بقلم: السيد نبأ الحمامي
في زمن النيابة الخاصة، كان هناك أشخاص معينون بأسمائهم وأشخاصهم من قبل الإمام (عليه السلام) قاموا بوظيفة النيابة، وهم النواب المعروفون في زمن الغيبة الصغرى، وهم الأربعة، إضافة إلى مجموعة أخرى مذكورة أسماؤهم في مصادرنا.
أما في زمن الغيبة الكبرى ـ وهي فترة النيابة العامة، فقد حدد الإمام (عليه السلام) الفقهاء الجامعين للشرائط تحديداً عاماً للقيام بوظيفة النيابة عنه، وذلك عبر إعطائنا الضوابط الكلية، في مثل قول الإمام الصادق (عليه السلام): (فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوه)[1]، وكذا في قول الإمام المهدي (عليه السلام) في توقيعه (عليه السلام): (وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ)[2].
وحين نفترض أنه قد توفرت هذه الأمور في مجموعة من المجتهدين الجامعين للشرائط، وحينئذ فأدلة ولاية الفقيه ـ لو تـمّت ـ فإنها تشمل كل من كانت هذه صفته جامعاً للشرائط من الفقهاء، بوزان واحد.
وليس تسلّم السلطة، أو الغلبة والقوة، بمرجح عقلي ولا شرعي، فإمساك الفقيه بزمام الأمور لا يلغي ولاية سائر الفقهاء، فلا مناص من المصير إلى القول بشورى الفقهاء وعدم الاستبداد بالرأي في الأمور العامة، ويدل على ذلك قول الله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)[3]، وهي تشكّل الحل في التغلب على التزاحم أو الاختلاف في شؤون الحكم وذلك عبر (شورى الفقهاء).
وأما حدود ذلك، فإنه خاص بالشؤون العامة، والقضايا التي تعم الأُمة وترتبط بالدولة، كشؤون الحرب والسلم، أو تخفيض العملة أو رفعها، وأما الفتوى فإن مساحتها هي الأحوال الشخصية والقضايا الجزئية الشخصية؛ وأما حكم الحاكم الشرعي فإنه نافذ في الموضوعات الجزئية، وتكون الفعلية لحكم الحاكم الأسبق في الحكم، ما لم يعلم خطؤه أو خطأ مستنده،
نعم، قد يكون الانتخاب ـ لو أمكن وكان واقعياً ـ مرجِّحاً للاختيار في مقام التزاحم، وهو مترابط مع البحث عن كون ولاية الفقيه فعلية أو شأنية:
فإذا قلنا إن ولاية الفقيه فعلية، أي: غير مربوطة بانتخاب الناس واختيارهم، فإن كل الفقهاء الجامعين للشرائط تكون ولايتهم فعلية، ويكون إنفاذ ونفاذ ولايتهم عبر (شورى الفقهاء).
وإذا قلنا بأن ولاية الفقيه شأنية، بمعنى: أنه يشترط في نفوذ هذه الولاية وفعليتها اختيار الناس، فإذا اختار الناس هذا الفقيه كانت له الولاية الفعلية.
إضافةً إلى ذلك، فإن ولاية الفقيه محكومةٌ بقدرة الفقيه على إنفاذ أمره وبسط يده، فإن وظيفته الشرعية مقصورة على البلاد التي تأتمر بأمره وتقبل بحكمه، وقد فصّلنا الحديث عن ذلك كله في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية).
وقد ذكر السيد الوالد (قدس سره) من أدلة وشرعية الانتخاب في المقام، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالماً، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً، يجمع أمرهم، عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم..)[4].
فإن الموجود فيها كلمة (يختاروا)،
ولمزيد التوضيح يمكن مراجعة كتاب (حدود ولاية الفقيه في فكر الإمام الشيرازي)[5].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الاحتجاج: ج2 ص458.
[2] الاحتجاج: ج2 ص469.
[3] سورة الشورى: الآية 38.
[4] كتاب سليم بن قيس: ص752.
[5] راجع موقع مؤسسة التقى الثقافية: m-alshirazi.com.
ومؤسسة النبأ للثقافة والإعلام: https://annabaa.org