519- الجواب بوجوه عن شبهتين : 1ـ عدم وجوب الفحص في الحجج 2ـ كفاية الفحص العرفي حتى بناء على الوجوب
الاثنين 24 جمادي الاولى 1436 هـــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(43)
دعوى عدم وجوب الفحص عن المانع والمزاحم لدى وجود مقتضِي الحجية
لا يقال: انه لا يجب الفحص عن المانع والمزاحم والمعارض، بل حيث كان المقتضي للحجية في قول الأعلم تام الاقتضاء كفى ذلك في تعيّن الأخذ به وكونه حجة تعيينية.
الجواب: عدم الفحص لا يثمر الحجية
إذ يقال: أولاً: ان عدم وجوب الفحص على فرضه تشريعاً وعدمه([1]) تكويناً، لا ينتج الحجية، إذ بعد الفراغ عن استحالة تحقق المعلول بدون تحقق علته التامة فإن وجود المقتضِي بنفسه وبوحده لا يعقل استلزامه لوجود المقتضى ولا يدل عليه إلا بعد إحراز أمور ستة: وجود الشروط([2]) وعدم شرطية ما احتملت شرطيته وإحراز انتفاء الموانع وعدم مانعية الموجود المحتمل مانعيته وإحراز عدم وجود المزاحم وعدم مزاحمية الموجود، فلا بد من إحرازها جميعاً ولو بالأصل – على فرض عدم إنتاجه العكس وعلى فرض كفايته([3]) – ولا يكون ذلك كله إلا بالفحص (ولو عن الأصول الجارية في المقام على فرض كفايتها، وليس، إضافة إلى ان جريان بعض الأصول بنفسه مستلزم لعدم الحجية)([4])
والحاصل: انه لو فرض عدم وجوب الفحص فانه لا يفيد الحجية التعيينية لقول الأعلم بل غاية ما يفيده حجيته من غير لزوم الفحص عن تلك الستة.
مواطن دعوى لزوم الفحص وعدمه
ثانياً: ان ما ادعي من عدم لزوم الفحص إنما هو في الموضوعات على المشهور غير المنصور دون الأحكام كما هو المصرح به ودون الحجج كما هو مورد البحث، على ان عدم لزومه في الموضوعات محل تأمل أيضاً مبنىً.
توضيح ذلك: ان للزوم الفحص وعدمه مواطن ثلاثة.
الفحص في موضوعات الأحكام
الموطن الأول: الفحص في الموضوعات، والمشهور عدم وجوبه إلا ما استثني كالاستطاعة فلو شك فيها لزم الفحص وعدم الإتكال على أصالة عدمها، وكتعلق الخمس بذمته على رأي جمع وما أشبه، والمنصور وجوبه مطلقاً عدا ما استثني كالطهارة والنجاسة لوجوه عديدة نشير هنا إلى احدها وهو برهان لزوم التحفظ على أغراض المولى الملزمة، فان أغراضه كما تضيع بعدم الفحص عن الأحكام وإهمالها بترك الفحص كذلك تفوّت بعدم الفحص عن الموضوعات فان الموضوعات هي الحامل للمفسدة والمصلحة الملزمتين وهي الموضوع للأحكام، والوصول لأغراض المولى الملزمة لا يمكن إلا بإحراز الموضوع والحكم معاً فلو أخل باحدهما لما تحققت أغراضه الملزمة. والرد والأخذ في ذلك يترك لمحله من الأصول.
الفحص عن الأحكام
الموطن الثاني: الفحص عن الأحكام، ومن الواضح لزومه لبرهان الغرض السابق وغيره كمسلك حق الطاعة وغيره كقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وغيره.
الفحص عن الحجج على الأحكام
الموطن الثالث: الفحص عن الحجج أي عن حجية الحجة أي حجية ما احتملت حجيته، وعن كون هذا مصداق الحجة، والظاهر عدم مجال للنقاش في لزوم الفحص عنها فانها الحجج على الأحكام وكيف يجب الفحص عن الأحكام ولا طريق للوصول إليها إلا الحجج ثم لا يجب الفحص عن وجود الحجة أو عن حجيتها؟
وبعبارة أخرى: الحجج هي من الأحكام إلا انها أحكام أصولية وتلك أحكام فقهية فإذا وجب الفحص عن الحكم الفقهي الفرعي فكيف لا يجب الفحص عن الحكم الأصولي المفتاحي؟
وقولنا (الحجج من الأحكام) تام سواء أقلنا بان الحجية تعني لزوم الإتباع فانه حكم لكنه حكم أصولي مفتاحي، أم قلنا الحجية تعني الكاشفية فانها حكم أيضاً إذ المراد بها متممّية الكشف (لفرض انها لا تفيد العلم لتستغني عن متممية الكشف) وتتميم الكشف حكمٌ إذ يراد به جعلُ ناقصِ الكشفِ بمنزلة التام الكشف، واما المنجزية والمعذرية فهي متفرعة عن احدهما.
ولا فرق في ذلك بين القول بجعل الحجية أو إمضائها فان الإمضاء نوع جعل سلمنا لكنه إمضاءٌ لجعلٍ فيعود الكلام له كذلك([5]) فتدبر.
وعليه: فإذا أحرز وجود المقتضي للحجية في أمر فلا بد من الفحص عن خمسة من الأمور الستة السابقة([6]) فان احرزت ثبتت الحجية ولزم الإتباع وإلا فليست بحجة وحرم الاستناد إليها في إثبات الحكم الشرعي فتكون كالاستناد للأحلام أو الاستحسان في إثباته.
دعوى كفاية الفحص العرفي ومناقشتها
لا يقال: سلمنا لزوم الفحص، لكن يكفي الفحص العرفي؟
إذ يقال: الإذعان بكفاية الفحص العرفي يكشف بالبرهان الأنيّ عن الالتزام بكون الاقربية والاقوائية والاحاطة مقتضِيات لا عللاً وإلا للزم القول بوجوب الفحص الدقي العقلي كما سبق بيانه، وإذا كانت مقتضيات ثبت المدعى أيضاً من عدم إضرار كون رأي الأعلم هو الأقرب بكون رأي المفضول الجامع للشرائط حجة.
هذا. إضافة إلى ان كفاية الفحص العرفي إنما يمكن الالتزام به في الحجج اللفظية([7]) فيقال بانصراف لزوم البحث والفحص إلى القدر المتعارف، دون الحجج العقلية لأنها أدلة لبيّة يقتصر فيها على القدر المتيقن([8])، بل سبق انه على العلية فليس ههنا مجال حتى لعنوان القدر المتيقن بل الأمر دائر بين معلومين: إذ من المعلوم لزوم الفحص الدقي ومن المعلوم عدم كفاية الأقل منه وإن كان متعارفاً فتأمل. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الاثنين 24 جمادي الاولى 1436 هـــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |