518- تتمة التحقيق : على القول بان الاقربية علة تامة للحجة التعيينية وعلى القول بكونها مقتضياً
الاحد 23 جمادي الاولى 1436 هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(42)
سبق انه إن قيل بان الاقربية للواقع والاقوائية في إيراث الظن وأكثرية الاحاطية هي علل لوجوب الأخذ بقول الأعلم وحجيته التعيينية، فانه تلزم منه اللوازم الفاسدة الخمسة السابقة.
وإن قيل بانها مقتضٍ لتعيّن الأخذ بقول الأعلم، فيرد عليه:
تحقق المقتضِي أعم من تحقق المقتضَى
أولاً: ان تحقق المقتضِي لا يستلزم تحقق المقتضَى فلا يمكن الانتقال من تحققه إلى تحققه ولا الاستدلال به عليه، إذ المعلول لا يعقل ان يقع ويتحقق إلا بعد تحقق علته التامة، والعلة التامة هي مجموع المقتضِي مع توفر القيود والشروط وانتفاء الموانع ومنها المزاحمات([1]).
وعلى أي فان كون الاقربية مقتضية ثبوتاً لتعيّن الأخذ بقول الأعلم لا تستلزم تعيّنه ثبوتاً كذلك إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع والمزاحمات، هذا ثبوتاً.
وأما إثباتاً، فانه لا يستلزم العلم بتحقق المقتضِي العلم بتحقق المقتضَى كما لا يستلزم ثبوت المقتضي بوجوده الواقعي ثبوت المقتضَى بوجوده الواقعي كذلك.
الاستشهاد بتدرجية تشريع الأحكام
ومما يؤكد ما ذكرناه: ملاحظة حال مقتضِيات الأحكام؛ فان اقتضاءها لها لم يستلزم ثبوتاً تشريع الأحكام على طبقها إلا بعد فترة من الزمن إذ كانت الأحكام تدريجية، كما لا يستلزم العلم باقتضائها لها العلمَ بتشريعها لتبعية حال الإثبات منها لحال الثبوت؛ ألا ترى ان ملاك حرمة الخمر كان تاماً قبل إنشاء تحريمه ولكنه لم يستلزم تشريعه ولذا انفك عنه وكذلك حال الصلاة والزكاة والحج وغيرها من الواجبات والمحرمات؟ وألا ترى انه لو علمنا بوجود المقتضي والملاك دون ان نعلم بتحقق الشروط وانتفاء الموانع لما صح لنا نسبة تشريع الأحكام فعلاً على طِبق تلك المقتضِيات للمولى العرفي أو الحقيقي إذا لم نعلم خارجاً ومن دليل آخر انه قد أنشأ وشرّع.
وبعبارة أخرى: بعد إحراز المقتضي لإنشاء الحكم أو لجعل الحجية أو إمضائها لا بد من إحراز عدم المانع والمزاحم وتوفر الشروط كافة وسدّ أبواب العدم من كل الجهات كي تصح دعوى تحقق المقتضَى (حكماً كان أم حجة عليه) فلا بد من الفحص ولا مجال للتمسك بالأصل كما سيأتي غداً بإذن الله تعالى.
فالمرجع اما بناء العقلاء أو النقل لا الأدلة الثلاثة
وعلى أي فانه عند الإذعان بذلك (ان الثلاثة مقتضية وليس علة تامة) فيجب الإذعان بانتقال الأمر من الأدلة الثلاثة (الاقربية، الاقوائية وأكثرية الإحاطة) – إذ لم يُكتفَ بها ولم تُجدِ نفعاً – إلى الاستدلال ببناء العقلاء على تعيّن الأخذ بقول الأعلم أو الاستناد للأدلة النقلية، والأول قد مضت مناقشته والثاني سيأتي تفصيله وموجزه انه لا يوجد دليل نقلي واحد تام على تعيّن الأخذ بقول الأعلم.
إقتضاء الثلاثة للحجية أو لتعينها هو مقتضى الأدلة
تنبيه: ظهر مما مضى من بحثنا هذا وفي البحوث الأخرى، ان هذا الشق (وهو كون الاقربية أو الاقوائية أو الاكثرية إحاطةً هي مجرد مقتضِيات للحجية أو لتعينها) هو المنصور وهو الصحيح الذي لا محيص عنه وإلا للزمت التوالي الخمسة الفاسدة الماضية التي لا يمكن ان يَلتزم ببعضها على الأقل أحدٌ ولوضوح ان العقلاء يرون تلك الثلاثة إحدى الملاكات لبنائهم على الحجية التعيينية أو لبنائهم على أصل الحجية إذ يرون ان هناك ملاكات مزاحمة أخرى ينبغي ان نلاحظها – ويلاحظها كل مولى – عند إنشاء الحجية لأمر أو إمضائها ومنها مصلحة التسهيل ولأنهم يرون انه قد تكون موانع أخرى أو شروط مفقودة فلا تلازم لديهم بين الثلاثة وبين جعل الحجية أو الكشف عن جعل المولى لها.
الاستشهاد باشتراط الضميمة في الشاهِد دون المفتي
ومما يؤكد ذلك، إضافة إلى ما مضى في بحث الحكمة والعلة وغيرها، ان الشارع – وهو سيد العقلاء والموالي – اشترط في البينة على كثير من الموضوعات الشاهدين العدلين ولم يشترط في البينة على الأحكام اجتماع فتويين مع ان الأحكام أهم وأعم من الموضوعات فان الحجة على الموضوع المعين أمر خاص به أما الحجة على الحكم فهو كلي له الملايين من الصغريات([2]).
وبعبارة أخرى: لم يشترط الشارع في المفتي انضمام رأي مفتٍ آخر إليه واشترط في الشاهد – في الكثير من الموضوعات – انضمام شاهد آخر إليه أو انضمام شاهد أو امرأتين([3]) أو انضمامها إلى الشاهد الثاني واليمين([4]) – وذلك بكلا طرفيه دليل على المدعى من ان الاقربية مقتضية وليست علة وانه في عالم الإثبات قد لا تجعل الحجة على طبقها:
اما من جهة البينة فلاشتراط التعدد – في الكثير من الموضوعات([5]) – مع ان الشاهد الواحد الأعدل الأضبط أقرب للإصابة من الشاهدين العادلين الضابطين بالنحو المتعارف، ويكفي كون ذلك كذلك في الجملة.
واما من جهة المفتي فلأن الاقربية لو كانت علة لوجب اشتراط ضم رأي مفت آخر إليه في حجية رأيه إذ لا ريب في ان قول الاثنين – في الحدسيات كالحسيات – أقوى في إيراث الظن من قول الواحد وانه أقرب للإصابة وان مجموعهما أكثر إحاطة ولو في الجملة، إضافة إلى الأولوية من البينة إذ إذا لزم في الشاهد على الموضوع الجزئي التعدد لزم في الدليل على الحكم الكلي التعدد بشكل أولى.
والحاصل: انه من ذلك وغيره – وغيره كثير – يكتشف ان الاقربية هي حكمة وليست علة لأصل الحجية ولا لتعينها.
القول بالاقتضاء ينتج عدم تعيّن تقليد الأعلم
ثانياً: انه لو قيل بان الثلاثة مقتضية فراراً من محذور الوقوع في التوالي الخمسة الفاسدة ولغير ذلك (مما يتفرع عليه الاكتفاء باستفراغ الفقيه وسعه بالقدر المعهود أو حتى حد الاطمئنان دون اشتراط بلوغه حد العجز العقلي كما سبق بيانه) للزم القول بعدم تعين تقليد الأعلم أيضاً إن كانت هي المستند أي عدم دلالة الثلاثة على تعينه بالفعل.
والحاصل ان الالتزام بالاقتضاء كما يثمر عدم تعين نصب الأعلم للقضاء وعدم تعين نصب الأعلم للقيمومة و... كذلك يثمر عدم تعينه للتقليد.
الاستشهاد بكلام الجواهر أيضاً
ولذلك كله قال في الجواهر (بل لعل أصل تأهل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل، من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها، خصوصا بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب الجميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم وإلا لوجب القول: أنظروا إلى الأفضل منكم " لا " رجل منكم([6]) " كما هو واضح بأدنى تأمل، وخصوصا بعد إطلاق ما حكوه من الاجماع على قاضي التحكيم، بل لعل التأمل في نحو المقبولة([7])من النصوص يقضي بجواز المرافعة إلى المفضول قبل تحقق الخلاف فيه.
ومن ذلك يعلم أن نصوص الترجيح أجنبية عما نحن فيه من المرافعة ابتداء أو التقليد كذلك مع العلم بالخلاف وعدمه)([8]).
وقال: (ضرورة عدم إجماع نافع في أمثال هذه المسائل، بل لعله بالعكس، فإن الأئمة (عليهم السلام) مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرجوع إلى أصحابهم من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم([9])، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يولي القضاء بعض أصحابه مع حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو أقضاهم، قال في الدروس: " لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم إليه فله رد الحكم إلى غيره إجماعا ".
على أنه لم نتحقق الاجماع عن المحقق الثاني، وإجماع المرتضى مبني على مسألة تقليد المفضول الإمامةَ العظمى مع وجود الأفضل، وهو غير ما نحن فيه، ضرورة ابتنائها على قبح ترجيح المرجوح على الراجح، فلا نصب من الله تعالى شأنه لها مع وجود الأفضل، ولا مدخلية لهذه المسألة فيما نحن فيه قطعا، وظني والله أعلم اشتباه كثير من الناس في هذه المسألة بذلك)([10]) أقول: وسيأتي بحث ما نسب للسيد مرتضى ووجهه.
وقال: (نعم، لو فرض أن المتخاصمين قد حكّموا رجلين فصاعدا في أمرهم فاختلف الحكم الصادر منهم في ذلك رُجّح بالمرجحات المذكورة، ودعوى اقتضاء ذلك الترجيحَ في أصل المرافعة وفي التقليد ابتداء مع العلم بالخلاف أو مطلقا ممنوعة كل المنع، والله العالم)([11]) وقد ظهر وجه ذلك مما سبق في مجموعة البحوث الماضية.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الاحد 23 جمادي الاولى 1436 هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |