17- تتمة مناقشات النائيني ـ القدرة العقلية الفلسفية ليست في حيطة البشر ولا ان ممكن آخر، وعليه فلا قدرة للمكلف حتى على الايجاب وحده ـ القدرة العقلائية العرفية والشرعية متحققة: 1ـ القدرة على الواسطة اذ المقدور بالواسطة مقدور 2ـ القدرة على المقتضي وان انتفت السلطة على بعض الموانع وتحقيق ذلك
الثلاثاء 27 محرم 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(17)
هل المراد بالقدرة العقلية أو العرفية؟
الرابعة:([1]) ان القدرة إن أريد بها العقلية الدقية الحقيقية فانه لا قدرة للمكلف على هذا المعنى حتى على الإيجاب المطلق الذي اعتبره المقدور الوحيد من بين المعاني كما لا قدرة له – على هذا – على أي فعل من الأفعال أبداً فلا يصح التكليف مطلقاً إذ كيف يكلف بغير المقدور، والقدرة من شرائط التكليف العقلية العامة؟
وإن أريد بها القدرة العرفية العقلائية أو الشرعية، فان المكلف قادر – عرفاً وعقلائياً – على النقل الخاص – وهو المسبب – أو إيجاد الفرقة والبينونة – بالطلاق – وعلى مجموع الإيجاب والقبول وان كان القبول فعل الغير.
معنى القدرة العقلية
توضيحه: ان القدرة العقلية على فعل أو أمر تعني كونه تحت سلطة القادر من كل الجهات التي يكون بها وقوعه أي كون العلة التامة بيده من إيجاد المقتضي والشروط ورفع الموانع والدوافع والروافع، فان المقتضي لو لم يكن تحت قدرة الشخص أو لم يكن شرط الوجود بيده أو كانا لكن كان المانع قاهراً لا سلطة له على رفعه، فانه لا قدرة حينئذٍ.
والحاصل: انه يجب ان يكون سدّ باب عدم المعلول من جهات الجهات بيده وتحت سلطته كي يصح وصفه بالقادر حقيقة، ولنمثل بمثال واضح: فان زيداً إنما يكون قادراً على فتح النافذة – مثلاً – لو كانت له القدرة البدنية على تحريكها – وهذا هو المقتضي – ولو لم يكن هناك مانع عن التحريك كما لو أمسك بالنافذة شخص أقوى منه فمنعه من فتحها، فلا يكون قادراً – بالقدرة الدقية العقلية – إلا لو كان المقتضي بيده، وكان رفع المانع بده أيضاً والا كان غير قادر حقيقة بل القادر القاهر هو ذلك الأقوى.
لا قدرة عقلية للمكلف على أي فعل حتى على الإيجاب وحده
وحينئذٍ نقول: ان العبد ليس قادراً بالقدرة العقلية، بمعنى كون العلة التامة بكافة أركانها بيده، على أي فعل من الأفعال أبداً ومنها الإيجاب نفسه الذي رأى الميرزا النائيني انه المقدور الوحيد؛ فانه وإن توهم انه بيده إذ الإيجاب وإنشاء البيع ليس متوقفاً إلا على قصده وعلى الإرادة وتحريك عضلات اللسان للنطق بـ(بعت) موجداً به الاعتبار في عالمه([2])، لكنه لدى الدقة عليل إذ انه قوله (بعت) موقوف تحققه إضافة على تحقق المقتضي، على انتفاء المانع من قصده له وعلى عدم المانع من إرادته ومن تحريك عضلات حلقه ولسانه ثم نطقه بـ(بعت) ومن الواضح ان لله تعالى – بل مطلق من هو أقوى منه مطلقاً أو في هذه الجهة – أن يمنعه([3]) فإذا لم يكن قادراً على دفع منع المانع لم تكن العلة التامة لوجود (الإيجاب) بيده؛ إذ منها عدم المانع وعدمه مرتهن بغيره تحت سلطته لا بيده فلم يكن قادراً – بالقدرة الحقيقية – حتى على الإيجاب، هذا.
كله لو فسرت القدرة العقلية بما ذكر([4])، واما لو أريد بالقدرة العقلية ما كان أمر الشيء بيده وإن كان بإذن الغير الأقوى([5])، فانها تندرج في الصورة اللاحقة فتلزمه أحكامها فتدبر جيداً.
معنى القدرة العرفية، والمكلف قادر – عليها – حتى على فعل الغير
وإن أريد بالقدرة القدرة العرفية والعقلائية – وهو الحق([6]) – فان المكلف قادر عرفاً وعقلائياً على المسبب بقدرته على السبب وإن خرجت بعض الشروط أو الموانع عن سلطته بان كانت تحت سلطة الغير القاهرة فكيف بما لو خلّى ذلك القاهر بينه وبين الشيء (المفعول) واذن له – أي تكويناً - بعدم منعه مثلاً؟، فهو قادر على النقل الخاص وعلى مجموع الإيجاب والقبول حينئذٍ، توضيحه:
ان العرف والعقلاء – وكذا الشرع – يرون صدق القدرة بالحمل الشائع الصناعي على ما سبق لأنهم يرون المقدور بالواسطة مقدوراً ولأنهم يرون القدرة على المقتضي قدرة على المقتضى وإن لم تكن كل الشروط إيجاداً أو الموانع رفعاً بيده؛ ولذا يقال انه قادر على كسر الزجاج مع ان بيده رمي الحجر عليه فقط اما كسره فمتوقف على انتفاء الموانع وليس كلها بيده([7]) وكذلك الإبصار فان الإنسان قادر – عرفاً وعقلائياً وشرعاً – على الإبصار بفتح جفن عينه مثلاً مع ان الابصار موقوف على أمور غير اختيارية للعبد ولا هي تحت قدرته ومنها انه([8]) – على التحقيق الذي اثبته العلم الحديث – بخروج الشعاع من الجسم المرئي مع ان خروجه منه وعدمه ليس تحت قدرة الإنسان.
وبعبارة أخرى: انه يكفي في تحقق القدرة العقلائية وصدقها كون الجزء الأخير من العلة بيد المكلف وإن كانت سائر الأجزاء الطولية السابقة بيد غيره أو وجود المقتضي بيده وان كان رفع المانع ووجوده بيد غيره لكنه كان في ظرف عدم منعه.
القدرة على فعل الغير بايجاد الداعي التام فيه
وفي المقام نقول: انه لا شك عرفاً في ان الشخص قادر على البيع والشراء والصلح والشركة مع انه ليس بيده – حسب الزعم – إلا الإيجاب وهم – أي العقلاء - يريدون بالقدرة القدرة على المسبب، ووجهه: انه قادر على قول (بعت) مثلاً بالقصد والإرادة وتحريك عضلات اللسان مباشرة واما مقدرته على فعل المشتري وهو قوله قبلت فلأنه مقدور بالواسطة والمقدور بالواسطة مقدور إذ انه بقوله بعت، مخاطباً المحل القابل أي المشتري المستعد للشراء، يوجب فيه الباعث الفعلي التام على إنشاء قبلت فهو إذاً قادر على كلا ركني البيع: الإيجاب بالمباشرة والقبول بالتسبيب فيكون قادراً على المسبب لقدرته على أركان السبب.
ومنه يظهر ان قولهم القدرة شرط التكليف يراد بها القدرة على ما هو في حيّزك من الأسباب وما يُعبَّر عنه بالقدرة عرفاً أي على الأعم من المقدور مباشرة أو بالواسطة أي على المقتضي وإن لم يكن قادراً على إيجاد المانع ورفعه إلا انه كان في ظرف رفعه.
وبعبارة أخرى: ملاك القدرة دخول المقتضي أو المعد تحت السلطة في ظرف عدم وجود الموانع وإن كانت – وجوداً وعدماً – بيد غيره أي متقارناً مع عدم المانع ولا يشترط في القدرة كون كل أجزاء وشرائط – ومنها انتفاء الموانع – العلة تحت سلطته وأمرها – وضعاً ورفعاً – بيده. وللحديث تتمة وصلة فانتظر وتأمل([9]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=========================
الثلاثاء 27 محرم 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |