56- هل الدين مشترك معنوي ؟ -الثمرة بناء على الحقيقة و المجاز ؟ -تحقيق هل توجد (اصول لفظية علميه) اضافة (للاصول اللفظية الاجتهادية )؟
الثلاثاء 14 ربيع الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لا زال البحث حول رواية (من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم ), وتوقفنا عند كلمة دين ومعانيها المتعددة والاحتمالات في الوضع فيها و وصلنا الى اننا لو قلنا بوضعها للجامع بين كل تلك المعاني السابقة ( وهو الخضوع ) فستكون النتيجة عندئذ واسعة كما اوضحناه ,ومبحثنا الان هو في تحقيق حال صغرى كلمة (دين)،وانها موضوعة للجامع اولا ؟ فلو وضعت لمعنى الخضوع ففي أي صنف او عنوان من العادة او القضاء او غيره تحقق الخضوع، فان هناك الزاماً للاخر باحكامهم ,ونتيجته انه سيكون لقاعدتنا تطبيق مصداقي وسيع,ولكن السؤال هل كلمة (الدين) وضعت ام لم توضع للخضوع باعتباره جامعاً بين كل المعاني؟والظاهر وبالرجوع الى الامارات المعهودة في تمييز الحقيقة من المجاز انها ليست بموضوعة له.
بيانه :علامات الحقيقة هي اربع: التبادر،وصحة الحمل اوعدم صحة السلب، والاطراد ،وتنصيص اهل اللغة, اما التبادر فلاشك ان معنى الخضوع لا يتبادر الى الذهن عند عامة الناس عندما تلقى كلمة الدين اليهم ،بل ان التوصل لوجود (الخضوع ) في كافة المعاني، لا يكون إلا بعد التعمل والتنقيب والبحث، والعرف لايرى بعد كل هذا ان الدين يساوي الخضوع ولا يقول العرف ( الخضوع هو الدين) وانما المتبادر منه – اي الدين - منها هي الشريعة , ومثل ابن فارس وصل لجامعه بعد جهد جهيد وهذا لايتوافق مع نظر العرف وظهور الالفاظ عندهم , نعم المعنى الجامع الذي اكتشفه ابن فارس لعله كان داعياً للوضع لكل تلك المعاني لا الموضوع له كما اوضحناه ,والنتيجة: انه لا تبادر، وآية ذلك اننا وقبل دخول البحث حول جامع المعاني المختلفة لم يكن ليتبادر الى ذهن الحضور تفسير الدين بالخضوع (1), بل المتبادر هو تفسيره بالشريعة او مجموعة القوانين الالهية هذا من حيث التبادر اولا , وثانيا من حيث صحة الحمل وصحة السلب , فان صحة الحمل علامة الحقيقة وصحة السلب علامة المجاز ,والظاهر ان صحة السلب موجودة لذلك الجامع،اذ انه يصح القول: الخضوع ليس دينا،كما نقول: (الرجل الشجاع ليس بأسد) بل لعل نفي هذا الاخير مؤونته اكثر من نفي سلب الدين عن الخضوع ,والحاصل: اننا نجد وجدانا ان المنسبق من حاق كلمة (دين) هو معنى الشريعة دون الخضوع، والامر لو عاد الى التبادر والوجدان فلا مجال للبرهان بل سيكون كل مايذكر مجرد منبهات لا غير.
والان نعود الى ثمرة الخلاف في (وضع) كلمة الدين فنقول: اما الاحتمال الثالث: وهو القول بالحقيقة والمجاز، وان كلمة (دين) موضوعة حقيقة لمعنى الشريعة وفي الباقي مجاز،فان النتيجة ستكون ضيقة حيث سيكون معنى روايتنا ( من دان بشريعة قوم ...) لاغيره من المعاني ، وذلك لاصالة الحقيقة المعينة للمراد.
ولكن هناك سؤال مهم : وهو هل يمكن ارادة المعنى الحقيقي مع المعاني المجازية الاخرى؟ ليصير معنى (من دان بدين قو م) هو: من دان بشريعة قوم -وهو الموضوع له - ومن كان يدين بعادة قوم اوغيرها -وهو المجاز- فيكون المعنى المراد اعم من الموضوع له ؟ نقول: ان ذلك ممكن من الناحية العقلائية فلو قال المولى لعبده تهيّب الاسد او قال احتط منه) فما المانع من ان يكون المراد من ذلك الرجل الشجاع والحيوان المفترس معاً، خاصة في المبتلى بأعداء شجعان واسود ضواري في منطقته في الصحراء ,ولذلك لعل الامام عليه السلام قد قصد كلا المعنيين ؟ ذكرنا في جواب سابق على هكذا استعمال انه قد يقال انه مستحيل من جهة استعمال اللفظ في اكثر من معنى(2) على ما تبناه البعض، وهنا اشكال اخر نطبقه على موضوع بحثنا وهي كلمة (دين) وهو: انا لو قلنا ان الامام عليه السلام قد اراد من كلمة (دين ) كلا معنييها الحقيقي والمجازي للزم من ذلك التناقض(3) ؛لان الاستعمال في المجاز متوقف على وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي، وفيه على عدمها فلو اراد عليه السلام المعنين لكان عليه ان يقيم ولا يقيم تلك القرينة وهذه استحالة , فما حل هذا الاشكال ؟
وجوابه : اننا بالوجدان لا نرى اي تناقض من ارادة كلا المعنين كما ذكرنا ذلك في مثالنا السابق للحيوان المفترس والرجل الشجاع, بل ادل دليل على امكان الشيء وقوعه، ولكن الجواب الفني الصناعي هو: ان القرينة الصارفة انما يلجأ اليها عندما يكون هناك تقابل بين المعنى الحقيقي والمجازي أي عندما يراد من احدهما طرد الاخر(4) , لكن لو لم يكن هناك تقابل بينهما بأن اخذ المعنى المجازي بنحو اللا بشرط او بنحو البشرط شيء, عندها لا نكون بحاجة لقرينة صارفة بل نحتاج الى ما نعبر عنه بالقرينة الجامعة في المقام، أي تلك الدالة على الجمع بين المعنين ,وفي مثالنا ذلك الشخص المبتلى بالاسود الضواري والرجال الشجعان فان قرينة المقام تقتضي ارادة كلا المعنين , او لو وجدت قرينة لفظية عامة , فلو ان المولى قال كلما استخدمت لفظا ذا معنين حقيقي ومجازي فاني قاصد لهما معا , وبعد ذلك قال تهيب الاسد او جئني بعين فمع القرينة المسبقة لابد من الامتثال بالاتيان بجميع المعاني الممكنة حقيقية كانت او مجازية . والحاصل : ان القرينة الصارفة نحتاج اليها لو لوحظ المعنى المجازي بشرط لا عن الحقيقي , اما لو لوحظ بنحو ( لا بشرط او بشرط شئ ) فالاحتياج للقرينة الجامعة لا الصارفة ولا استحالة في المقام هذا ثبوتا, ولكن الاشكال يبقى من جهة الظهور وعالم الاثبات، فان ظاهر حال الامام عليه السلام وكل متكلم عند اطلاق الكلمات ذات المعاني الحقيقية والمجازية؛ ان مراده حقيقيّها دون مجازيّها، ولايصار الى المجاز إلا بقرينة صارفة ,وانه وان امكن ارادة المعنين ثبوتا لكن ذلك لا يساوق الظهور العرفي اثباتا . والحاصل ان المعنى الثالث ممكن لكنه غير ظاهر .
بحث آخر : وفي ختام بحثنا ننتقل الى بحث آخر نشير له اشارة ونترك تحقيقه لمحله , وهو بحث يحتاج الى تأمل وتتبع لانه في تصورنا هو جديد من حيث طرحه ولو اثبتناه لكان بحثا مفتاحيا لكثير من الموارد , وهو يرتبط بالمقدمة الرابعة التي اشرنا إليها في سابق كلامنا ولتوضيح الكلام نقول :
كان بحثنا سابقا في تحليل كلمة ( دين )والمراد منها وبينا خمس مقدمات ففي الاولى كنا نلجأ الى التبادر فان عجزنا لجأنا للعلامات الثلاثة الاخرى، وإلا انتقلنا الى سائر الامارات المدعاة كالظهور التعليقي وغيره , وإلا انتقلنا الى الاصول العملية اللفظية وإلا في آخر المطاف انتقلنا الى الاصول العملية الشرعية , كل ذلك قد بيناه إلا المقدمة الرابعة وهي المصير الى الاصول العملية اللفظية وهو بحث عملي مهم ونشير له اشارة حيث اننا لو قبلنا بنتيجة هذا البحث فسينفتح لنا باب وسيع للتعامل مع ظواهر الايات والروايات عند فقدان الامارات اللفظية (او اللغوية) وتوضيحه :
المدعى انه توجد في عالم الالفاظ والمفاهيم نوعان من الاصول :
1) الاصول اللفظية الاجتهادية مثل التبادر والاطراد وغيرها.
2) الاصول اللفظية العملية ونعبر عنها باصول الفهم , فماهو الفرق بينها ؟
اما الاولى فهي التي يحرز بها الوضع اوالمراد , مثل :اصالة الحقيقة المحرز بها المراد, واما الاصول اللفظية العملية فلا احراز للمراد فيها بل يلجأ اليها عند انسداد الباب الاول، ونظير ذلك ما نقوله في علم الاصول في الامارات والحجج , فالحجج يحرز بها الحكم الشرعي ،والامارات تحرز بها الموضوعات ، وفي كل منها يوجد احراز , واما الاصول العملية فلا احرازللحكم فيها وانما لسانها لسان تحديد الوظيفة العملية للذي لم يحرز الواقع الخارجي – اي الحكم الشرعي -, ونحن ندعي انه في عالم الالفاظ والمفاهيم هناك اصول محرزة للوضع او المراد واصول ثانوية , وبمرتبة متأخرة عن الاولى يلجأ اليها عند الشك في الوضع او المراد, وقد يقال: ان اصالة عدم الاشتراك هي اصل عملي لغوي لا غير ولا يحرز بها الوضع، وبعبارة اخرى يتضمن الدليل نقول: بان الاصول منها ما يعتمد عليه العقلاء من باب كاشفيته عن الواقع، ومنها ما يعتمد عليه من باب لابديته، - وذلك نظير التعبد الشرعي وليس منه – اي: لمصلحة التسهيل ومصلحة حفظ النظام مثلاً،وهما لا ربط له بالكشف عن عالم الواقع . وفي مثل اصالة ثبات اللغة او الاستصحاب القهقري في اللغة كلا الاحتمالين جار، فان العقلاء ان تبادر هذا المعنى من هذا اللفظ كاشف عن تبادر نفس المعنى من نفس اللفظ في الازمنة السابقة , وهذا احتمال، والاخر ان العقلاء لا يرون ذلك وانما يبنون على ثبات اللغة لكي لا تختل حياتهم ،وهو امر عقلائي، ومثل ذلك يقال: في باب الاستصحاب فهل حجيته من باب الكشف ؟ فهذا احتمال، او هو كذلك من باب اللابدية أي ان العقلاء يلجأون اليه ولو في الجملة من باب تنظيم شوؤنهم وهذا احتمال اخر، وللبحث تتمة . وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ...
الهوامش ...............................................
1) ان لم نكن مسبوقين بمعرفة هذا البحث اللغوي .
2) على ان يكون كل من المعاني تمام المراد لا بعضه .
3) لان بين الحقيقي والمجازي تطاردا وتنافياً .
4) أي: اذا اخذ المجاز بنحو بشرط لا .
الثلاثاء 14 ربيع الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |