||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 462- فائدة فقهية: دليل السيرة على إفادة بيع الصبي الملك

 40- فائدة روائية: لعل تقطيع الروايات وتصنيفها سبب الاقتصار على بعض المرجحات، وذكر وجوه الحسن فيه

 95- (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي-8 مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني (الإنساني) في مقابل المؤسسات الدولية العابرة للقارات

 337- من فقه الحديث: وجوه لاعتبار روايات الكافي

 19- بحث اصولي: الفوارق الثمانية بين القاعدة الفقهية والمسالة الاصولية

 185- ( وأمضى لكل يوم عمله... ) حقيقة ( الزمن ) وتحديد الاولويات حسب العوائد

 فقه التعاون على البر والتقوى

 204- مناشئ الانحراف والضلالة : الغرور والاستعلاء والجهل الشامل

 383- فائدة أصولية: توقف الاجتهاد في المسائل الفرعية على الاجتهاد في مناشئ مقدماتها



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23696937

  • التاريخ : 28/03/2024 - 08:56

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 190- الموقف من الحكومات الجائرة المتاركة او المشاركة او المواجهة ؟ .

190- الموقف من الحكومات الجائرة المتاركة او المشاركة او المواجهة ؟
الأربعاء 7 ذو القعدة 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. 
 
الإمامة السياسية 
 
للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) 
 
يقول تعالى : 
 
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ([1]) 
 
هنالك في هذه الاية الشريفة مباحث كثيرة إلا ان رؤوسها عشرة، وسنشير بمناسبة مولد الامام الرضا ( عليه السلام ) في هذه الايام([2]) إلى بعض أهم عناوين تلك المباحث ومنها: مبحث الابتلاء، ومبحث في كلمة (إماما)، وسنتعرض لبقية المباحث مستقبلا ان شاء الله تعالى. 
 
الحِكَم الأربعة للابتلاء الإلهي 
 
ان الابتلاء على أنواع، وجميعها ممكنة واقعة بالنسبة إلينا، لكن أوّلها مستحيل في حق الله تعالى، وهي: 
 
الاختبار ليتضح له الحال 
 
1- ما يريد به المختَبِر استخبار حال الطرف الاخر حقيقة، أي ما كان الاختبار عن جهل وهو مستحيل في حق الله تعالى؛ لان علم الله تعالى ذاتي محيط. 
 
وبكلمة: ان يختبره ليتضح له (أي للفاعل المختبِر) الحال. 
 
الاختبار ليوضح له الحال 
 
2- ان يختبر ويمتحن الفاعل غيره ليوضح له (للغير) الحال، فيختبره ليتضح له انه ذو حافظة قوية ام لا؟ او هل هو ذكي ام غبي إذا كان الطالب يجهل مثلاً مدى قوة حافظته أو ذكائه أو شبه ذلك؟ او هل هو مدير من النمط المركزي او اللا مركزي ام لا؟ وانه هل ينفجر تحت الضغط وباية درجة او لا ينفجر؟ وهكذا. 
 
وبكلمة: ان يختبره ليوضح له الحال. 
 
الاختبار ليوضح للناس الحال 
 
3- ان يختبره ليوضح للناس الحال، فإذا كان المختَبِر يعلم أية جوهرة هذا، وكان المختَبَر والممتحن يعلم حال نفسه أيضا، لكن كان الناس يجهلون ذلك ولذلك كانوا – أو قد - يعترضون: لم جعله الله علينا إماماً؟! فيختبره ليظهر للناس نجاحه المبهر في الامتحان فيذعنون له. 
 
وهذه الصورة كسابقتها – الثانية - ممكنة في حق الله تعالى بل قد يستظهر انها وسابقتها قد تكون من الحِكم في الاختبار الالهي لإبراهيم ( عليه السلام ) وللأنبياء وللائمة على مر التاريخ، لكي يظهر للناس جميعاً انهم بالفعل جديرون بان يكونوا حجج الله تعالى على الخلق. 
 
الاختبار للاقتداء 
 
4- ان يختبره لكي يقتدي به غيره فيتعلموا منه ويتأسوا به في الشجاعة والتفاني والإقدام والإخلاص إذ ما راءٍ كمن سمعا، وهو ممكن في حق الله تعالى، ولعل من حِكَم ابتلاء إبراهيم هو ذلك. 
 
بمعنى ان الله تعالى عندما ابتلى ابراهيم ( عليه السلام ) كان ذلك لعدة حكم منها: ان يظهر فضله للناس وكفاءته وارجحيته عليهم ومنها: لكي يقتدوا ويتاسوا به. 
 
الاختبار للتكامل 
 
5- ان يختبره لكي يتكامل بنفس عملية الاختبار، وهذه الصورة قد تكون من الحكم التي تعلل بها الاية الشريفة ايضا. 
 
والظاهر ان هذه الحكمة موجودة في جميع ابتلاءات الصالحين والمؤمنين قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)([3]) 
 
كما ان الظاهر ان الانبياء (عليهم السلام) والأوصياء والكثير من الصالحين هم في سير صعودي مستمر، ومن الخطأ ما تصوره البعض من ان الانبياء وقفوا عند درجة معينة من التكامل هي الارقى والافضل، بل الظاهر ان الانبياء والأوصياء هم في طور تكامل وازدياد حتى في لحظة وفاتهم او شهادتهم([4])، بل نستظهر انهم حتى بعد وفاتهم يعيشون حالة التكامل (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)([5])، 
 
والظاهر ان النوع الخامس هو من حكم ابتلاء إبراهيم بالكلمات ولعل ما يؤيد ذلك قرينتان: 
 
الاولى: كلمة (ربه) في قوله (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّه) دون إلهه أو معبوده أو الله مثلا، فان الرب تعني المربي فانتخاب هذا اللفظ من الفاظ الجلالة قد يكون قرينة على ما ندعي من كونه عليه السلام كان في طور التربية والتكامل وان الله تعالى بما انه مربي ابتلى عبده ابراهيم ( عليه السلام ) ليتكامل فان التربية تلازم التكامل ورفع الدرجات. 
 
الثانية: الجزاء المترتب على عملية الابتلاء وهو (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) فان الظاهر ان هذا الجزاء هو الجزاء الثبوتي([6]) وليس مجرد الجزاء الاثباتي الذي هو خلاف الظاهر. فتأمل 
 
مباحث في كلمة (إماماً) 
 
في مبحث الامامة هناك مباحث كثيرة ولكن سوف نشير الى بعضها ههنا: 
 
الإمامة العامة الشاملة لكافة الشؤون 
 
1- ليس المراد من الإمامة الامامة في شؤون الشريعة فقط او في شؤون العقيدة فحسب، بل يراد الامامة بقول مطلق أي الامامة السياسية والامامة الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية وشبهها اضافة الى الامور العقدية والفقهية، إلا ان بحث ذلك وادلته اضافة إلى الاستدلال باطلاق الاية ومناسبات الحكم والموضوع موكول الى علم الكلام. 
 
الإمامة من الصفات ذات الإضافة 
 
2- ان الامامة من الصفات ذات الاضافة إذ (ان المضاف نسبة تكرّرُ، منه الحقيقيُّ وما يشتهرُ) فالاضافة هي النسبة المتكررة من الطرفين، فقد تكون متوافقة الطرفين كالاخوة مثلا، بمعنى ان زيد لما كان أخا عَمرو فان عَمرواً ايضا هو اخو زيد، وقد تكون الاضافة متخالفة الطرفين كالفوقية ولذا كان قولنا (هذا فوق) يستبطن ان الطرف الاخر تحت ضمنا. 
 
وقوله تعالى (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) يستبطن ان الناس كلهم مأمومون له، ولا شك ان الامامة لهذا الطرف لا يمكن ان تجعل بدون جعل مامومية الطرف الآخر (وهو الناس جميعاً في الآية)، فجعل هذا هو عين جعل ذاك على احتمالٍ، او هو مستلزم لذاك على احتمالٍ اخر. 
 
دلالة الآية على العصمة 
 
3- ان هذه الاية الشريفة بنفسها دليل على عصمة إبراهيم ( عليه السلام ) وعلى عصمة كل امام نُصب من قبل الله سبحانه وتعالى على الخلائق؛ وذلك لمكان الاطلاق في الآية الشريفة (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي في كل الجهات، فانه لا يعقل ان يجعل غير المعصوم بقول مطلق اماما على الناس بقول مطلق، والا لأستلزم ان يجعل الله تعالى ما اخطأ فيه هذا الامام موردا يقتدى به مع انه في ذلك المورد ليس بامام يقينا أي لم يجعل له الله الإمامة فيه لمكان الخطأ أو المعصية. 
 
نعم في غير القادر يمكن ان يتصور ذلك فانه لا يمكن لبشري ان يجعل أو ينتخب للناس اماما معصوما من كل الجهات ولذلك فانه يضطر الى اللجوء إلى قانون الاهم والمهم مثلا، اما القادر على ان يخلق اماما معصوما من كل الجهات على ان يجعله اماما لكل الجهات فانه يقبح منه عقلا ان يجعل غير الامام المعصوم بقول مطلق اماما بقول مطلق، وتفصيل ذلك في علم الكلام ايضا. 
 
لماذا يلزم بحث قضية الإمامة السياسية للمعصومين (عليهم السلام)؟ 
 
وبمناسبة مولد الامام الرضا عليه صلوات الله وسلامه نتعرض لموضوع من أهم المواضيع وهو: موضوع الامامة السياسية للأئمة الأطهار عليه صلوات الله وسلامه، والذي دعانا الى ذلك امران: 
 
1- ان وضع أتباع اهل البيت ع في العالم في هذا الزمن يختلف عن وضعهم في السابق؛ لان الوضع العالمي اليوم متحرك بشدة، والاجواء العالمية اذا كانت راكدة فان المؤسسة الدينية ورجالاتها لا تنتزعهم الضغوط الخارجية والطوارئ والاحداث الى غير مهمتهم الاساسية وهي طلب العلم ونيله وبذله لأهله وتزكية النفوس وتربية الأجيال، خصوصا وان السياسة في الوقت الحاضر اقبلت على رجال الدين والمتدينين بشكل ملفت، فما هو الموقف من السياسة ومن الحكام ومن مختلف التقلبات السياسية؟ وكيف يمكن للمؤمنين ان يخوضوا هذا المعترك الشائك، والذي غرق فيه خلق كثير على مر العصور الغابرة؟ 
 
2- ان المعصومين عليهم الصلاة والسلام هم (ساسة العباد وأركان البلاد) فعلينا إذن ان نذهب الى اهل البيت (عليهم السلام) ونستفتيهم او ندرس سياستهم ومواقفهم السياسية بان نذهب الى مدرسة الامام الرضا واباءه واجداده وابناءه الكرام (عليهم السلام)، فهم أئمتنا في كل الحقول ومنها المجال السياسي خصوصا في الوقت الحاضر، فما هو موقفنا اتجاه الحكومات والحكام الجائرين؟ 
 
هل الموقف من الحكومات المتاركة أم المشاركة أم المواجهة؟ 
 
ان رؤوس العناوين في كيفية التعامل مع الحكام الجائرين والطواغيت هي ثلاثة: 
 
1- المتاركة: والاهمال بمعنى ان نتركهم ويتركوننا، ونبقى احلاس البيوت وعلى ذلك سار جمع من علماءنا الكرام كالسيد اليزدي صاحب العروة في فترة من حياته حيث التزم بعدم التدخل بالسياسة مطلقا وقد كان تدخل فترةً معينة ثم انسحب بشكل مطلق، كما ان السيد أحمد الخونساري من علماءنا كان من هذا القبيل ايضا كما يبدو. ولعل عدم تيسّر تشخيص الاهم والمهم في السياسة وعدم الإحاطة بدهاليزها وما وراءها هو السبب وراء ذلك، فانه يؤدي الى خداع وتورط رجل الدين فيما لا يجمل به أو لا يصح له؛ لان اللعبة يديرها الاخرون خلف الكواليس المحكمة والمراكز الإستراتيجية الفاعلة والمؤثرة، فإذا دخل فيها من لا يعرفها أو من لا يملك القدرة على توجيهها الوجهة الصحيحة، زلّ أو ضاع أو خدع. 
 
2- المشاركة: والتعاطي وهو على انواع: 
 
فمن ذلك: ان يتعاطى كشريك مصادق مع الحاكم الفاسق او الجائر. 
 
ومن ذلك: مشاركة التابع والمتبوع، وكان من هذا النوع وعاظ السلاطين حيث يشاركون الحاكم مشاركة المتابعة. 
 
ومن ذلك: مشاركة المنافس, فتكون الرقابة شديدة بين الطرفين. 
 
ومن ذلك: مشاركة الموجه الضاغط الفاعل من العلياء. 
 
3- المواجهة: وهي ايضا على انواع: 
 
فقد تكون مواجهة عسكرية وهو النوع الذي يرفضه في زمن الغيبة مجموعة كبيرة من الفقهاء على مر التاريخ إلا في الدفاعي كما لا يخفى، والمواجهة العسكرية قد تكون مباشرة او تكون غير مباشرة، ومن الاول: مواجهة الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ومن الثاني: مواجهة الامام السجاد ( عليه السلام ) حيث كان يدعم المختار الثقفي رحمه الله وغيره، وكذلك الامام الصادق والذي كان يدعم الحركات المسلحة مع تقية شديدة حسب التحقيق. ... 
 
ومن انواع المواجهة ايضا: المواجهة السياسية، وكذلك: المواجهة الفكرية الثقافية الفقهية، ولكل ذلك تفصيل لا يسعه المقام، إنما سنشير لبعض الكلام عن ذلك على ضوء بعض ما يتيسر لنا ذكره الآن من سيرة الإمام الرضا ( عليه السلام ). 
 
موقف الامام الرضا ( عليه السلام ) من الجائرين 
 
لقد كان الامام الرضا ( عليه السلام ) من الحكام الجائرين هو المعارضة من خارج الحكم وببعض أنماط المواجهة، ولذلك أيضاً رفض ولاية العهد جملة وتفصيلا في بادئ الأمر، فكان معارضةً من خارج الحكم، لكن بعد ذلك ولأسباب كثيرة ظاهرها الضغط والإجبار قَبِل ولاية العهد وتحوّل إلى المواجهة والمعارضة من داخل الحكم وكان طليعة ذلك انه اشترط ان لا يقوم باي عمل تنفيذي او قضائي الامر الذي افرغ ولاية العهد من محتواها ففهم الواعون من الامة الاسلامية استنكار الامام لهذه الخطوة – القسرية - من جانب المامون فيما لم يفهم البعض ذلك فاستشكلوا على الامام عليه السلام حتى وصل بهم الامر الى محاولة اغتيال الامام ( عليه السلام )، لكن كان من وراء ذلك حِكَم اخرى وليس هذا محل ذكرها، والشاهد ان الإمام قبل ولاية العهد ودخل في الحكم الا ان موقفه كان موقف المعارض والمواجِه الناقد. 
 
أساليب مواجهة الحكام الظلمة 
 
وسوف يتضح ذلك أكثر عبر التطرق إلى اهم ما ينبغي فعله في التعامل والتعاطي مع الحكام الجائرين: حسب تتبع بعض روايات المعصومين عليهم الصلاة والسلام وسيرتهم مقتصرين الآن على بعض ما وردنا عن ثامن الأئمة ( عليه السلام ): 
 
سلب الشرعية من الحكام الجائرين 
 
1- سلب الشرعية من الحاكم الجائر وعدم منحه الشرعية اصلا، فان الحكّام على مر العصور يسعون الى كسب الشرعية والتأييد من المؤسسة الدينية باي شكل كان ولو كان ذلك صوريا ليقنعوا الجماهير بحقانيتهم وليأمنوا جانبها، لكن الائمة الأطهار والعلماء الأبرار والفقهاء الصالحين منا كانوا لايؤيدون الحاكم الجائر بل كانوا يسعون إلى سلب الشرعية عنه بكل صورة ممكنة في حدود القدرة الشرعية. 
 
ومن القصص الرائعة الدالة على ذلك ان الامام الرضا ( عليه السلام ) وهو في خراسان جاءه شخصان مسافران فسألاه عن صلاتهما، وأنها قصر ام تمام؟ فقال ( عليه السلام ): أما انت فقصِّر وأما الاخر فأتم، فاستغربا اختلاف الحكم مع انهما سيان في السفر، فأوضح لهما الامام ( عليه السلام ): اما انت فصلاتك قصر؛ لانك قصدتني فسفرك سفر طاعة، واما انت فصلاتك تمام لانك قصدت المامون ولعله جاءه ليأخذ عطاياه أو ليتقرب إليه) فسفرك سفر معصية فان من شروط القصر في السفر: ان لا يكون السفر سفر معصية. وأما نص الرواية عن ((أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ( عليه السلام ) بِخُرَاسَانَ فَسَأَلَاهُ عَنِ التَّقْصِيرِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا وَجَبَ عَلَيْكَ التَّقْصِيرُ لِأَنَّكَ قَصَدْتَنِي وَ قَالَ لِلْآخَرِ وَجَبَ عَلَيْكَ التَّمَامُ لِأَنَّكَ قَصَدْتَ السُّلْطَانَ))([7])
 
وفي رواية أخرى ان الامام الرضا ( عليه السلام ) ذهب من المدينة إلى مكة فمر على جبل يسمى (فارع)، فالتفت الى من معه فقال: (باني فارع وهادمه يقطع اربا اربا) ومضى فلم يفهم الحاضرون مرامه، ثم بعد مدة مرّ بهذه المنطقة (جبل فارع) هارون اللارشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي وكان وزيرا لهارون اللارشيد وكان طاغية من الطواغيت وكانت أموال بيت المال بيده ظلما وعدواننا، فامر ان يُبنى له مجلس على الجبل ليسكنه بعض الساعات او عدة ايام! ففعلوا ذلك ثم تركه ومضى الى مكة ولما رجع من مكة صعد إلى ذلك البيت أو القصر فأمر بهدمه بخلاً منه ولم يتركه للمارة ليستفيدوا منه وذهب الى بغداد حيث مركز الحكومة الجائرة، فلما وصل امر هارون على اثر قضية معروفة في مصير البرامكة، فقطعوا جعفرا بن يحيى هذا اربا اربا، وهنالك عرف الناس مراد الامام الرضا ( عليه السلام ) من كلامه. ونص الرواية ((عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ( عليه السلام ) أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا هَارُونُ يُرِيدُ الْحَجَّ فَانْتَهَى إِلَى جَبَلٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ فَارِعٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ ثُمَّ قَالَ بَانِي فَارِعٍ وَهَادِمُهُ يُقَطَّعُ إِرْباً إِرْباً فَلَمْ نَدْرِ مَا مَعْنَى ذَلِكَ فَلَمَّا وَلَّى وَافَى هَارُونُ وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ صَعِدَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى ذَلِكَ الْجَبَلَ وَأَمَرَ أَنْ يُبْنَى لَهُ ثَمَّ مَجْلِسٌ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ صَعِدَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْعِرَاقِ قُطِّعَ إِرْباً إِرْباً))([8]) 
 
ومن دلالات كلمته ( عليه السلام ) (باني فارع...) ان الامام ( عليه السلام ) أراد القول: إنني انا الامام وهؤلاء هم الظلمة؛ لأنني انا الذي اكشف لكم المغيبات، وانا الذي اكشف لكم مصير هؤلاء، فاتبعوا من نصبه الله للناس اماما ولا تتبعوا الحكام الجائرين كما انه صلوات الله عليه كشف بذلك عن بعض تبذير أولئك الظلمة وتلاعبهم ببيت مال المسلمين ولولا كلامه ( عليه السلام ) لما وصلنا خبر بناء يحيى لفارع ثم هدمه له كما لم تصلنا الألوف من نظائرها. وعلى أي فان هذا نوع من أنواع سلب الشرعية عن الجائرين لكن بأسلوب غير مباشر. 
 
هذه هي النقطة الاولى وهي سلب الشرعية عن الحاكم الجائر. 
 
2- الاستخفاف بالحكام الجائرين وإهانتهم 
 
2- الاسخفاف بالحكام الجائرين والتحقير لهم والتنقيص منهم، وهذا مسلك عام في حياة المعصومين ع والعلماء والصالحين منا فانهم لا يكتفون بسلب الشرعية عنهم وحسب بل كانوا يستحقرون الظلمة وأعوانهم. 
 
ولنذكر شاهداً واحداً من حياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) على ذلك: 
 
فعندما نصب الامام الرضا ( عليه السلام ) ظاهريا وليا للعهد قام الامام ( عليه السلام ) بالاستخفاف بالظالم وأعوانه حتى ان الفضل بن سهل ذو الرياستين والذي كان هو الحاكم حقيقة وكان هو العقل المدبر لحكومة المامون العباسي جاء يوما الى الامام الرضا وكان الامام مشغولا بشيء ما، فلم يعبأ به ولم يلتفت اليه وما ذلك الا للاستخفاف بالجائر وتحقيره وتنقيصه، بل ان الامام لم يأذن له بالجلوس!، وفي ذلك أكبر الاستخفاف بطاغية مثل الفضل بن سهل، بعد ذلك رفع الامام رأسه وسأله: ما حاجتك؟ فقال الفضل بن سهل: ان المامون وصلني بصلة كذا وكذا، واخرج كتاباً كبيراً فيه تفصيل ما اعطاه المأمون من دور وبساتين وأموال وغير ذلك ثم قال للإمام: (وانت اولى بان تعطينا ـ باعتبارك وليا للعهد ـ مثل ما أعطى أمير المؤمنين)!!. 
 
فقال له الامام: (يا فضل، لك علينا هذا ما اتقيت الله عز وجل...) وهذه إهانة كبيرة له ولجميع الطواغيت؛ لان الطواغيت يرفضون أشد الرفض ان يقال لهم: اتقوا الله ويعتبرونها إهانة بالغة، وقد قال الله تعالى يقول (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ)([9]) 
 
نعم أحياناً يقتضي الأمر كتم السر والتقية، ومن ذلك ما ورد من ان الامام الرضا ( عليه السلام ) في زمن هارون اللارشيد ذهب الى السوق فاشترى ديكا وكلبا وكبشا، فوصل الخبر على الفور إلى الحاكم الجائر لشدة الرقابة التي وضعها على الإمام فقال: أمنت جانبه، فان الامام ( عليه السلام ) أراد ان يوصل رسالة وهي انه لم يكن مشغولاً بالمواجهة السياسية وهي نفس الرسالة التي اراد الامام ان يوصلها الى الحاكم الجائر؛ لان الكلب يؤتى به لحراسة الماشية أو المزرعة، والديك يشترى بهدف الاستيقاظ للصلاة فجرا فهو كناية عن الانشغال بالعبادة، والكبش قد يكون كناية عن الانشغال بالضيافة أو كناية عن الانشغال بالتربية، ((وبإسناد عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الطيب قال لما توفي أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) دخل أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) إلى السوق فاشترى كبشا وكلبا وديكا فلما كتب صاحب الخير بذلك إلى هارون قال قد أمنا جانبه و كتب الزبيري أن علي بن موسى قد فتح بابه ودعا إلى نفسه فقال هارون وا عجبا إن علي بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا و يكتب فيه ما يكتب))([10]) 
 
والظاهر ان ذلك كله كان تقية من الإمام لكي يخفي ما يُعِد له للمستقبل أو حتى ما كان يفعله في الحاضر فان التقية من الوقاية وهي وقاية لواقع موجود وليس وقاية لا للاشيُ. فتأمل 
 
3- عدم إعذار الظالم في ظلمه 
 
ان من أهم الأمور ان لا يعطى الشخصُ الظالمَ الحقَّ وان لا يعذره في ظلمه بل وان يستخف به قال ( عليه السلام ): ((مَنْ عَذَرَ ظَالِماً بِظُلْمِهِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَنْ يَظْلِمُهُ فَإِنْ دَعَا لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ وَ لَمْ يَأْجُرْهُ اللَّهُ عَلَى ظُلَامَتِهِ))([11]) وهذا هو الاثر الوضعي لمن يقوم بذلك. 
 
ويكفي ذلك رادعاً للبعض الذي يبرر للظلمة والحكام الجائرين قوانينهم واحكامهم التي فرضوها على الناس ظلما وعدوانا، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة بإيجاز: 
 
- ان يعذر الظالم في جعله للحدود والجمارك. 
 
- ان يعذر الظالم في أخذه المكوس والضرائب. 
 
- أن يعذره في سجن معارضيه ومنتقديه ولو بتعليل انه لأنكم تركتم التقية لذا كان حقكم ان تسجنوا!! فانهم لو تركوها اجتهاداً أو تقليداً فهم معذورون أو مصيبون والظالم آثم بكل المقاييس ولو تركوها في غير موردها ولو تقصيراً فحسابهم على ربهم لكن لا يصح إعذار الظالم لأنه ظلمهم لمجرد انهم نهوه عن المنكر فتدبر. 
 
- ان يعذره في إقرار مختلف القوانين التي لم ينزل الله بها من سلطان. 
 
- ان يعذره في مصادر الأموال وسحق الحقوق بألف عذر وعذر. وإلى غير ذلك 
 
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
============================================ 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 7 ذو القعدة 1435هـ  ||  القرّاء : 11731



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net