155- تفصيل كلام النائيني ووجها تفصيله بين الحاكم والخاص وان الحق انه لا يفصل بينهما بل يرى عدم التمسك بالعام اذا تركب موضوعه مما لا يحرزه الخاص ـ تتمة كلام العراقي
الاحد 11 ربيع الاول 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(155)
توجيه كلام المحقق النائيني:
الثاني: ان الحاكم المحتمل وجوده لا يمكن مع احتمال وجوده التمسك بالعام (المحكوم احتمالاً) نظراً لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ وذلك بدعوى أن موضوع العام مركب من المأخوذ في لسان الدليل ومن إحراز عدم الحاكم، ومع عدم إحراز الحاكم لا يعلم تحقق موضوع العام المركب لوضوح الفرق بين إحراز العدم وعدم الإحراز فيكون التمسك به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. هذا.
ثم أن الظاهر أن المنقول عن الميرزا النايئني من أنه فصّل بين الخاص والحاكم بان احتمال وجود الحاكم موجب لعدم صحة التمسك بعموم العام عكس احتمال وجود الخاص، غير صحيح. أما المنقول فهو: (ومنها : ما يظهر من بعض كلماته – المحقق النائيني - في بحث حجية الظن([1]) من انه اذا شكّ في التخصيص أمكن الرجوع إلى العام وذلك كما لو قال (اكرم العلماء) وشك في انه هل قال: (لا تكرم العالم الفاسق) أو لا. ولكن اذا شك في الحكومة لم يمكن الرجوع إلى العام كما لو شك في انه هل قال: (العالم الفاسق ليس بعالم) أم لا، وكأنّ مبنى ذلك أن التمسك بالعام في مورد الحكومة المشكوكة يكون من قبيل الشبهة المصداقية لنفس العامّ ولا يجوز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لنفسه اتفاقاً)([2]).
لكن الرجوع إلى أجود التقريرات يفيد غير ذلك (إن كان المستند هو هذا الكلام المذكور في بحث الظن) فقد قال الميرزا النائيني (إذا عرفت ذلك فاعلم أن المثبت لعدم جعل الحجية الواقعية إذا كانت مشكوكة لابد وأن يكون أمرا ناظرا إلى الواقع، وهو منحصر في الأدلة الخاصة الدالة على الغاء الشارع لبعض الامارات وعدم اعطاء صفة الحجية له، وفي الأدلة العامة الدالة على عدم حجية الظن والامارة الغير العلمية وفي استصحاب عدم الحجية (أما) الأدلة الخاصة فلا اشكال في جواز التمسك بها لذلك في مواردها كالأدلة الدالة على عدم حجية القياس في الأحكام الشرعية (أما الأدلة) العامة ففي جواز التمسك بها لإثبات عدم حجية أي امارة غير علمية شك في حجيتها اشكالٌ، وجه الاشكال: ان موضوع تلك الأدلة انما هو الظنون التي لم يعتبر الشارع لها صفة الحجية والوسطية في الاثبات وأما هي فخارجة عن موضوعها على نحو الحكومة على ما سيجئ بيانه في محله إن شاء الله تعالى فإذا شك في اعتبار الحجية لامارة خاصة فيكون التمسك بها([3]) لإثبات عدم حجيتها([4]) تمسكا بالعموم في الشبهة المصداقية وهو غير جائز على ما أوضحناه سابقا)([5])
وتوضيح كلامه بما يفيد عدم تمامية نسبة التفصيل الآنف له: أن الموضوع في الأدلة الناهية عن إتباع الظن ليس هو الظن وحده بل هو – بنظره (قدس سره) - (الظنون التي لم يعتبر الشارع لها صفة الحجية والوسطية في الإثبات)([6]) فالموضوع بنظره مركب من (الظنون) و(التي لم يعتبر...) وعند الشك في وجود دليل حاكم، كما لو شككنا في أن الشهرة حجة أو لا، فإن التمسك بعموم مثل (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً)([7]) لتحريم العمل بالشهرة أو لإثبات عدم حجيتها([8]) لا يمكن؛ إذ الموضوع ليس (الظن) كما هو ظاهر الآية بل هو (الظن الذي لم يعتبر له الشارع صفة الحجية والوسطية في الإثبات) و(التي لم يعتبر....) بحاجة لإحراز، كما في القياس، أما الشهرة فغير محرزة الاعتبار لا أنها محرزة عدم الاعتبار([9]) فمع الشك في حجيتها كيف يتمسك لعدم حجيتها بـ(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي...) مع أنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ لا يعلم أن الشهرة مصداق (الظنون التي لم يعتبرها الشارع حجة) إذ ان هذا هو موضوع الأدلة – بنظره – لا الظنون التي لم يعلم اعتبارها لتكون الشهرة مصداقاً لها.
فهذا هو نظر ومبنى النائيني، والمناقشة لو كانت فإنما تكون في عدم صحة دعواه من تركب موضوع الأدلة الناهية من (الظن) و(التي لم يعتبر...) أو أنها لو صحت لكان من الورود لا الحكومة مثلاً، لا أن الميرزا مفصّل بين الحكومة والتخصيص؛ وذلك لوضوح جريان كلامه في التخصيص أيضاً فانه لو احتمل وجود مخصص دال على حجية الشهرة ولم نسلم أن اللسان لسان الحكومة([10]) فانه لا يمكن التمسك بعموم الأدلة الناهية عن العمل بالظن لنفي حجية الشهرة لتركب موضوعه كما قال من (الظن والتي لم يعتبر...) فالموضوع مركب من الظن وإحراز عدم الاعتبار والخاص غيرُ محرزٍ اعتبارُه لا أنه محرز العدم فيكون التمسك به تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية.
والحاصل: ان دعوى تركب موضوع العام تنتج عدم صحة التمسك به لإثبات عدم حجية ما احتمل وجود خاص دال على حجيته كعدم حجية ما احتمل وجود حاكم دال على حجيته.
نعم اختار النائيني أن أدلة الحجية للظنون الخاصة حاكمة (لأن لسانها لسان التنزيل إذ "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي"([11]) يفيد تنزيل قول الثقة منزلة العلم، أو لغير ذلك) لكن هذا غير تفرقته بين الحكومة والتخصيص على ما استفاده منه سماحة السيد (دام ظله) في كتاب (لا ضرر ولا ضرار).
عوداً إلى كلام المحقق العراقي:
وأما دعوى المحقق العراقي سريان إجمال الحاكم وإن كان منفصلاً للعام المحكوم فنقول: قد يفصل بين الحكومة الفعلية والحكومة الاقتضائية بالقول بأن الإجمال يسري في الأولى دون الثانية.
والحكومة الفعلية هي: ما كان الحاكم شارحاً وناظراً للمحكوم المتحقق في أحد الأزمنة الثلاثة.
والاقتضائية: ما كانت الحكومة بنحو القضية اللويّة أي كان بحيث لو تحقق دليل متكفل بالحكم عموماً أو إطلاقاً لكان هذا شارحاً له وناظراً ومتكفلاً به، وهذا التقسيم الثنائي هو حسب المحقق الاصفهاني في نهاية الدراية والذي يمكن – كما أشرنا - استثماره في المقام. وللبحث تتمة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام علي (عليه السلام): "أصلح المسيء بحسن فعالك و دلّ على الخير بجميل مقالك"
غرر الحكم ودرر الكلم: ص134.
..........................................
الاحد 11 ربيع الاول 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |