254- الجواب عن دعوى الشهيدي تخصيص ذكر الله بالطاعات ـ الجواب عن دعوى الايرواني تخصيص ( الصد ) بالصد الاحتجابي ـ الظاهر : ارادة الصد الفعلي وقرائنه ودفع ما يرد عليه فالقيد توضيحي لا احترازي
الثلاثاء 5 ذو الحجة 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(16)
سبق استدلال الشيخ برواية الاعمش التي جاء فيها (الملاهي التي تصد عن ذكر الله) على حرمة مطلق اللهو، وسبق ان الايرواني فسّر الصد بـ(حصول حالة الاحتجاب للنفس من اثر تلك الملاهي) وان الشهيدي فسر ذكر الله بـ(خصوص طاعته بترك نواهيه وايتان اوامره لا مطلق ذكره تعالى لساناً وقلبا كي يشكل بالمكروه والمباح)
الاشكال على تفسير الشهيدي لذكر الله والايرواني للصد بانه تفسير بالاخص
ولكن يرد عليهما ان كلا التفسيرين تفسير بالاخص من غير قرينة مخصِّصه بل القرائن تؤكد الاعم الذي هو مقتضى الوضع والاطلاق.
معنى الصدّ لغة وعرفاً والادلة
اما (الصد) فلأنه لغة وعرفاً هو المنع والصرف، لا خصوص المنع الاحتجابي اي المنع الموجِد لحالة الاحتجاب في النفس، ويدل على ذلك قوله تعالى ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ فانه يراد به مطلق الذين يمنعون عن سبيل الله وليس خصوص من يمنع موجداً حالة الاحتجاب في نفوس الممنوعين، وليس الاستدلال بهذه الاية وغيرها بالاستعمال بل بالتبادر وعدم صحة السلب عن المنع غير الموجب للاحتجاب فانه لا يصح سلب الصد والصاد عن الكافر الذي يمنع عن سبيل الله بالقوة وان لم يكن تدبيره بحيث يوجد للناس حالة الاحتجاب عن سبيل الله[1].
نعم ورد في اللغة تفسير الصد بالهجران والاعراض لكن الظاهر انه تفسير بالاخص وان الاعم الذي ذكروه اولاً (وهو المنع) هو الموضوع له وذكر الهجران من باب اجلى المصاديق او احدها
ودليلنا: تبادر الاعم وصحة الحمل وعدم صحة السلب والاطراد. فتدبر
ويشهد له اطلاق الفقهاء (المصدود) على الممنوع بالقوة عن الحج فانه اعم من ايجاد صدهم لاحتجابه النفسي ويؤكده قوله تعالى:﴿...أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...﴾ اذ لا شك انهم لم يوجدوا للمسلمين حالة الاحتجاب النفسي عن المسجد الحرام، وعلى اي فان الاطراد وعدم صحة السلب وصحة الحمل بلا عناية ادلة على المدعى.
معنى (ذكر الله) لغة وعرفاً ودفع النقض على الشيخ بالمباح
واما (ذكر الله) فلا شك انه اعم من الواجبات والمستحبات كالانشغال بالاذكار المعروفة من تسبيح وتهليل وتحميد وتكبير، ولا مخصص له بخصوص الطاعة الواجبة واتيان اوامره جل وعلا اذ النقض بالمكروه والمباح غير وارد فانه انما يرد لو قيل بان تمام علة الحرمة[2] هو ترك ذكر الله فينقض بان المباح والمكروه ايضا يستلزم اعادة ترك ذكر الله، لكن علة الحرمة هي مجمع العنوانين اي كونه لهوا صاداً عن ذكر الله وهو ما ورد في الرواية (الملاهي التي تصد عن ذكر) فانها المحرمة لا خصوص الوصف لو انفرد عن الصفة فلا يتم النقض على الشيخ بذلك.
ويؤكد ما ذكرناه ان المفسرين كالطوسي في مجمع التبيان وعدد اخر منهم[3] فسروا (ذكر الله) في الاية الشريفة بالاعم ففي قوله تعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾؟ قال الشيخ الطوسي (اي يمنعكم من ذكر الله والتعظيم له والشكر له على آلائه)
ويؤكده انه ليس مطلق البغضاء محرماً ولا مطلق العداوة ما لم يظهر بالمحرم اللهم الا للانبياء والاوصياء فان مطلقهما محرم.
ظهور (يصدّكم عن ذكر الله) في كونه تعليلاً بالطبيعي المستكره عقلاً وعرفاً
ومما يؤكد ارادة (الصد عن ذكر الله) الاعم في الاية والرواية ان الظاهر المتفاهم عرفاً هو ان هذا الوصف قد جيء به كتعليلٍ بالطبيعيِّ[4] المستكره عقلاً وعرفاً فكأنه دفع دخل مقدر او كانه اشارة لعلة ارتكازية يقنع بها المخاطب فاذ حرمت الخمرة والميسر قيل لان كلاً منهما يصد عن ذكر الله، وذكر الله محبوب حسن فالصد عنه مكروه قبيح مع قطع النظر عن كونه حراماً او مكروها، وكذلك الملاهي فكأن (التي تصد عن ذكر الله) سيقت للالفات الى امرٍ ارتكازي مستقبح بطبعه وهو الصد عن ذكر الله ولا نظر فيها الى خصوصياته وفصوله من كونه واجباً قد صد عنه او محرماً.
ونظير ذلك في العرف كثير بل انه من فنون البلاغة اذ قد يقول الوالد لولده لا تنشغل باللعب او مشاهدة التلفاز فانه يصدك عن خدمة الوالدين، فانه لا يقصد بذلك خصوص الخدمة الواجبة بل مطلق الخدمة الاعم من الواجبة والمندوبة، وذلك لاحالة الامر على حكمة ارتكازية يقبلها كل ذي لُبٍّ.
وما سبق كله قرينة عرفية واضحة على ان القيد توضيحي لا احترازي فتدبر جيداً.
او يقال: ان نظير ذلك ان يقول المولى: لا تصحب الفاسق فانه يجرك الى النار او لا تصحب الفاسق الذي يجرك الى النار فانه لا يراد به الاحتراز كي يتوهم عدم الردع عن مصاحبة الفاسق الذي لا يجر الى النار، بل يراد به الالفات الى امرٍ ارتكازي غالبي من باب ضرب القانون.فتأمل[5]
الملخص: تمامية كلام الشيخ
والحاصل:ان الظاهر ان ما استظهره الشيخ من ارادة الصد الفعلي عن ذكر الله مطلقاً لظهور الصد في فعلية الصد لا احتجابيته[6] وظهور ذكر الله في الاعم، وكون مجموع كونه لهواً صاداً عن ذكر الله هو سبب التحريم لا خصوص الصد لينقض بالمباحات.
توجيه آخر: ارادة الشأنية من (الصدّ)
نعم يمكن ان يصار الى وجه اخر وهو ان يراد (الشأنية) أي (الملاهي التي من شانها ان تصد عن ذكر الله) فتفيد حرمتها مطلقاً لكن من غير الطريق الذي سلكه الشيخ ومن غير التخصيص الذي صار الى كل منهما احد العلمين[7] وعلى هذا فالصد عن ذكر الله علة، ولا ضرورة للالتزام بكونها حكمة اما على ارادة الفعلية فلا مناص من الالتزام بكونها حكمة.
نعم تفسير الصد بالشأنية خلاف ظاهر عناوين الالفاظ ولا يصار اليه الا عند تعذر المعنى الحقيقي.
وستأتي بعض المؤيدات الاخرى لكلام الشيخ مع بعض المناقشات باذن الله تعالى
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
-[1] بان يقوم بما يسمى اليوم بـ(غسيل المخ) وبان يسمم افكارهم او يلهي نفوسهم بملاهي واغراءات تحتجب بها عن سبيل الله.
-[2] اي حرمة اللهو.
-[3] كالطبرسي في مجمع البيان.
-[4] اي بالكلي الطبيعي.
[5]- اذ هذا جواب اخر لايجتمع مع الجواب الاول اذ انه مبني على ارادة الاخص من (ذكر الله) او من (الصد) ثم يصار الى تعميمه بهذا الوجه .فتدبر ولعله ياتي مزيد بيان ونقاش.
-[6] اي الصد الموجد للاحتجاب فالمراد حاجبيته.
[7]- الشهيدي والايرواني.
الثلاثاء 5 ذو الحجة 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |