14- الفقه : إطلاق البيع على السبب (الايجاب والقبول) مجاز ، دليله والمناقشة وبحث عن مدخلية المقصود والمطلوب من الشيء في وضع اللفظ
الاثنين 19 محرم 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(14)
الفقه: إطلاق البيع على الإيجاب والقبول مجاز
وقد ذهب السيد الوالد (قدس سره) إلى ان البيع يطلق على الشراء وبالعكس، وإلى ان إطلاقه على السبب مجاز خلافاً لما اخترناه من كون الإطلاقات الثلاثة على نحو الحقيقة، قال: (البيع يطلق على عمل البائع – وحيث لا نريد إلا الالماع لا يكون التعريف دورياً، من جهة أخذ مادة المعرّف في المعرِف – وعمل المشتري، لأن كلا من البيع والشراء يطلق على كل منهما، من غير فرق بين كون عملهما لفظياً أو كتبياً أو اشارياً أو عملياً- كما في المعاطاة، وعملهما معاً، بالإضافة إلى إطلاقه على الأثر.
والظاهر ان الأصل هو وإنما يطلق على السبب بعلاقة المسبب والسبب، لا العكس الذي هو من علاقة السبب والمسبب، إذ المقصود الآثار في كل العقود والايقاعات، ولذا كان النكاح للوطي ثم اطلق على العقد وهكذا)([1]).
أقول: المراد بالالماع الاشارة إلى جهة البحث إجمالاً فان حيثية تقسيمه إلى الأنواع الأربعة هي الملاحظة دون تحقيق المفهوم وبيان حدوده وتعريفه حداً أو رسماً.
المناقشة
وقد سبق الاستدلال على ان إطلاق البيع على الشراء مجاز، كما سبق الاستدلال على دعوى انه حقيقة في الثلاثة([2]) لا لعلاقة مصححة وذلك لصحة الحمل بلا عناية وعدم صحة السلب.
واما استدلاله بـ(إذ المقصود الآثار في كل العقود والايقاعات، ولذا كان النكاح للوطي ثم اطلق على العقد وهكذا) فقد يتأمل فيه:
أ- بان ثبوت كونه المقصود أعم من ثبوت الوضع له، فان المقصود داعٍ للوضع وليس علة له كما انه داع لخصوص وضعه لهذا المعنى أو ذاك لا علة، كما يشهد له ان (العدالة) مثلاً المقصود منها عدم تجاوز حدود الشارع وعدم ظلم الناس فهل يدل ذلك على ان الواضع وضعها لـ(الاستقامة على جادة الشارع) كما ذهب إليه جمع دون (الملكة)([3]) التي ذهب إليها المشهور ومنهم الوالد؟ ولو كان المقصود دليلاً على انه الموضوع له لوجب القول بانها الاستقامة على جادة الشرع نظراً لأن عدم تجاوز حدوده معلول الاستقامة أو هو نفسها وليس معلولاً للملكة إذ قد تنفك عن الاستقامة فتكون استقامة لا عن ملكة بل لسبب آخر([4])، كما قد توجد الملكة ويتجاوز المكلف حدود الشرع كما في مرتكب الصغيرة من غير إصرار.
نعم من ذهب إلى انها الاستقامة على جادة الشرع استدل بالمستظهر من الروايات أو غير ذلك، لكن لا بالمقصود منها كدليل على وضعها للاستقامة.
ب- ان (المطلوب) من العقود والايقاعات هو الآثار أي ان الآثار هي المطلوب من ذواتها([5])، اما المقصود من لفظها فهو منشأ الآثار وموجِد سببها، وهذا مبني على التفكيك بين المطلوب والمقصود – ولو بالقرينة([6]) - كما تقول: لمن هوى بيده على رأس ابنه واحتمل كونه غير عامد: هل ضربته غافلاً أم عامداً؟ فيقول: كان ضربي له مقصوداً وكان التأديب له مطلوباً، فالضرب مقصود والتأديب مطلوب وليس الضرب هو المطلوب([7]).
ج- انه فرق بين فعل البيع أي ذاته أي المسبب والمعنى الاسم مصدري وهو النقل الخاص وبين لفظ البيع والمعنى المصدري أي السبب ولعل الخلط بينهما أوجب ذلك الاستدلال، فان المقصود من فعل البيع وذاته أي المسبب والنقل هو الآثار (أي تملك الطرف الآخر وجواز تقلبه في المثمن بمختلف أنواع التقلبات فانه أثر النقل).
اما المقصود من وضع لفظ البيع فهو إيجاد ما هو منشأ الآثار([8]) أي إيجادُ اعتبارٍ في عالمه أي إيجاد النقل الذي أثره التملك وصحة التقلب.. الخ فهما أمران طوليان: لفظ البيع الذي وضع لإيجاد النقل الخاص (وهذا هو المقصود منه) والنقل الخاص الذي المقصود منه آثاره المعينة من تملك الطرف الآخر وصحة تقلبه فيه بكل أنواع التقلب، ومع وجود أثرين طوليين لا تصح دعوى وضع اللفظ للثاني منهما([9]) بدعوى ان المقصود آثاره.
والحاصل انه استدلال بالأعم على الأخص، ويتضح ذلك أكثر بتحليل المثال الذي استشهد به (قدس سره) فان المقصود من عمل النكاح (أي الدخول) هو التوالد والتناسل أو الاستمتاع المحلل اما المقصود من لفظ النكاح فهو حِلّية تمتعه بها، فأثر لفظ النكاح حلية الاستمتاعات وأثر نفس النكاح أي الوطي هو الولد والالتذاذ الحلال، ومنه يظهر ان الأظهر ان للنكاح أيضاً إطلاقين: إطلاقاً على الوطي وإطلاقاً على اللفظ المنشئ للزوجية الموجبة لحلية الوطي فهو مشترك لفظي بينهما كما ذهب إليه جمع فلا يصح الاستدلال على ان النكاح موضوع للوطي بان المقصود منه ذلك او ان الأثر – وهو الولد والتمتع – هو أثر الوطي فالنكاح موضوع له خاصة هذا.
كاشف الغطاء: للبيع إطلاقات متعددة
وقد ذهب المحقق الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء في أنوار الفقاهة إلى ما يقرب مما ذكرناه من تعدد الإطلاقات، مع فوارق سنشير لها بإذن الله تعالى، قال: (ثانيها: لفظ "البيع" يقال على نقل الأعيان فقط أو نقلها وانتقالها معاً. وقد يقال على الإيجاب فقط، وهذا هو الشائع في اللغة والعرف العامّ. وقد يقال على مجموع العقد الدالّ عليه المركّب من الإيجاب والقبول، وهو الشائع في ألسنة الفقهاء بل في لسان الشارع.
والظاهر أنّه حقيقة عرفيّة، بل لغويّة في الجميع على وجه الاشتراك، ولم يثبت له حقيقة شرعيّة جديدة على الأظهر)([10]).
المناقشة
أقول: رغم تمامية ما ذكره إجمالاً من تعدد الإطلاقات وان البيع حقيقة عرفية على وجه الاشتراك، إلا انه قد يتأمل في مواضع من كلامه:
أ- ليس قوله (أو نقلها وانتقالها معاً) على ما ينبغي، إذ ان الانتقال انفعال فلا يصح تفسير البيع وهو من مقولة الفعل به، لا بنحو الدلالة المطابقية، وهو ما سبق رده، ولا بنحو الدلالة التضمنية وهو هذا الذي ذكره ولو كأحد طرفي الترديد فانه كما لا يصح تفسير الكسر بالانكسار لا يصح تفسيره بالكسر والانكسار معاً. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=======================
الاثنين 19 محرم 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |