26- مناقشات مع الاخوند في تعريفه التعارض بـ(تنافي الدليلين او الادلة بحسب الدلالة ومقام الاثبات) ومناقشة مع المشكيين في تعليقته
الثلاثاء 4 صفر 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(26)
مناقشتان مع الآخوند في تعريفه للتعارض
حيث تحقق ما مضى من الدلالات الثمان، ومِن مواطن التعارض الثلاث، ومِن صدق التعارض على العام والخاص في الظهور لا الحجية، ومِن المراد من التعارض في روايات المرجحات، اتضح وجه التأمل في كلمات العديد من الاعلام:
فمنهم: صاحب الكفاية إذ عرّف التعارض بـ(تنافي الدليلين أو الأدلة – بحسب الدلالة ومقام الإثبات...) فانه قد يناقش:
أولاً: بان تقييده التنافي بـ(حسب الدلالة ومقام الإثبات) غير تام بل هو اما غير صحيح أو ناقص قاصر لغو، بيان ذلك في ضمن المنفصلة الحقيقية التالية:
فان الآخوند اما ان يرى موارد الجمع الدلالي العرفي، كالعام والخاص، مشموله للتعارض أو لا؟
فان لم يرها مشموله للتعارض، كما هو صريحه، كان التقييد بـ(بحسب الدلالة ومقام الإثبات) لغواً، فان المتباينين أو العامين من وجه متعارضان لا بحسب الدلالة فحسب بل بحسب الحجية أيضاً فالتعارض فيها هو التنافي بحسب الدلالة والحجية معاً، والحاصل: انه ان كان قوله (بحسب الدلالة...) ذا مفهوم كما هو مقتضى القاعدة في القيود فان الأصل في القيود الاحترازية خاصة في التعريفات الدقية كان غلطاً وإلا كان ناقصاً وتقييداً من غير وجه.
اللهم إلا ان يدعى بان مصب التعارض هو الدلالة واما الحجية وعدمها فهي الحكم([1])، وفيه: ان الحجية ان أريد بها الكاشفية كانت عين الدلالة والظهور([2]) وان أريد بها المنجزية أو لزوم الاتباع أو جعل المماثل كان الدليلان المتباينان بلحاظها متعارضين فانه وإن كان لزوم الاتباع حكماً وكان جعل المماثل جعلاً تكوينياً للشارع إلا ان الخبرين بلحاظهما أيضاً متعارضان.
والحاصل ان التعارض أعم من التعارض بحسب الذات أو بحسب الحجية والحكم، اللهم إلا ان يدعى الانصراف للأول ويستشهد عليه بقول الراوي "يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذ..."([3]) فـ(المتعارضان) إشارة لمرتبة الذات والظهور و"فَبِأَيِّهِمَا آخُذ" إشارة لمرتبة الحكم والحجية. فتأمل
وان رأى موارد الجمع الدلالي العرفي مشموله للتعارض فالتقييد بـ(بحسب الدلالة) على حسب ما مضى من التحقيق غير صحيح إذ يناقض (التعريفُ) بهذا القيد (المعرّفَ) بناءً على أعميته وشموله لموارد الجمع العرفي؛ إذ في موارد الجمع العرفي، كالعام والخاص والحاكم والمحكوم، لا تنافِيَ بحسب الدلالة إذ سبق إذ الخاص لا ينفي ظهور العام البدوي غير المستقر بل يجتمع معه لكنه مغلوب له وان هذا هو فرق العام عن المطلق وفرق المخصص المنفصل عن المتصل فلاحظ فينبغي ان يقيد بـ(بحسب الحجية) فقط.
اللهم إلا ان يكون تعريفه للتعارض لا بلحاظ معناه العرفي بل بلحاظ ما هو مأخوذ في لسان الشارع من التعارض ولو بمناسبات الحكم والموضوع وانه خصوص تعارض ما ليس فيه جمع عرفي، أو ان يكون تعريفه للتعارض بلحاظ ما بعد الانصراف – حتى عرفاً - لا ما قبله، أو يقال بان التعارض وان صدق دقةً على ظهور العام مع ظهور الخاص إلا انهما عرفاً ليسا بمتعارضين([4]) والحاصل: ان التعارض يشمل العام والخاص لكنهما يخرجان([5]) (ولذا قيد بـ"بحسب الدلالة") اما للانصراف([6]) أو في لسان الشارع أو بالعرف المعرِض عن الدقة، وبعبارة أخرى: (التعارض) المعرَّف اخص باحدى هذه الوجوه الثلاثة فيطابق (التعريف) بذلك القيد (أي بقيد بحسب الدلالة) فتدبر فتأمل([7]).
ثانياً: ان تعريفه التعارض بـ(تنافي الدليلين) تعريف بالأخص فان التعارض، كما سبق مفصلاً، يشمل صنفين: التعارض البدوي والتعارض المستقر، اما التنافي فخاص بالمستقر إذ التنافي تفاعل يدل على نفي احدهما للآخر وقد سبق ان الخاص لا ينفي ظهور العام البدوي بل يؤكده إلا انه يُلزِم بعدم اتباعه أي انه ينفي حجيته فقط، اما التعارض فهو اما من العرض أو من الاظهار وقد سبق ان العام لكون دلالته بالوضع وكونه انحلالياً فانه يدل على حرمة إكرام كل فرد فرد ومنه زيد العالم فيعارض الخاص الدال على وجوب إكرام زيد، لذا فهو في عرض الخاص، ولو بدواً، كما انه يظهر نفسه له وإن كان مغلوباً بالمآل، اللهم إلا ان يجاب بما أجبنا به الإشكال السابق في اخره([8])، فتأمل
مناقشة مع المشكيني في تعليقته
كما ظهر وجه المناقشة مع المحقق المشكيني إذ قال (إذ من المعلوم ان الدليل المنفصل الأقوى لا يصادم ظهور الدليل الأضعف ودلالته، بل حجيته)([9]) فانه وإن صح انه يصادم حجيته، إلا ان قوله (لا يصادم ظهور الدليل الأضعف ودلالته) مردد بين التام وغيره؛ فانه إن أراد بـ(يصادم) أي (لا يزيل) صح لما سبق مع عدم إزالة المخصص المنفصل لظهور العام ودلالته، وان أراد بـ(يصادم) أي (لا يعارض) فليس بصحيح لما سبق من معارضته له إذ دلالته بالوضع وهو انحلالي.. الخ
فائدة: حاشية المشكيني تعد من أدق الحواشي وأكثرها فوائد وتحقيقات، والظاهر انها لم تعطَ حقها من المحورية والاهتمام في مرحلة الاثبات، فيما أعلم، فالجدير بالمجتهد والطالب التدقيق في كلماته وآرائه وتدقيقاته بل لعل أكثر من تأخر عنه يعد عيالاً عليه في مرحلة الثبوت([10]) والله العالم.
كما ان كتاب التعارض للمحقق اليزدي يعد من أهم الكتب في هذا الباب لا لبسطه وشموليته واستيعابه فحسب بل لكونه فقيهاً قليل النظير في أبواب الفقه فكان بحثه الاصولي – عموماً – أقرب إلى الذوق الفقهي وإلى الاجتهاد العرفي والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=========================
الثلاثاء 4 صفر 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |