بعض أولاده شيئاً أكثر من باقي أولاده لاستحقاقه من جهة أو جهات،  وكان ذلك موجباً لحسد أخوته حتى أنه ربما هموا بقتله بسبب ذلك ؛ فليس العدل تمام العلة للحسن والوجوب،  فتأمل.

الثمرة الثامنة: التمسك بالإطلاق أو العموم  ، وهذه ثمرة مهمة وسيالة في مختلف أبواب الفقه .
وتوضيحه : أن الأحكام العقلية   -  في غير ما جزم العقل بالكلية [22]-  هي أدلة لُبية يقتصر فيها على القدر المتيقن ولا إطلاق ولا عموم لها ، فإذا لحقه الحكم الشرعي اللفظي[23] - وهو عام أو مطلق  - كان كاشفاً عن حدود الحكم العقلي توسعة وضيقاً ؛ فيرجع على هذا للحكم الشرعي  في حدود الحكم العقلي.
ومثاله في المقام: أن العقل يحكم بالوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط، لكنه حكم في الجملة لا بالجملة ، فلو شككنا في دخول موضوع معين في الوجوب - كالمستحبات والمباحات  - وأنه هل يجب فيها أحد الثلاثة  أم لا؟ فيكون المرجع الإطلاق الشرعي اللفظي إن وجد، نحو:﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾[24]؛ استناداً إلى أن الدين لا يختص بالإلزاميات فيشمل بإطلاقه السنن ، بل حتى المباحات ، وأما لو كنا نحن والحكم العقلي لاقتصرنا على القدر المتيقن وهو الأحكام الإلزامية ، هذا كله في عالم الثبوت  والواقع مع بعض الإشارة لعالم الإثبات ، وأما في عالم الإثبات فنسأل كيف نميز أن حكم العقل هذا مولوي ،  أو أنه ارشادي لحكم العقل  أو الفطرة ،  وما هو المائز ؟
والجواب بإيجاز: أن الملاك في عالم الإثبات هو ظواهر الألفاظ من غير وجود قرينة صارفة ؛ بدعوى أن بناء العقلاء على أن الأوامر والنواهي العامة والمطلقة وما شابه إذا صدرت من المولى فالأصل فيها المولوية [25]، كما أنها ظاهرة في العموم أو الاطلاق ، فكلمة(العلماء)ظاهر في العموم ، وكلمة (العالم) ظاهر في الإطلاق ، وأما كلمة  (أكرم) فلها ظهوران:  فإنها ظاهرة في الوجوب ، كما أنها ظاهرة في المولوية.
ولكن بعض الأعلام وإن التزم بظهور الأوامر والنواهي في المولوية، لكنه استثنى من منه صورتين:
الصورة الأولى: في المستقلات العقلية، بدعوى أن الأوامر الشرعية في مواطن المستقلات العقلية ليست مولوية ، بل تحمل على الإرشادية ؛  لأحد محاذير أربعة:  إما الدور ،  أو التسلسل  ، أو تحصيل الحاصل ، أو اللغوية، وقد تقدم الجواب عنها.
الصورة الثانية:  عند ذكر التعليل في الدليل ؛  فكلما ذُكر  في التعليل في الحكم الشرعي فإنه يصرف الظاهر عن ظهوره في المولوية إلى الإرشادية  ؛ لأن التعليل يناسب مقام الناصح ، أما المولى فلا يحتاج إلى ذكر العلة ، بل يجب أن يطاع بلا تعليل ، وممن ذكر ذلك السيد الحكيم في المستمسك [26]؛ لكن الحق أن ذلك غير تام لأمرين :
الأمر الأول: لا إطلاق ؛  لكون التعليل صارفاً لظهور اللفظ عن المولوية، وإلا لزم اسقاط أكثر الأوامر والنواهي المولوية  -إن لم نقل جميعها -  عن مولويتها ؛  إذ لا يوجد أمر أو نهي في القرآن إلا وله تعليل سابق ، أو لاحق  ، أو مقارن ؛ كما في قوله تعالى : ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [27] فهو أمر مولوي بلا خلاف ،  وقد تبعه التعليل بـ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾[28] فعلى ذلك المبنى فإن هذا التعليل صارف لأمر الحج عن المولوية، مع أن الأمر بالحج مولوي بلا كلام ، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[29] فإن ﴿ لِذِكْرِي﴾  تعليل ،  وكذا التعليل بـ ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [30] .
وكذا الحال في الروايات المعللة [31]، كقوله عليه السلام : (( لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم )) وهذا تعليل بضرر دنيوي ،  (( فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )) [32]؛ وهذا تعليل بضرر دنيوي وأخروي.
نعم ، النقض خاص بالتعليلات المتصلة لو كان المدعى : أن التعليل بالمتصل صارف دون التعليل بالمنفصل.
لا يقال: إنّا علمنا مولويتها من الخارج ،  كالحج والصلاة .
فإنا نقول: إن هذه الأوامر تفيد المولوية بنفسها حسب الظاهر ، فإن قوله تعالى : ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾[33] يفيد المولوية بنفسه من غير حاجة إلى دليل خارج ، ولا يرى العرف[34] إخلال التعليل ﴿ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [35] بالمولوية ، بل يرون ذكره لمزيد الفائدة والتحريض.
الأمر الثاني [36]: لا تدافع بين مقام المولوية ومقام التعليل ؛ بل هناك تعاضد بينهما  ؛  بل تكامل أيضاً ؛ بل هو مقتضى الحكمة ؛  فإن المولى لكونه رحيماً بالمؤمنين شفيقاً عليهم : ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[37] ولمقتضى قاعدة اللطف ولغيرها ، يشفع الأمر بذكر العلة  ؛ وذلك لكي يقرب العبد للطاعة ، فإن بعض النفوس لا تنبعث بمجرد الأمر أو النهي  ؛ بل يكون التعليل هو الباعث لها أو المقوّي للباعثية ؛  ولذا نجد أن قوله عليه السلام ((أجلس في المسجد)) ظاهر في المولوية وإن علّله بـ((فإني أحب أن يرى مثلك)) [38] ولا يرى العرف التعليل مخلاً بالظهور في المولوية ، وكذلك لو ذكرت علة تتعلق بالمخاطب  كقوله تعالى :﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾[39] حيث ذكرت الآية علة تتعلق بالمخاطب: ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ؛ فإن هذه العلة لا تصرف ظهور الآية في وجوب حذرهم أو وجوب تحذيرهم.
اللهم إلا أن يقال: إن المولى تارة يكون له كلا المقامين ، وهما : المولوي ، والناصح  ، و أخرى : يكون له أحد المقامين فقط  ؛ فإذا كان له مقام النصح والإرشاد فقط – كالطبيب - فلا يمكن توهم المولوية ، وأما لو اجتمع فيه كلا المقامين ،  فقد يقال :  بعدم الظهور في المولوية ؛ لاحتمال إعماله كلاً من المقامين ؛  وذلك كما لو كان الطبيب هو المولى ، هذا كبرى.
وأما الصغرى : فلا ريب أن لله تعالى وللمعصومين عليهم السلام كلا المقامين ، كما في  قول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ﴾[40] وقوله تعالى: ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ [41] وقوله تعالى: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [42] بناءً على كون كلمة ناصح يراد منها الواعظ [43].
 ولكن قد يقال: إن الظاهر من كان له مقامان - وكان متعلَّق أمره ونهيه صالحاً للمولوية والإرشادية معاً، بأن اجتمع فيه كلا الملاكين [44] -   فالأصل فيه إعمال كلا المقامين ؛  لكونه مقتضى الحكمة ؛ إذ لا وجه لعدم لحاظ مصلحة الآخر ،  أو إعمال المقام الآخر رغم وجوده وفائدته، وقد يشهد له الاستقراء المعلل.
وبناءً على هذا فإن قوله تعالى: ﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[45] ظاهر في المولوية من غير نفي للإرشادية ؛ بل حيث لا مانعة جمع  ؛ فالأصل إعمال كلا المقامين ، والأمر كذلك حتى في مثل قوله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾[46] وإن كان الموضوع ذا مصلحة دنيوية ؛ فإنه لا ينفي كون الأصل حتى في مثله المولوية .
هذا وقد فصلنا في محله  بأنه ليس الضابط في المولوي والارشادي أن ما كان لمصلحة دنيوية هو ارشادي، وما كان لمصلحة أخروية  هو مولوي [47]؛ كما أن هذه الآية من مصاديق ما ذكر ،من أن  ((الطيّب)) هو المقتضي للحلية لا تمام الملاك للحلية ؛ فتظهر فائدة أخرى من فوائد تشريع الحلية هنا[48].

-------------------------------------


[1] العقل  والفطرة والشرع. 
[2] سورة التوبة : 122.
[3] هذا مضمون الرواية التي  نقلها الشيخ في : اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) : ج 2 ص 858 ، ونص الرواية : عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن الوليد ، عن علي بن المسيب ، قال : قلت للرضا عليه السلام  :  شقتي بعيدة ،  ولست أصل إليك في كل وقت ، فممن آخذ معالم ديني ؟ فقال : من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال علي بن المسيب ، فلما انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألته عما احتجت إليه .
[4] الاحتجاج : ج 2 ص 263 .  
[5] الأمالي : ص 110 ، الشيخ الطوسي  . 
[6] وهما : الضرر من شرب الخمر ، والسم الذي سقط فيها.
[7] ليلاحظ الفرق بين (( تعدد استحقاق العقاب)) أي تعدد جهتي أو جهات الاستحقاق ،  وبين ((تعدد العقاب)).
[8] هذا إن لم نقل بكون الوجوبين فردين متباينين من غير تشكيك  ، وقد ضم أحدهما للآخر.
[9] سورة لقمان : 14.
[10] كما في وجوب الاجتهاد والتقليد .
[11] كالأشعري.
[12]على فرض قصوره في إنكار ذلك الحكم العقلي.
[13] كالإخباري. 
[14] سورة التوبة : 122.
[15]الكافي :ج1ص330 .
[16] وهو : الاجتهاد بدعة.
[17] الكافي : 67.
[18] سورة التوبة : 122.
[19] رجال النجاشي : ص10.
[20]أي إذا لم يثبت لدى العقل أكثر من كونه مقتضياً.
[21] سورة المائدة : 8.
[22] وهذا استثناء ؛ لأن ما حكم به  العقل من هذا القبيل نتيجته لا تختص بشخص دون شخص ، ولا بحال دون حال ، كما لو قلنا : 4 + 4 = 8  ، ولتوضيح  هذا الأمر المهم الذي ذكره  دام ظله ، ولفوائد أخرى ترتبط بمباحث دقيقة  ستأتي  ، نذكر ما سطره صاحب مفاتيح الأصول قدس سره  ص  486 بهذا الخصوص  حيث قال  : (  إن  الكليات العقلية على قسمين كالكليات  اللَّفظية  :
أحدهما :  ما يكون الحكم فيه معلَّقا على جميع الجزئيات على وجه الإطلاق من غير تقييد بقيد مخصوص من القيود المتعارفة  ، كالشرط و الصفة و الغاية و نحوها ،  و هذه نسميها بالكليات المتنجزة  ، وهذه هي الَّتي لا تقبل التخصيص و إخراج بعض الجزئيات عنها .
و ثانيهما : ما يكون الحكم فيه معلقا على جميع الجزئيات لكن لا مطلقا ،  بل بانضمام قيد و اعتباره من شرط أو صفة أو غاية أو نحوها ، كما في قولك  : كل كذب قبيح  ، و كل صدق حسن ،  فإن الكلَّيتين مشروطتان بشرط  ، أمّا الأولى :  فبعدم ظهور مصلحة و ضرورة ، و أمّا الثانية :  فبعدم ظهور مفسدة ؛  و لذا يصحّ أن يقال :  كل كذب قبيح إلا ما يكون تركه موجبا للهلاك  ، و كلّ صدق حسن إلا ما كان موجبا للهلاك ، و مثل هذه الكلية في العقليات كثيرة و نسميها بالكليات التعليقية ،  و من الظاهر أن خروج بعض الجزئيات منها ليس من باب التخصيص و الخروج الواقعي  ، بل من باب اختلاف الموضوع و تغييره باعتبار وجود الشّرط و عدمه ،  فلا يلزم هنا الأمر المحال و هو تخصيص الدّليل العقلي و ذلك واضح في الغاية .

[23] وهو عام أو خاص.
[24] سورة التوبة : 122.
[25] هذا هنا الأصل مبنائي، فالبعض رأى أن الأصل في الأوامر أن تكون مولوية ، والبعض الآخر رأى أن الأصل هو التوصلية ، وكل جماعة استدلت بأدلة لمختارها ، وإذا أردت المزيد فانظر : بدائع الأفكار: ص 287  وما بعدها ، فأنك قد ستشاهد فيه  مبنى ثالث قد اختار المحقق العراقي قدس سره  ؛ وهو التفصيل .
[26] مستمسك العروة الوثقى : ج6 ص 168 ، وهذه نص عبارته  : إن مقتضي تعليل النهي بأن السجود زيادة في المكتوبة أن المنع إرشادي . 
[27] سورة آل عمران : 97 ، وتمام الآية المبارك  : ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ . 
[28]  سورة الحج : 27 ، 28 . وتمام الآيتين المباركتين : ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ .
[29]  سورة طه : 14.
[30] سورة العنكبوت : 45.
[31] هذا وقد جمع الشيخ الصدوق قدس سره كثير من الروايات االمعللة في كتابه : علل الشرائع.
[32]  الكافي : ج5 ص56.
[33] سورة آل عمران : 97 ، وتمام الآية المبارك  : ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ .  
[34] ولا بأس بالإشارة  إلى أن الأصل في التعليل أن يكون ارتكازيا ،  أي مرتكز في أذهان العرف في بيان العلة ومعرفتها  ، لا أن يكون تعبدياً ،  وعلل هذا الأمر   السيد الحكيم قدس سره  في حقائق الأصول :  ج2 ص   403  بعدم كون التعليل تعبدياً بقوله : لأن الغرض من التعليل التنبيه على وجه الحكم بحسب ما عند المخاطب ؛ فلو كان تعبديا لم يترتب عليه الغرض المذكور . 
[35] سورة الحج : 28.
[36] للرد على ما جاء في متمسك العروة .
[37] سورة التوبة : 128.
[38] رجال النجاشي : ص10.
[39] سورة التوبة : 122 .
[40] سورة سبأ :  46 .
[41] سورة الأعراف : 62.
[42] سورة الأعراف : 62.

[43] ويوجد في كلمة نصح وناصح معاني ثلاث : أولها: الخلوص ،  فـ: أنا لكم ناصح ، أي مخلص وعسلٌ ناصحٌ أي خالص ، و ثانيها: الإحكام والاتقان، فـ :أنا لكم ناصح ،  في تفسيرٍ أنا متقن فيما أبلغكم ، وثالثها : الواعظ  ، وهو المعنى المتداول.
[44] ملاك المولوية: كالمصلحة الأخروية، على قول، وكإعمال مقام المولوية على المنصور، وملاك الإرشادية كالمصلحة الدنيوية، على قول، وككونه في مقام النصح على المنصور.
[45] سورة الاعراف :157 .
[46]سورة الاعراف :157 .
[47] يراجع (الأوامر المولوية والإرشادية) للسيد الأستاذ.
[48] الاجتهاد والتقليد: ص69.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 26 رمضان 1438هـ  ||  القرّاء : 11781



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net