76- مناقشتنا مع المحقق الاصفهاني في مبناه من عدم المقتضي في مقام الاثبات لحجية العام المعارض، بوجوه عديدة
الثلاثاء 28 جمادى الاولى 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(76)
ملخص البحث وصفوة النقاش مع المحقق الاصفهاني
وصفوة القول في المقام: ان المشهور ذهبوا إلى ان العام إذا عارضه الخاص فانه - أي الخاص - يتقدم عليه بأحد وجوه، على الأقوال: الحكومة أو الورود أو التقدم بالاظهرية أو خروج مورد الخاص تخصّصاً عن العام أو بالتخريج – على ما ذهبنا إليه وأوضحناه سابقاً.
بينما ذهب غير المشهور ومنهم صاحب الحدائق، وأيضاً احتمله صاحب الكفاية وتردد فيه ولو لقوله فتأمل، إلى ان العام يعارض الخاص وان أدلة الترجيح فالتخيير تشمله فهما متعارضان فيؤخذ بالأرجح منهما مما ذكر في الروايات([1]) وإلا فيخير بينهما وسيأتي ذكر الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية لذلك وإن لم يبنِ عليه وأنّ الدقيق في كلامه انه يرى انه لا تعارض في موارد الجمع العرفي لكن مع ذلك يحتمل ان اخبار الترجيح والتخيير تشملها (كالعام والخاص)، كما ان الشيخ الطوسي ذهب في بعض كتبه إلى التعارض بين العام والخاص.
رأي المحقق الاصفهاني
اما المحقق الاصفهاني فقد ذهب إلى ان أدلة الحجية لا تشمل العام المعارَض بالخاص، في مقام الإثبات إذ ارتأى ان الدليل الوحيد على حجية العمومات على المرادات الجدية هو بناء العقلاء عملاً، ومن البيّن انه ليس للعقلاء بناءان عمليان متضادان على العمل بالخاص والعمل بالعام([2]) في نفس الوقت، وعليه فان دليل الحجية، وهو السيرة أو البناء العملي للعقلاء، لا يشمل العام المعارَض بالخاص فلا تعارض بين العام والخاص ابداً لا مستقراً ولا بدوياً إذ ليس العام حجة من رأس حينئذٍ فلا معنى للبحث عن ان الخاص حاكم على العام أو وارد أو متقدم عليه للاظهرية أو شبه ذلك إذ ذلك كله فرع الحجية الاقتضائية والعام المعارَض ليس حجة بالمرة إذ لم يشمله الدليل أصلاً لا انه شمله ثم تقدم الخاص عليه للحكومة أو الاظهرية أو غير ذلك، نعم مآل ذلك إلى التخصص أو كالتخصص فتدبر.
قال: (وبيانه: بأن معنى التنافي في الدليلية والحجية عدم إمكان اجتماعهما في الحجية فعلاً، وتزاحمهما فيها، وذلك لا يكون إلا مع تمامية المقتضي للحجية في مقام الإثبات، فكل منهما حجة بالذات ويتمانعان ويتزاحمان في الفعلية، فإذا كان لأحدهما خصوصية معينة كان هو الحجة بالفعل، وإلا سقطا معاً عن الحجية الفعلية مع بقائهما على الحجية الذاتية.
وهذا([3]) إنما يعقل فيما إذا كانت حجية الحجة بعموم أو إطلاق لفظي كالخبر الثابت حجيته بالآيات أو الروايات. وأما الدلالة فلا دليل على حجيتها إلا بناء العقلاء عملاً، ولا يعقل بناءان منهم: عموماً وخصوصاً، إطلاقاً وتقييداً، ليكون أحد البناءين مخصصاً أو مقيداً للآخر.
فان العمل إما على الظاهر الذي ليس في قباله نص أو أظهر، فلا مقتضى لحجية مثل هذا الظاهر([4]) إثباتاً...)([5]).
وسيأتي الكلام حول رأي غير المشهور والحدائق والوجه الذي ذكره الآخوند لهم، والكلام الآن في المناقشة مع المحقق الاصفهاني فنقول:
وجه النقاش معه مبنائي وبنائي، اما المبنائي فسيأتي تفصيلاً في البحوث القادمة، واما النقاش البنائي فهو ما اسهبنا الكلام حوله في البحوث الماضية.
ملخص النقاش البنائي مع الاصفهاني
وصفوة الجواب البنائي وملخصه هو: انه لو سلمنا ان الدليل الوحيد على حجية الظواهر ومنها العمومات هو بناء العقلاء العملي فمع ذلك يمكننا القول بالتعارض بين الخاص والعام وشمول دليل الحجية في عالم الإثبات للعام فيعارضه الخاص ثم يتقدم عليه، وذلك لما أوضحناه بالتفصيل في ضمن دروس متتالية من ان البناء العملي للعقلاء لا بد ان يكون لنكتة عقلائية ارتكازية فان بناء العقلاء وسيرتهم ليست لنكتة تعبدية بل إنما هو لنكتة ارتكازية تعقلية، والنكتة الارتكازية هي أحد أمور أربعة وهي كلها عامة تشمل العام المعارَض، في عالم الإثبات فلا بد – على هذا - من البحث عن وجه تقدم الخاص عليه: حكومة أو وروداً... الخ
النكات الأربع لتعميم وجه حجية الظواهر
والنكات الأربع هي: 1- ان بناءهم هو للكاشفية النوعية للعام عن المراد الجدي للمتكلم به.
2- انه لحصول الظن النوعي منه للعقلاء بمراد المتكلم الجدي.
ولا شك ان الكاشفية النوعية والظن النوعي ثابتان للعام اقتضاءً وإن عارضه الخاص إلا انه محكوم أو مورود عليه أو غير ذلك.
3- وجود المقتضي([6]) وهو الوضع والاستعمال المعتنى به على ما سبق، ولا شك في وجوده كما هو واضح بل هو مبنى الكلام كله([7]) وانتفاء المانع.
4- وجود المقتضي بنحو آخر وهو ما مضى من ركون النفس للظواهر واقتضاء طبع أهل اللغة بما هم أهل اللغة للعمل بها فان مقتضى طبعهم هو العمل عليها والاعتماد عليها، نعم اقتضاء الطبع للعمل على طبق الخاص المعارِض له أقوى.
وعلى هذه الوجوه الأربعة، فان الدليل في عالم الإثبات على حجية الظواهر والدلالات، متحقق ثابت([8]) فالمقتضي للحجية في مقام الإثبات متحقق فكل منهما حجة بالذات ويتمانعان ويتزاحمان في الفعلية فيتقدم الأقوى ذو الخصوصية.
مثال تطبيقي:
وقد يمثل لتعارض العام مع الخاص ما يحتمل فيه، عرفاً، استقرار التعارض بينهما، وعدم ارتفاعه بأعمال النظر ليكون بدوياً، فلا بد من ان يعمل في مثله بضوابط الترجيح فالتخيير، وذلك في صور:
منها: ما لو ورد دليل عام مفاده (البينة على المدعى واليمين على من انكر)([9]) الشامل بإطلاقه بما لو أقام ذو اليد (وهو الداخل) بينة مضادة فان القول قول المدعي ذي البينة إذ البينة عليه ولا محل للمنكر شرعاً حسب هذه الرواية وغيرها ان يقيم البينة بل حقه ومحله اليمين فقط، فبينته – أي ذو اليد – لغو، وورد في المقابل دليل خاص مفاده ان ذا اليد الداخل لو أقام بينة معارضة لبينة الخارج تقدم عليه كما افتى به غير المشهور بل لعله النادر، قال في الجواهر: (نعم، في كشف اللثام نسبة الخلاف في المقام: إلى المبسوط والوسيلة: فقدما بيّنة الداخل؛ لتأيد البيّنة باليد، ولما سيأتي من أدلة التقديم مع شهادتهما بالسبب بناءً على مساواة الاطلاق له أو أولويته منه([10]))([11]).
وقال قبل ذلك: ( (و) أما الكلام (في الثاني) الذي هو أن تكون العين في يد أحدهما: فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه (يقضي بها للخارج دون المتشبث إن شهدتا لهما بالملك المطلق) مع التساوي في العدد والعدالة وعدمه، بل عن الخلاف والغنية والسرائر وظاهر المبسوط: الاجماع عليه، بل عن الأول والأخير نسبته إلى أخبار الفرقة. وهو الحجّة، بعد: المرسل السابق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) المنجبر بما سمعت...)([12])
ومنها: ما لو شهدتا بالسبب، حيث ان المشهور تقدم بينة الخارج حينئذٍ، لكن هناك قول بالقضاء لصاحب اليد خلافاً لإطلاق البينة على المدعي، وهو مورد الشاهد في المقام.
قال في الجواهر: ( (و) كيف كان، فـ(لو شهدتا بالسبب قيل) والقائل الشيخ في ظاهر النهاية والمحكي عن كتابي الأخبار: (يقضى لصاحب اليد) وإن أطلق في الأول تقديم بينته إذا شهدت بالسبب، وخصّها في الأخيرين بما إذا شهدتا به (لقضاء علي (عليه السلام) في الدابّة) )([13]).
و: ( (وقيل) القائل المشهور على ما حكي بل عن الغنية الاجماع عليه: (يقضى للخارج؛ لـ) لأدلة التي سمعتها سابقا التي منها خبر منصور السابق المشتمل مع ذلك على (أنه لا بينة على ذي اليد كما لا يمين على المدّعي؛ عملا بقوله (صلى الله عليه وآله): (واليمين على من أنكر) والتفصيل قاطع للشركة) )([14]) وللتأمل في المثالين مجال واسع فتأمل وتدبر.
وللبحث صلة بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
الثلاثاء 28 جمادى الاولى 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |