141- مناقشات لمبنى المسالمة: 1ـ ليست التنزيليات هي القدر المتيقن من موارد الحكومة 2ـ كلمات هذا المبنى مضطر به 3ـ النقض بوقوعه في نفس ما اشكل به
الثلاثاء 23 محرم 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(141)
المناقشات لمبنى تقدم الحاكم لكون لسانه لسان المسالمة
وهناك بعض المناقشات والتأملات في المبنى المذكور في (قاعدة لا ضرر ولا ضرار)([1]) والذي قررناه وأوضحناه في المبحثين السابقين، وهي تتوزع بين كبروية وصغروية وفنّية.
1- ليس موارد التنزيل هي القدر المتيقن من الحكومة
أولاً: صغرى، فانه قد يقال بأن موارد التنزيل بالنسبة للحكومة ليست هي القدر المتيقن منها فقد ذهب السيد اليزدي([2]) إلى كون التنزيل قسيماً للحكومة كالورود والعام والخاص وكالتزاحم وقد نقلنا ذلك سابقاً.
النائيني: الأظهر من مواردها نفي الحكم
أما الميرزا النائيني فقد ذهب إلى كونها من الحكومة لكنه عدّ مثل لا ضرر وما يتطرق للحكم ولعقد الحمل مباشرة هو الأظهر من موارد الحكومة، فليس التنزيل إذاً هو القدر المتيقن بل هو خلافي مناقش فيه، فالبحث على المبنى فلم تصلح دعوى استكشاف خواص الحكومة التنزيلية لتكون هي الضابط استناداً إلى انها القدر المتيقن، مرجعاً و(أساساً في تحليل ذلك الباب ومأخذاً لملاكه وتحديده)([3]) بل على المبنى فقط.
لا ضرر عنوان واسم للحكم لأنه مسبَّبه التوليدي
توضيحه: انه ذهب النائيني إلى أن (لا ضرر) يعني نفي الحكم الضرري لا نفي الموضوع فليس مفاد لا ضرر أن الوضوء الضرري ليس بوضوء بل مفاده أنه ليس بواجب([4]) إذ أن الميرزا اعتبر الضرر قد أطلق على الحكم الضرري فكأنه اسم له فهو، أي الضرر، عنوان توليدي للحكم الضرري فالمقصود بنفي الضرر نفي سببه التوليدي وهو الحكم([5]).
قال الميرزا النائيني([6]): (المسلك الأول: تفسير (لا ضرر) بنفي الحكم الضرري وذلك بتقريب ذكره المحقق النائيني وتبعه عليه غير واحد، وهو: أن الضرر المنفي في الحديث عنوان ثانوي متولد من الحكم، ونسبته إليه نسبة السبب التوليدي إلى مسبّبه، كالقتل إلى قطع الرقبة والاحراق إلى الإلقاء في النار والايلام إلى الضرب ونحو ذلك.
واطلاق العناوين التوليدية على أسبابها شائع متعارف لا يحتاج إلىٰ أية عناية فيكون مجازاً، والمقام من هذا القبيل فيكون المراد من نفي الضرر نفي سببه المتحد معه وهو الحكم، والفرق بين هذا المسلك ومسلكنا أننا نرى أن المنفي هو التسبيب للضرر ولازمه نفي الحكم الضرري بينما هذا المسلك يرى أن المنفي مباشرة هو الحكم الضرري).
الحكومة اما شرح لعقد الوضع أو لعقد الحمل، والتنزيل يعود للأخير
هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدّ الميرزا النائيني مثل لا ضرر وما يتعرض لعقد الحمل بالشرح هو الأظهر من مصاديق الحكومة، قال في قاعدة لا ضرر([7]): (هذا وهناك تقسيم اخر لموارد الحكومة يتردّد في كلمات المحقق النائيني ومن وافقه وملخصه: ان الدليل الحاكم على قسمين:
١ ـ أن يكون شارحاً لعقد الوضع من الدليل المحكوم، والمراد بعقد الوضع ما يعمّ موضوع الحكم ومتعلقه كحديث (لا ربا بين الوالد والولد) بالنسبة إلى دليل حرمة الربا وفساده، فان الربا متعلق للحرمة وموضوع للفساد.
٢ ـ أن يكون شارحاً لعقد الحمل منه ـ وهو الحكم ـ ومثّل له بـ(لا ضرر) بناءً علىٰ مختاره (قدسر سره) من ان الضرر عنوان ثانوي للحكم، وقد ذكر أن هذا القسم اظهر أفراد الحكومة، لأن هدم الموضوع يرجع بالواسطة إلى التعرض للحكم).
وتوضيح تعليله الأخير أن المقصود المحور الأساس في الحكومة هو حال الحكم نفسه فان عليه المدار، والتنزيل يرجع إليه بالاخرة لأن الغرض نفي الحكم أو إثباته (في التوسعة والتضييق) والتعرض لعقد الوضع بالتوسعة والتضييق ما هو إلا مقدمي طريقي، ولو لم يَعُد إليه لكان لغواً إذ التنزيل إنما هو بغرض والغرض رفع الحكم أو إثباته لهذا الموضوع الخاص، فظهر ان ما إليه المرجع النهائي وعليه المعول والمدار هو الأظهر من أفراد وأصناف الحكومة لا غيره.
2- الكلمات مضطربة
ثانياً: أن الذي يبدو أن كلماته (دام ظله)، مضطربة، حسب الموجود في التقرير؛ إذ يظهر من بعضها أنه لا يرى المدار على النظر أبداً بل على لسان المسالمة محضاً، ويظهر من بعضها أنه يرى المدار على النظر لكن لا إلى دليل آخر بل إلى الارتكاز على الخلاف، ويظهر من بعضها أنه يرى المدار على النظر إلى دليل آخر بشكل غير مباشر وعلى النظر إلى الارتكاز على الخلاف بشكل مباشر، فلاحظ كلماته التي صنفناها ضمن الدوائر الثلاثة الآتية:
1- قال: (وهذا غير تام لان مبناه على ان معيار الحكومة هو النظر إلى دليل آخر. وقد سبق ان اوضحنا ان عنصر النظر لا يصلح مناطاً للحكومة لعدم اطراده في مواردها وعدم مقوميته لها. وانما مناطه ان يكون لسان الدليل المحدّد للعام لسان مسالمة مع العامّ بان لا ينفي ما يثبته العام أو يثبت ما ينفيه صريحاً بل يفيد ذلك بأسلوب التنزيل والكناية. وعلى هذا المبنى لا تصدق الحكومة مع تعرض الدليل المحدّد لعقد الحمل في الدليل الآخر حقيقة ـ كما في مثال (لا ضرر) على هذا المسلك ـ لان النفي حينئذٍ منصب على الحكم مباشرة فيكون لسانه حينئذٍ لسان المعارضة مع العام كما هو شأن التخصيص.
نعم إذا كان نفي الحكم نفياً تنزيلياً كما في (رفع ما لا يعلمون) كان ذلك من قبيل الحكومة الظاهرية كما مرّ ذلك في الجهة الثانية وهو غير مراد هنا لأن المراد في المقام النفي الواقعي)([8]) وقال: (والاتجاه المذكور غير قادر على ذلك ، لان لسان التنزيل لا يقتضي نظراً إلى دليل آخر أصلاً لا بالمطابقة ـ كما هو واضح ـ ولا بالالتزام ، لأَن دلالته عليه بالالتزام انما تتم لو كانت صحة هذا اللسان لغة أو بلاغة تقتضي نظره إلى دليل آخر ، وليس الأَمر كذلك ، فان صحة... كما ان صحته بلاغة – بمعنى النكتة المصححة للعدول إلى هذا اللسان من اللسان الصريح – انما هي الحذر من مواجهة احساسات المخاطب ضد الكلام حيث يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عامّ مرتكزاً في ذهنه ولا أهمية لوجود دليل آخر وعدمه في ذلك)([9]) ويمكن إلحاق هذا الكلام الأخير بالدائرة الثانية بل لعله ظاهره فتدبر.
2- وقال: (الجهة السادسة: في اقتضاء لسان التنزيل (وهو لسان الحكومة) نظر الدليل إلى ارتكاز ذهني للمخاطب على خلافه ـ لا إلى عموم أو اطلاق...) و(وبذلك يتضح بان الفكرة المخالفة التي ينظر الدليل الحاكم إلى ردِّها إنما هي الاعتقاد المرتكز في ذهن المخاطب ، وليس معنى متمثلاً في الأَدلّة بحسب مقام الاثبات من عموم أو اطلاق ، كما اشتهر لدى الاصوليين حيث قالوا ان قوام الحكومة بوجود عموم أو اطلاق يكون الدليل الحاكم ناظراً اليه) ([10]).
3- وقال: (الوجه الثالث: ما هو المختار وهو ان اسلوب الحكومة وإن لم يكن مسوقاً للنظر إلى أي دليل آخر بل هو ناظر بالاصالة إلى ارتكاز ذهني عامّ مخالف لمؤدى الدليل لكنه ناظر بنحو غير مباشر إلى نفي ما يكون حجة على هذا الارتكاز المخالف، وبذلك يستبطن تحديد تلك الحجة متى كانت عموماً أو اطلاقاً، وهذه مزية دلالية تستوجب تقديمه على تلك الحجة وتحديدها به)([11]).
والاضطراب، في التعبير على الأقل، ظاهر في هذه المقتطفات.
ومع حمل بعضها على بعض فليس هذا المبنى قسيماً بل مكمل
نعم قد يستظهر بحمل كلماته بعضها على بعض أن قرار نظره على الثالث([12])، فإن تمّ ذلك ورد عليه أنه ليس نفياً للنظر الذي هو مبنى الشيخ والمشهور (ثم الالتزام بقسيم له وهو لسان المسالمة) بل هو إذعان بأن الملاك هو النظر لكن مع التفصيل فيه بان النظر هو للارتكاز المخالف مباشرة، وللدليل على هذا الارتكاز، وهو العموم، بالواسطة، ومع إضافة اشتراط أن يكون اللسان لسان المسالمة فلسان المسالمة مكمّل لمبنى النظر وليس قسيماً له كما يبدو من أكثر كلماته.
3- الوقوع في نفس الإشكال المستشكل به على المشهور
ثالثاً: أنه وقع في نفس ما أشكل به على المشهور حيث أخذوا (الدليل الآخر) في النظر فقالوا ان يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً لدليل آخر، فأشكل عليه([13]) بأن الملاك هو النظر للارتكاز المخالف لا للعموم أو الإطلاق واختار أن الملاك هو لسان المسالمة، ثم عند تعريفه لملاكه المختار قال: (فحقيقة الحكومة إنما هي تحديد العموم بأسلوب مسالم معه وهو اسلوب التنزيل والكناية ـ الذي هو اداء للمعنى بلسان غير مباشر ـ كنفي الملزوم استعمالاً مع ارادة نفي ما يتوهّم لازماً له)([14]) وكان المفروض على مبناه أن يقول: (فحقيقته الحكومة إنما هي نفي الارتكاز على الخلاف بأسلوب مسالم معه) أو على مبناه الآخر وجب أن يقول: (حقيقة الحكومة نفي الارتكاز على الخلاف مباشرة ونفي العموم بالواسطة بأسلوب مسالم) أو شبه ذلك، وسيأتي في مطلب الحيثية التعليلية والتقييدية ما يعد وجه دفاع عنه كما يعد وجه إشكال أيضاً، وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
....................................................
قال الإمام الحسن (عليه السلام): "اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَجِدُّوا فِي الطَّلَبِ وَتُجَاهَ الْهَرَبِ وَبَادِرُوا الْعَمَلَ قَبْلَ مُقَطَّعَاتِ النَّقِمَاتِ وَهَاذِمِ اللَّذَّاتِ فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا وَلَا تُؤْمَنُ فَجِيعُهَا وَلَا تُتَوَقَّى مَسَاوِئُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ وَاعْتَبِرُوا بِالْأَثَرِ وَازْدَجِرُوا بِالنَّعِيمِ وَانْتَفِعُوا بِالْمَوَاعِظِ فَكَفَى بِاللَّهِ مُعْتَصِماً وَنَصِيراً وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً وَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالًا".
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص 236.
==================
الثلاثاء 23 محرم 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |