245- بحث مبنوي هام: توسعة البحث عن الصحيح والأعم إلى البحث عن الوضع للحلال والحرام والكامل وغيره والحسن والقبيح، وفروعه الفقهية الكثيرة
الاحد 12 ربيع الثاني 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(245)
4- النقاش في المبنى
ثم ان هذا كله كان مبنياً على ما درج عليه الأصوليون من البحث عن ان ألفاظ العبادات والمعاملات هل هي موضوعة لخصوص الصحيح منها أو الأعم.
قال في الكفاية: (العاشر: إنّه وقع الخلاف في أن الفاظ العبادات، أساٍم لخصوص الصحيحة أو للأعم منها؟)([1]) وقال: (بقي اُمور: الأول: إن أسامي المعاملات، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم، لعدم إتصافها بهما، كما لا يخفى، بل بالوجود تارةً وبالعدم أُخرى، وأما إن كانت موضوعة للأسباب، فللنزاع فيه مجال، لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً)([2]).
ولكن قد يقال: بان معقد البحث ينبغي ان يكون أعم مما طرحوه ولو طولياً وذلك:
بان يبحث عن ان أسماءها هل هي موضوعة للصحيح بمعنى الجامع للأجزاء والشرائط، أو للأعم.
فعلى مسلك الطولية:
فان اخترنا انها موضوعة للأول([3]) فحينئذٍ يبحث عن انها موضوعة:
أولاً: للحلال أو الأعم من الحلال والحرام وذلك لما سبق من التفكيك بين الحكم التكليفي الوضعي:
أ- إذ قد يكون صحيحاً بمعنى كونه مؤثراً أثره لكنه يكون محرماً، ويمكن التمثيل له بعدة أمثلة:
منها: البيع وقت النداء.
ومنها: البيع بغش فانه حرام وليس بباطل بل للطرف الخيار.
ومنها: البيع أو الطلاق على خلاف الشرط فان البعض ذهب إلى انه صحيح حرام كما لو اشترطت عليه ان لا يتزوج عليها فتزوج الثانية فان مخالفته للشرط حرام لكن النكاح حسب رأي البعض صحيح. ونقل عن السيد الجد قدس سره القول بالبطلان لمبناه العام من ان الشروط تنتج حكماً وضعياً بالبطلان استناداً إلى ان مفاد (عند) في (المؤمنون عند شروطهم) هو انه يقف عنده، ولا يتجاوزه وضعاً.
ومنها: انه قد يكون من أمثلته، على بعض المباني، المحرم لمزاحمته للأهم، فانه على تقدير عصيان الأهم به يكون محرماً لكنه صحيح، كما لو أمره بالجهاد فخالف وانشغل بالتجارة فان بيعه وشراءه صحيح لكنه محرم بناء على ان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص.
ومنها: ما هو الأولى التمثيل به وهو: ما لو نهاه عن التجارة أو عن الصلاة في سعة وقتها لتفويتها الأهم كالجهاد أو الحج فانها محرمة للنهي، وليس النهي ههنا إرشاداً للبطلان؛ وإن قلنا بان الأصل في النواهي في المعاملات هو الإرشاد للقرينة العامة على ذلك؛ وذلك لوجود القرينة الخاصة على انه للتحريم وذلك لأنه يريد ردعه والردع بالتحريم المولوي المستتبع للعقوبة، واما كون الحكم بالبطلان رادعاً فانه وإن صح لكنه لا شك في كونه أضعف ردعاً، وأهمية المفوَّت، كالجهاد، تقتضي الردع الأقوى، على ان الوجدان شاهد بمولوية التحريم في أمثال ذلك.
وعلى أي فان التجارة والكسب يكون محرماً حينئذٍ لكنه صحيح إذ لا وجه لبطلانه فان (وقوعه) مفوِّت لا (وقوعه صحيحاً) فالصحة والبطلان أجنبيان عن المفوتية فليس شيء منها مقدمةً فلا مجال لتوهم بطلانه من هذه الجهة. فتأمل
ومنها: لو كان بيعه موجباً لأذى أمه أو أبيه فانه حرام لكن لا دليل على بطلانه، ولا بأس ههنا بالإشارة استطراداً إلى الخلاف في حرمة ما يؤدي إلى أذية الوالدين مطلقاً أو في الجملة فقد ذهب بعض الأعلام إلى الحرمة مطلقاً، وذهب بعض الأعلام إلى التفصيل كما اختلفوا في البطلان أيضاً([4]).
ب- وقد يكون باطلاً لكن يكون غير حرام، كالبيع بدون شرائطه ككونه غير منجز أو بلا موالاة وكالنكاح والطلاق بغير الصيغة المخصوصة، ويمكن التمثيل له بالمضاربة أيضاً: وهي ان يكون المال يكون من أحدهما والعمل من الآخر والربح بينهما على حسب ما يتفقان عليه، فإذا شرط المالك على العامل ان تكون الخسارة عليهما فالأقوال ثلاثة: أحدها: بطلان الشرط والعقد ذهب إليه بعض، فعلى هذا فالمضاربة باطلة لكنه لم يفعل حراماً. ثانيها: بطلان الشرط دون العقد. ثالثها: صحة العقد والشرط، ذهب إليه صاحب العروة والقليل أو النادر من الفقهاء قال في العروة: ((مسألة): إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحته وجهان، أقواهما الأول لأنه ليس شرطا منافيا لمقتضى العقد، كما قد يتخيل، بل إنما هو مناف لإطلاقه، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلا مع التعدي أو التفريط)([5]).
واما الاخبار فتدل على انقلاب المضاربة حينئذٍ إلى قرض قهراً، وافتى بعض الأعلام بذلك، فيكون تمام الربح للعامل.
ج- وقد يكون باطلاً محرماً، كالعقد على الأم، وكالربا. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ وَيُسْكِنَهُ جَنَّتَهُ فَلْيُحْسِنْ خُلُقَهُ، وَلْيُعْطِ النَّصَفَ مِنْ نَفْسِهِ وَلْيَرْحَمِ الْيَتِيمَ وَلْيُعِنِ الضَّعِيفَ، وَلْيَتَوَاضَعْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ)) الأمالي (للصدوق): ص389.
([5]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي، 1420هـ، ج5 ص161-162.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |