140- خصوصيتا التنزيل: النكتة البلاغية: الارتكاز على الخلاف، درءاً للمقاومة ـ النكتة الادبية: التناسب والوجه ولا يقتضي التنزيل النظر الى دليل آخر
الاثنين 22 محرم 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(140)
الأمر الثالث([1]): أن الوجه في التنزيل في الحكومة بالتوسعة أو الحكومة التضييقية بالرفع هو وجود نكتتين بلاغية وأدبية هما المصححتان للتنزيل من غير أن يتوقف لسان التنزيل على النظر إلى دليل آخر أو يقتضيه لا بالمطابقة ولا بالالتزام:
أ- أما النكتة البلاغية فقد سبقت.
النكتة الأدبية في التنزيل: التناسب بين المنزّل والمنزّل عليه
وذلك لوضوح أن تنزيل شيء منزلة شيء (كالطواف منزلة الصلاة وزيد منزلة الأسد) إما غلط أو ركيك مخالف للحكمة إذا لم يكن هناك وجه تناسب لوحظ وجوده في الـمُنزَّل بنحو من الأنحاء كما هو موجود في المنزَّل عليه، ففي زيد لوحظت الشجاعة بأعلى درجاتها حتى كأن زيداً ممحض فيها كما لوحظ انها الصفة الأبرز في الأسد، فصحّ زيد أسد، وفي الطواف لوحظ أنه الخضوع([3]) كما هو في الصلاة فكأنها هي لتقوّمها بالخضوع فصح التنزيل وإن كان بلحاظ بعض الآثار، أو الوجه هو أنه طريق ارتباط بالخالق، كالصلاة، فوجب كونه طاهراً متطهراً لذلك مثلها، فناسب ذلك التنزيل بهذا اللحاظ.
وكذلك في التنزيل العرفي كقولك: (قلبه حجر) إذ انه نزله منزلته لأن الحجر جامد لا يتحرك وقلب هذا جامد بدون مشاعر لا يهتز لمنظر مؤلم أو مشهد محزن أو مظهر مخزي.
وأما إذا لم يكن وجه تناسب، فالتنزيل غلط أو خلاف الحكمة ركيك كقوله زيد جدار بدون أن يلاحظ أي وجه شبه أو تناسب، وهكذا.
فهذان هما المصححان للتنزيل، والواضح اقتضاء التنزيل لهما وتوقفه عليهما.
الوجه في عدم اقتضاء لسان التنزيل النظر إلى دليل آخر
ج- لكن التنزيل لا يقتضي ولا يتوقف على النظر إلى الدليل الآخر([4]) بالمطابقة ولا بالالتزام:
أما المطابقة فواضح إذ قوله: (لا ربا بين الوالد وولده) في الرفع التنزيلي و(ولد الكافر كافر) في التنزيل الإثباتي ليس موضوعاً لغةً لـ(النظر) ولا هو جزء الموضوع له ولا ان لسانه دالّ عليه مطابقةً.
واما الالتزام([5]) فإن ذلك التنزيل لا يستلزم ولا يتوقف إلا على النكتة البلاغية ولا الأدبية وقد سبق أن قوام الحكومة بهما والنظر([6]) ليس لازماً لهما ولا ملزوماً، وإذا كان قوام الحكومة بهما ولم يكن النظر ملزوماً لهما ولا لازماً فلا وجه للقول بتوقف الحكومة على النظر.
وأما عدم كونه([7]) ملزوماً ولا لازماً فلأن أياً من التناسب بين المعنى المنزّل والمنزّل عليه ومن الارتكاز على الخلاف الذي يحذر المتكلم من مواجهته المباشرة، لا يتوقف على النظر([8]) ولا النظر متوقف على واحد منهما كما سيتضح في الأمر الرابع بإذن الله تعالى.
لسان التنزيل يقتضي النظر لارتكازٍ مخالف لا إلى دليل آخر
الأمر الرابع: ما ذكره بقوله: (الجهة السادسة: في اقتضاء لسان التنزيل (وهو لسان الحكومة) نظر الدليل إلى ارتكاز ذهني للمخاطب على خلافه ـ لا إلى عموم أو اطلاق ـ.
قد ظهر مما ذكرنا أن اسلوب التنزيل ـ وهو لسان الحكومة باعتبار مصححه البلاغي ـ يقتضي نظر المتكلم إلى ارتكاز ذهني مخالف للدليل، حيث إن اختيار الاسلوب غير المباشر بالذات، إنما هو لعدم مجابهة هذا الارتكاز وذلك جرياً على النكتة العامة للاعتبارات الأدبية من اختيار الاسلوب المناسب مع مشاعر المخاطب واحساسه)([9]).
دليلان على المدعى
ثم استدل على ذلك بدليلين متعاكسين:
إذا وجد العموم بلا ارتكاز مخالف، لا يصح لسان التنزيل
الأول: أن وجود الدليل من العموم أو الإطلاق لا يصحح التنزيل أبداً ما لم تكن النكتة البلاغية موجودة فإذا لم يكن الارتكاز على الخلاف متحققاً فلا يصح العدول عن النفي الصريح بالقول مثلاً (الربا بين الوالد وولده حلال) إلى (لا ربا بين الوالد وولده) فانه بلا وجه بلاغي مصحح وهو غلط أو ركيك.
إذا وجد الارتكاز ولم يوجد العموم، يصح التنزيل
الثاني: وهو عكس الأول: انه لو وجد الارتكاز على الخلاف (خلاف أصل الدليل الحاكم أو خلافه تحديده بحد مخالف لعموم الارتكاز) فانه يصح التنزيل بالرفع بلحاظه وإن لم يكن يوجد دليل عام أو مطلق أبداً بل كان مجرد ارتكاز بلا دليل أو كان مستنداً إلى دليل متوهّم، فانه حينئذٍ يعدل إلى اللسان التنزيلي حذراً من مواجهة الارتكاز الشديد على الخلاف وإن لم يكن هناك دليل لفظي على الخلاف موافقاً للارتكاز، فلو فرض أن ارتكاز الناس بشدة كان على حرمة الربا ولم يرد بعدُ قوله تعالى: (وَحَرَّمَ الرِّبَا) ونظائره كان الأنسب حينئذٍ إذا أراد الشارع الابتداء بتحليل الربا بين الوالد وولده أن يقول: (لا ربا بين الوالد والولد) دون (الربا بينهما جائز) إذ الثاني فيه مواجهة صريحة لارتكازهم عكس الأول إذ انه إذا نفي كونه ربا موضوعاً سهل بيان جوازه حكماً.
ولذلك قال: (وبذلك يتضح بان الفكرة المخالفة التي ينظر الدليل الحاكم إلى ردِّها إنما هي الاعتقاد المرتكز في ذهن المخاطب، وليس معنى متمثلاً في الأَدلّة بحسب مقام الاثبات من عموم أو اطلاق كما اشتهر لدى الاصوليين حيث قالوا ان قوام الحكومة بوجود عموم أو اطلاق يكون الدليل الحاكم ناظراً اليه؛ اذ يرد على ذلك:
أوّلاً: ان مصحح هذا الاسلوب كما ذكرناه في تحليل الموضوع ليس النظر إلىٰ دليل آخر، وانما إلى ارتكاز مخالف سواء كان عليه دليل من عموم أو اطلاق أو غيرهما أم لا؟ ومجرد وجود العموم أو الاطلاق لا يصحح اختيار هذا اللسان والعدول عن التعبير الصريح من قبل البليغ لأَن هذا الاسلوب اسلوب ادبي يتضمن اثبات الشيء أو نفيه تنزيلاً، والاسلوب الأَدبي انما تصححه نكتة بلاغية تتعلق بكيفية التأثير في المخاطب، ومجرد النظر إلى دليل آخر ليس كذلك كما هو واضح.
وثانياً: انه يصح استعمال هذا اللسان بالبداهة اللغوية حتى فيما لم يكن هناك عموم أو اطلاق اذا كان هناك ارتكاز ذهني للعرف يخالف بعمومه مؤدى الدليل، اما من جهة تصور الإجماع الحجة أو لشدة تناسب الحكم والموضوع أو لغير ذلك من عوامل الارتكاز الذهني)([10]).
وسنتطرق غداً بإذن الله تعالى إلى عدد من المناقشات بين كبروية وصغروية وفنّية. ولنشر إلى أول الإشكالات إشارة وهو أنه ليس القدر المتيقن من موارد الحكومة موارد التنزيل؛ إذ خالف ذلك أعلام ومشاهير كالمحقق اليزدي والميرزا النائيني، فلا تصلح خصوصيات التنزيل ضابطاً لملاك الحكومة،
وسيأتي بيانه بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.....................................................
من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: "إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:
النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ فَيَهْتَدُوا وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ فَيَنْجُوا.
يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تُفْنِيهِ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ، الْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.
يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: مَحَبَّةُ الْعَالِمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَمَنْفَعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ، مَاتَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْر..."
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص: 170
====================
الاثنين 22 محرم 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |