25- مزيد تفصيل وايضاح للمبحث السابق ـ وتطبيق البحث على المخصص المنفصل الوارد بعد وقت الحاجة وانه ليس بناسخ
الاثنين 3 صفر 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(25)
تلخيص فيه تحصيل وتحقيق وبرهان
وبعبارة أخرى:([1]) ان للتعارض مواطن ومصابّ عديدة فلا بد من تشخيصها وتحديدها أولاً ثم تعيين ان المراد من (الخبران المتعارضان) في المقبولة ما هو؟ وهل يشمل موارد الجمع العرفي كالعام والخاص أو لا؟.
التعارض في الحجية
أ- (التعارض في الحجية) ولكن لا تعارض بين العام والخاص في مقام الحجية فان حجية العام (سواء أخذناها بمعنى لزوم اتباعه، أم تنجيزه، أم جعل المماثل) تعليقية في مرحلة المقتضي على عدم ورود الخاص المنفصل أيضاً، فالخاص المنفصل وارد على حجية العام أي مزيل لحجيته في مرحلة المقتضي فلا ثبوت لحجية العام حتى بنحو ضعيف كي يعارض حجية الخاص.
التعارض في الظهور البدوي
ب- (التعارض في مرحلة الظهور البدوي غير المستقر) وقد ظهر ان الخاص المنفصل لا يزيل ظهور العام البدوي فان المخصص المتصل هو الوارد على ظهور العام ومزيل له لا المنفصل بل هذا هو الفرق بينهما فانه مع المتصل لا ينعقد للعام ظهور في الشمول بل ينعقد ضيقا، اما مع المنفصل فينعقد له ظهور في الشمول لكنه مغلوب مقهور، اما دعوى تعليقه في مرحلة المقتضي على عدم المنفصل فانها تستلزم مساواة المتصل مع المنفصل في هذه الجهة وذلك واضح البطلان.
الاستدلال بدلالة العام بالوضع على ثبوت الظهور البدوي
ويدلك على ذلك: ان من الواضح ان دلالة العام على الشمول هي بالوضع فقوله أكرم العلماء يدل بالوضع على وجوب إكرام زيد وعمرو وبكر وغيرهم إذ العموم انحلالي، فإذا ورد لا تكرم زيداً العالم عارَضَ، لا محالة، أكرم العلماء في هذا المصداق الخاص – وهو زيد – فلا شك إذاً في ثبوت ظهور للعلماء في شموله لزيد لكنه ليس بحجة أي ليس بلازم الاتباع رغم وجوده لأنه مغلوب، لا انه غير موجود بالمرة، كما في ما لو كان المخصص متصلاً، ولا انه موجود مكافئ معاند، بل هو موجود ضعيف مغلوب ومحكوم.
الاستدلال بالفرق بين العام والمطلق
وبعبارة أخرى: يدلّك على ذلك ما التزمه المشهور من الفرق بين العام والمطلق، من ان العام دلالته على العموم بالوضع والمطلق دلالته على الشمول بمقدمات الحكمة ومنها عدم وجود قرينة على الخلاف فإذا وجدت قرينة على الخلاف لم ينعقد ثبوتا – وظهر انه لم ينعقد إثباتاً – للمطلق شمول ولو بدوي وذلك لمعلقيته في مرحلة اقتضائه على عدم القرينة على الخلاف، عكس ما لو وجدت قرينة على خلاف العام فانه لمكان دلالته على العموم بالوضع فانه غير مرتهن في دلالته عليه بعدم قرينة على الخلاف فإذا وجدت القرينة المخالفة غلبت ظهور العام رغم وجوده من دون ان تزيله وتفنيه موضوعاً وإلا لتساوى العام والمطلق مع انهما، عرفاً، غير متساويين إذا لوحظا بما هما هما.
الاستدلال بمعنى التعارض سواء أكان من العرض أم الاظهار
كما يدلّك عليه أيضاً ان (التعارض) وسائر المشتقات كـ(المتعارضان) الوارد في المقبولة مأخوذ اما من العرض أو من الاظهار([2]) وعلى كلا القولين فان العام متعارض، في مرحلة الظهور البدوي لا الحجية، مع الخاص:
اما على الأول فلأنه في عرضه لما سبق من انحلال العام إلى الافراد فيفيد – فيما يفيد - أكرم زيداً فيعارضه الخاص الناطق بـ(لا تكرم زيداً).
واما على الثاني فلأن العام يبرز نفسه ويظهرها في مقابل الخاص، لفرض انحلاليته للافراد وشموله لزيد، إلا انه حيث كان أضعف كان مغلوباً محكوماً فلا يؤخذ به (رغم وجوده) ومعنى لا يؤخذ به أنه ليس بحجة فهو ظاهر في الشمول لكنه غير لازم الاتباع.
التعارض في الظهور المستقر، على المباني
ج- (التعارض في مرحلة الظهور المستقر) وهذا هو موضع النزاع المشهور في ان مقتضى القاعدة لو تعارض خبران ظاهرهما مستقر كالعامين من وجه أو كالعام المعارض بالعام بالتباين أو النص بالنص، فهل مقتضى القاعدة التوقف لاخبار التوقف ثم الاحتياط عملاً؟ أو الترجيح بالمنصوص أو مطلق؟ أو التخيير برفع اليد عن إطلاقهما([3]) لا عن أصلهما؟ أو التساقط بالقول بسراية التعارض إلى سندهما للعلم بكذب احدهما إجمالاً فيسقطان في مرحلة الحجية السندية لا الدلالة فقط بدعوى ان أدلة الحجية لا تشمل المتعارضين لاستحالة جعل الحجية للمتضادين أو المتناقضين أو للغوية ذلك أو لغير ذلك.
ومن الواضح ان العام مع الخاص ليس صغرى التعارض في هذا المقام إذ ليس للعام ظهور مستقر، نعم إذا عُدِم المخصص المنفصل حتى وقت الحاجة استقر ظهور العام فإذا جاء مخصص منفصل بعد وقت الحاجة كان ناسخاً([4]) اللهم إلا في محيط التقنين الشارعي كما مضى وسيأتي بعد قليل أيضاً.
التحقيق في المنفصل الآتي بعد وقت العمل والحاجة
ومن ذلك كله ظهر الحال في المخصص المنفصل الوارد بعد وقت العمل في محيط التقنين الشارعي، فانه حيث جرى دأب الشارع على ذلك حسب ما بنى عليه المشهور من انه لا نسخ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) كان كالقرينة العامة الحالية على معلَّقية العام في مرحلة حجيته على عدم ورود المخصص المنفصل ولو بعد وقت العمل، ولولا ذلك لوجب الالتزام بكون الخاص الوارد بعد وقت العمل ناسخ، مع ان المشهور بل شبه المجمع عليه في الفقه عدم ملاحظة وقت ورود الخاص أبداً بل تخصيص العام به مطلقاً كما ان ذلك مبنى الأكثر في الأصول أيضاً.([5])
وعليه: أ- فان العام المخصص بالخاص المنفصل بعد وقت العمل لا يعارض الخاص في مرحلة الحجية لأن المنفصل وارد عليه، في محيط التقنين الشارعي، فلا حكم بلزوم اتباعه حتى اقتضاءً أي لا حجية له حتى اقتضاءً (أي لعدم شمول أدلة الحجية له ولا يراد بالاقتضاء الثبوتي منه)، نعم في غير محيط التقنين الشارعي يكون حجة مادام لم يرد إلى حين وقت الحاجة والعمل مخصص فلا محالة يكون حينئذٍ ناسخاً فكان العام فيما سبق زمنه حجة وكان حكمه مرفوعاً بعده([6]).
ب- ان الظهور المستقر عرفاً للعام، أي المستقر لا في محيط التقنين، لا يزيله الخاص الوارد بعد وقت الحاجة إذا كان في محيط التقنين إذ هو مستقر في العرف وغير مستقر في بناء المشرع فهو كالظهور البدوي الذي لا يزيله المخصص قبل وقت العمل، وعليه فانه يعارضه لكنه مغلوب له مقهور به إلا ان (المتعارضان) منصرف عنه في محيط التقنين، لا انه ليس شاملاً له.
الفرق بين الانصراف وعدم الاطلاق
تنبيه: الفرق بين عدم انعقاد الإطلاق وانعقاده ثم الانصراف، بيّن، ويظهر بالمثال الآتي فان قول المولى جئني بماء شامل بإطلاقه للماء المالح أو لماء البحر لكنه منصرف عنه؛ لمناسبات الحكم والموضوع وغيرها، عكس (الدهن) مثلاً فانه غير مشمول لـ(جئني بماء)، تخصصاً لا انصرافاً.
والحاصل: ان الفرق هو الفرق بين عدم الشمول لعدم المقتضي أو عدمه لوجود المانع، اما من حيث الاثر فقد سبق نظيره([7]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
الاثنين 3 صفر 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |