139- المبنى الجديد في وجه الحكومة: كون اللسان لسان المسالمة والدليل: انه الثابت في القدر المتيقن من موارد الحكومة وهو التنزيليات، وليس (النظر) فيها
الاحد 21 محرم 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(139)
تفصيل مبنى تقدم الحاكم لكون لسانه لسان المسالمة
سبق أن المحقق اليزدي (قدس سره) ذهب إلى أن لسان الحاكم هو لسان البيان والصلح لا المنافاة والخصومة، وإن تبنى، أيضاً، أن وجه تقدمه هو الأظهرية، من غير أن يرى تدافعاً بين الأمرين.
بينما ذهب السيد السيستاني (دام ظله) إلى أن النكتة في تقدم الحاكم هو كون لسانه لسان المسالمة واعتبره مسلكاً قسيماً لسائر المسالك([1]) كمسلك الشارحية وتعدد الموضوع والتعرض لما لا يتعرض له الآخر، وهما تقريبان، ومسلك النظر إليه مباشرة وكونه قرينة شخصية.
قال في (قاعدة لا ضرر ولا ضرار)([2]) (هذا، ولكن هناك اتجاه آخر في حقيقة الحكومة هو المعروف بين الاصوليين، وهو ان قوام الحكومة بنظر أحد الدليلين إلى الدليل الآخر وسوقه قرينة شخصية لبيان المراد من ذلك الدليل سواء كان ذلك بلسان التنزيل كما في نفي الحكم بلسان نفي موضوعه أم لا كما لو جعل الحكم المضاف إلى العام منفياً عن حصّة أو فرد من الموضوع كأن يقال (وجوب إكرام العلماء غير ثابت للفاسق أو لزيد) لان هذا اللسان ناظر إلى اثبات الحكم للعامّ.
ولكن هذا الاتجاه ليس بصحيح عندنا وتوضيحه: ان لكل باب مورداً متيقناً له، يكون أساساً في تحليل ذلك الباب ومأخذاً لملاكه وتحديده، كموارد قصور القدرة اتفاقاً بالنسبة إلى باب التزاحم مثلاً، فكل تحليل لأي باب إنما يصح ـ بعد تمامية تصوّره في حدّ نفسه ـ اذا أمكن شموله للمورد المتيقن للباب، ولا ضير بعد ذلك لاندراج موارد أُخرى تحت الباب وعدم اندراجها، والاّ لم يكن تحليلاً لذلك الباب وانما يكون تحديداً لظاهرة اُخرى).
أقول: لم يرد في كلام الشيخ التعبير بـ(سوقه قرينة شخصية) بل عبر بـ(أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال الدليل الآخر...) وقد عبّر بالأول بعض متأخري الأصوليين، وقد يستظهر أنه مراد الشيخ إذ لو كان بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال الآخر كان قد سيق كقرينة شخصية. فتأمل ولعله يأتي تحقيقه.
الضابط في كشف جامع المسائل هو: خصوصيات القدر المتيقن منها
وعلى أي فان صفوة كلامه مع بعض التصرف والإضافة، انه كثيراً ما يجهل أو يحدث خلاف في الجامع بين مسائل العلم وهو المعبر عنه بالملاك والضابط في دخول مسألة فيه أو خروجها عنه، كما قد يحدث الخلاف في مسائل الباب أيضاً.
ومثال الأول: دخول أو خروج الاستصحاب في الشبهات الموضوعية في الأصول أو كونه من القواعد الفقهية، أو أصالة البراءة([3])، أو الكثير من مباحث الألفاظ، أو حتى دخول مثل حجية خبر الواحد في الأصول بعد كونه حاكياً عن السنة وليس هو السنة التي هي من الأدلة الأربعة([4]).
ومثال الثاني: إن (لا ضرر) هل هو داخل في باب الحكومة، كما تبناه الكثير من الأعلام؟، أو هو داخل في باب المانع عن تنجز الأحكام الأولية بعد حملها على مرتبة الحكم الاقتضائي وحمل لا ضرر على الحكم الفعلي، كما تبناه الآخوند؟ أو هو داخل في بحث العام والخاص باعتبار أن لا ضرر يتقدم على الأدلة الأولية بالتخصيص لا غير؟.
وأيضاً: إن موارد عجز المكلف الدائم عن الجمع بين المتزاحمين، هل هو داخل في باب التزاحم؛ لكون العجز من ناحية المكلف عن امتثالهما معاً بعد تمامية ملاكهما جميعاً، أو هو خارج عنه وداخل في باب التعارض لاستحالة أو قبح أن يكلف المولى الملتفت عبده بتكليفين متزاحمين تعييناً وهو يعلم أن العبد عاجز أبداً عن امتثالهما معاً، فلا بد إذا وصلنا خطابان بالأمر بهما من القول بتكاذبهما والرجوع إلى المرجحات السندية والمضمونية والجهوية، فإن تساوت فالتخيير حسب القاعدة الثانوية في الروايات وفي غيرها التساقط.
وعليه: فمورد التزاحم المتيقن هو موارد قصور القدرة وثبوت العجز إتفاقاً أحياناً.
والحاصل: ان الضابط في كشف الجامع لمسائل العلم أو الباب هو الرجوع إلى القدر المتيقن كونه من مسائل ذلك العلم أو الباب، ثم البحث عن خواصه (الذاتية)([5]) فإذا اكتشفناها كانت هي الملاك والعلة المعممة والمخصصة فكل مسألة توجد فيها هذا الخاصية فانها داخلة وكل مسألة فاقدة له خارجة.
والقدر المتيقن من الحكومة موارد التنزيل
ثم قال: (وموارد التنزيل بالنسبة إلى الحكومة من هذا القبيل فإنها هي القدر المتيقن لها فلا يصح أي تحليل للحكومة الاّ اذا تم اندراج موارد التنزيل فيه، وليس بإمكان احد أن ينكر تحقّق الحكومة في موارد نفي الحكم بنفي موضوعه من قبيل قوله ( العالم الفاسق ليس بعالم ) مثلاً.
ولا يقتضي لسانه النظر إلى دليل آخر أصلاً
والاتجاه المذكور غير قادر على ذلك ، لان لسان التنزيل لا يقتضي نظراً إلى دليل آخر أصلاً لا بالمطابقة ـ كما هو واضح ـ ولا بالالتزام لأَن دلالته عليه بالالتزام انما تتم لو كانت صحة هذا اللسان لغةً أو بلاغةً تقتضي نظره إلى دليل آخر، وليس الأَمر كذلك فان صحة هذا اللسان لغةً انما تتوقف على وجود تناسب بين المعنى الاستعمالي والمراد التفهيمي ـ كما هو شأن كل اعتبار ادبي، ولا تعلق لذلك بالنظر إلى دليل آخر. كما ان صحته بلاغةً ـ بمعنى النكتة المصححة للعدول إلى هذا اللسان من اللسان الصريح ـ انما هي الحذر من مواجهة احساسات المخاطب ضد الكلام حيث يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عامّ مرتكزاً في ذهنه، ولا أهمية لوجود دليل آخر وعدمه في ذلك)([6]).
ويمكن بيان كلامه وبسطه في ضمن أمور:
الوجه في عدِّ الأصوليين (الإجماع) دليلاً مع انه كاشف عنه لا دليل
الأمر الأول: أنه يمكن التمثيل للنكتة البلاغية التي ذكرها، بمثال يشترك معه في الروح العامة كما انه مما لا يخلو من فائدة في حد ذاته، وهو الوجه الذي دفع اعلام الأصوليين لعدّ (الإجماع) واعتباره من الأدلة الأربعة مع أنه ليس بدليل ولا بقسيم للأدلة الثلاثة: الكتاب والسنة والعقل؛ فإن هذه أدلة قائمة بنفسها وهي حجة بذاتها أما الإجماع فغاية ما فيه أنه كاشف عن ثانيها([7]) فليس حجة بنفسه بل حجيته اما للدخول فالحجة قول المعصوم (عليه السلام) الذي في ضمنه أو الحدس فهو كاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) أو اللطف فهو كاشف عن حكم العقل وهكذا الحال في سائر المباني؛ ألا ترى أن السيرة وخبر الثقة وغيرها لم تجعل قسيماً للكتاب والسنة والعقل بأن يقال الدليل الخامس السيرة والسادس خبر الثقة... الخ إذ هي كواشف عن الدليل الذي هو السنة وقول أو فعل أو تقرير المعصوم (عليه السلام) فهي كالإجماع من هذه الجهة.
لكن الوجه في عدّ العلماء للإجماع أحد الأدلة الأربعة، هو نفس المذكور ههنا كنكتة بلاغية للعدول إلى التنزيل من (الحذر من مواجهة احساسات المخاطب ضد الكلام) فقد استظهر بعض الأعلام أن الإجماع حيث عدّه أهل العامة من الحجج وحيث كان عندهم من البديهيات ولعله عند عامة الناس كذلك، كان من الصعب إنكار حجيته أو انه كان بحاجة إلى مؤونة زائدة، فلجأ أعلام الأصول جمعاً بين حق الواقع وحق التأثير على الناس بل على الطرف الآخر([8]) دون مصادمته مباشرة، إلى اعتباره حجة لكن لا بما هو هو كما ذهب إليه العامة، بل بما هو مشتمل على رأي المعصوم (عليه السلام) أو كاشف عنه.
الأمر الثاني: أن مورد كلامه في النكتة البلاغية لا بد أن يكون هو الحكومة التضييقية فان التعليل صادق عليها، دون الحكومة التنزيلية الإثباتية وإن كان ظاهر إطلاق بعض كلامه أعم.
الوجه في العدول إلى (لا ربا...) بدل (هو ربا حلال)
واما توضيحه: فان قوله تعالى: ( وَحَرَّمَ الرِّبَا) يمكن استثناء الربا بين الوالد والولد أو الزوج والزوجة منه، بوجهين:
الوجه الأول: أن يقول (الربا بين الوالد والولد غير محرم) لكن الكلام بهذه الصراحة يشكل مصادمة جلية لقاعدة حرمة الربا فقد تستنكرها النفوس إذ كيف يقال بان هذا النوع من الربا حلال مع ما في الربا من المفاسد العظيمة (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ)([9]).
الوجه الثاني: أن يقال (لا ربا بين الوالد وولده) بمعنى أنه ليس من الربا موضوعاً ولذا ليس بحرام، وهذا أبلغ في الاستثناء وفي الاقناع بالحكم إذ حيث عدّه لا ربا كان من الطبيعي أن لا يكون حراماً.
الأمر الثالث: أن النكتة في التنزيل هو هذه النكتة البلاغية وتلك الأخرى اللغوية (الآتية) وليس (النظر إلى دليل آخر).
وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
...................................................
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوَائِدِ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- فَلْيَكُنْ مِنْ زُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) " وسائل الشيعة ج14 ص424.
====================
الاحد 21 محرم 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |