169- رد احتمال تعدد الامر وتجدد الاوامر ـ الاستدلال على ان الاوامر ممتدة حقيقية بوجوه ـ على انها ممتدة اعتباراً بوجه
الاثنين 3 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(169)
تحقيق القول في المحتملات الأربع في الأمر الصادر الغابر
وتحقيق القول في المحتملات الأربع في الأمر الصادر في الزمن الغابر:
رد الاحتمال الثاني: لا وجود متجدداً للأمر بل هو بحكمه
أما الاحتمال الثاني وهو كونه متجدد الوجود آناً فآناً متعدداً حقيقةً بتعدد المتعلَّقات ومتعلَّقاتِها وأن المكلف ينبعث من الأمر الحالي المماثل للأمر السابق استناداً إلى أن الإطلاق انحلالي ازمانياً كما هو انحلالي افرادياً، ففيه أنه واضح الوهن لوضوح أن الانحلال حكمي وليس حقيقياً؛ لبداهة أن (أكرم العلماء) مثلاً وجود إجمالي اعتباري للوجودات التفصيلية المتكثرة ذهناً وخارجاً وليس انها موجودة بأجمعها بوجودات حقيقية مستقلة لكنها مجتمعة في تلك العبارة بشكل مضغوط، ويوضحه أن (الجدار) وجود إجمالي أو جامع للأحجار الموجودة فيه لكنها ليست اعتباريات بل هي أمور حقيقية لوجودها حقيقة فيه لا بالتقدير والاعتبار والتنزيل، فالمقام نظير قوله (كلامي السابق كذا) فانه مشير إلى كلمات كثيرة لا أنه ينحل حقيقة إليها.
دليل الاحتمال الثالث: الانبعاث عن الإرادة الجدية القائمة بالظهور القائم باللفظ الموجود حالاً
وأما الاحتمال الثالث وهو كون الأمر بوجوده الممتد باعثاً، فانه تام ظاهراً في المكتوب من الأوامر والنواهي.
وبرهان ذلك متوقف على مقدمات:
الأولى: وضوح أن الوجود الكتبي لقوله تعالى (أَقِمْ الصَّلاةَ) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ) ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ)([1]) لم ينعدم بل هي موجودة حقيقة الآن لا أنها وُجدت زمن الوحي بوجودها الكتبي ثم انعدمت بعده لوضوح وجودها الآن في القرآن الكريم حقيقةً.
الثانية: أن الظهور قائم بنفس هذا اللفظ الموجود الآن لبداهة ظهوره في المستعمل فيه ودلالته على الإرادة الاستعمالية أي دلالته على التصديقية الأولى([2]) والثانية([3]) وبداهة أن هذا اللفظ بوجوده الحالي ظاهر في تينك الدلالتين.
الثالثة: أن الإرادة الجدية قائمة بالظهور والإرادة الاستعمالية، وهي الدلالة التصديقية الثالثة([4])أي أنه أراد جداً ما قصد معناه وما قصد تفهيمه.
الرابعة: أن الإرادة الجدية هي الباعث والمحرك، فان العبد ينبعث عنها ولولاها لما كان هناك وجه للانبعاث.
فثبت أن الانبعاث إنما هو عن الأمر الحالي الذي هو نفس الأمر الماضي في امتداده.
وعليه: فان الحاكم يُعنوِن هذا العام في الآن الحاضر وإن لم يعنوِنه في ماضيه، وسيأتي إيضاح مع تتمة بإذن الله تعالى.
تحقيق حال الأوامر الملفوظة
هذا كله في الأوامر المكتوبة، وأما الملفوظة فقد يقال بانها تصرمت وانعدمت بعد وجودها فلا محالة يكون الانبعاث عن الأمر القديم الماضي.
وقد يجاب: بأن الأوامر من الألفاظ والأصوات لا تنعدم بل تبقى في (الأثير) بل لا شيء من الطاقة أو المادة بمنعدم وإنما هو تغيير للصورة وبذلك يفسر أيضاً تجسُّم الأعمال فان الكذب أو الغيبة مثلاً هي نوع من الطاقة فتتجسد في شكل عقرب مادي يلدغ الكاذب أو المغتاب مثلاً([5]) - أعاذنا الله وإياكم -.
لكنه مردود: بأنه وإن صح إلا أن الظاهر أنه لا أحد ينبعث عن الأمر المنعدم ظاهراً الموجود في الأثير، بل ان انبعاث العقلاء بل الناس كافة إنما هو عن الأمر القديم لا الموجود بوجود آخر مخفي، فلا بد من التماس وجه آخر([6]).
وقد يقال: بأن الأمر القديم معدوم فكيف ينبعث المكلف عنه؟
والجواب: أن له وجوداً اعتبارياً ممتداً، وحينئذٍ نقول: إذا كان ذلك كذلك فانه يكون الانبعاث عن هذا الوجود الاعتباري الحالي الممتد (وهذا مبنى الاحتمال الرابع كما سيأتي).
وعليه: يمكن القول بأن الحاكم يُعنوِن هذا العام في مرحلة الظهور بلحاظ وجوده الاعتباري الممتد.
ولكن هذا الجواب لو تم فهو دليل على الاحتمال الرابع وخروج عن الاحتمال الثالث.
دليل الاحتمال الرابع: اللفظ والإرادتان منصرمات ولها وجود اعتباري ممتد
وأما الاحتمال الرابع: فيدل عليه إضافة إلى ما مضى: أن وِزان الإرادتين الجدية والاستعمالية وِزان اللفظ، فكما أن اللفظ (الشفوي) منصرم الوجود كذلك الظهور والإرادة الاستعمالية القائمة به وكذلك الإرادة الجدية فإنها قائمة بالظهور والإرادة الاستعمالية (أي هي موضوعها أو محلها) فكلها منصرمة (بل حتى الإرادة الجدية القائمة بالنفس فانها تزول بالغفلة أو النوم أو الإعراض أو غير ذلك).
فإذا كانت كلها منصرمة فكيف ينبعث العبد عن أمر وإرادة منصرمة معدومة؟
والجواب: ما سبق من وجودِ امتدادٍ اعتباريٍ لها، فهي موجودة اعتباراً ولذا ينبعث العبد عنها فكما يفرض العقلاء للإرادتين وجوداً اعتبارياً مستمراً كذلك يفرضون للأمر وجوداً اعتبارياً مستمراً بل هما قائمتان به فالانبعاث إذاً عن الأمر الحالي.
لا يقال: أن الانبعاث لبّاً وحقيقةً إنما هو عن الإرادة الجدية؟.
إذ يقال: أولاً: هي جزء العلة والجزء الأخير هو الإنشاء أي الأمر.
ثانياً: سلمنا لكنها حيثية تعليلية لثبوت الباعثية للأمر فالانبعاث عنه حقيقي وإن كانت علة العلة هي الإرادة الجدية، ويشهد لذلك بداهة أنه لا يرى أحد المجازية في إسناد الانبعاث إلى الأمر نفسه بل يرون الإسناد حقيقياً. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) "عن قَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)([7]) فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدِي أَكُنْتَ عَالِماً فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: أَفَلَا عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ، وَإِنْ قَالَ كُنْتُ جَاهِلًا قَالَ لَهُ: أَفَلَا تَعَلَّمْتَ حَتَّى تَعْمَلَ فَيُخْصَمُ فَتِلْكَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" الأمالي (للطوسي): ص9.
...........................................
ولا يخفى أن التصديقية الأولى هنا تعادل الدلالة التصديقية الثالثة من المذكورات في الدرس 22 (584) والتصديقية الثانية هنا لم نشر لها هنالك، والثالثة ههنا تعادل (بل هي أعم) من الخامسة والسادسة والسابعة المذكورة هناك فتدبر.
الاثنين 3 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |