48- (المعاملة) واطلاقاتها الخمسة ، وأن قاعدة النهي عن المعاملة مقتضٍ للفساد ، شاملة لها كلها ـ النهي عن (العبادة ) فيما لو ادت الى الاضلال ، مقتضٍ لفسادها ايضاً
الثلاثاء 25 صفر 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان الحديث حول الحكم الوضعي لحفظ كتب الضلال ومختلف التقلبات في مسبِّبات الفساد، وذكرنا أن تحقيق البحث في ذلك من حيث الأدلة تارة يرجع فيه إلى المبحث الأصولي الشهير – كدليل عام -، وتارة أخرى نرجع في ذلك إلى الأدلة الخاصة في المقام وقد بدأنا البحث في الدليل العام، وذكرنا عناوين سبعة في المقام، هذا ما مضى
العنوان الثامن ما هو المراد بالمعاملة ؟
والعنوان الثامن هو عنوان تتفرع عليه مسائل عديدة في موطن بحثنا وهو عنوان (المعاملة) الوارد في نص القاعدة: هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد؟
وهنا نتساءل ونقول: ما هو المراد بالمعاملة ؟ وجوابه :إن للمعاملة عدة إطلاقات، وبحسب كلام (الأصول) فان إطلاقاتها خمسة، وهذه الاطلاقات بأنواعها الخمسة تجري في المقام.
الإطلاقات الخمسة للمعاملات:
الإطلاق الأول: وهو إن المعاملة تطلق ويراد بها العقد، فالمعاملات هي العقود، وهو المعنى الأخص.
الإطلاق الثاني: إنها قد تطلق ويراد منها الأعم من العقود والإيقاعات.
الإطلاق الثالث: قد يراد بها الأعم منها بما يشمل الأحكام الاختيارية
الإطلاق الرابع: الإطلاق الأعم من الثالث، وهو ما يشمل الإحكام غير الاختيارية.
الإطلاق الخامس: وهذا الإطلاق في منتهى العمومية، وهو ما يشمل حتى بعض الآثار التكوينية.
و نقتصر من ذلك على ذكر الأمثلة التي هي في دائرة بحثنا.
توضيح ذلك:
أما الإطلاق الأول وهو العقود فبحثنا جار فيها، وهو :هل النهي في العقود مثل البيع والصلح والمزارعة والمساقاة والرهن وما أشبه، هل النهي في كل هذه المعاملات يقتضي الفساد؟ فلو كان بيع كتب الضلال مما يؤدي إلى الإضلال ، فانه بحسب هذه القاعدة - لو قبلناها - يقتضي الفساد، هي الصورة الأولى.
وأما الإطلاق الثاني للمعاملة: فهو ما يشمل الإيقاعات مثل الوصية العهدية – على رأي مجموعة من الفقهاء ومنهم صاحب العروة - فهي إيقاع وليست عقداً، وذلك بان يعهد الميت لشخص بان يوصل مالا من تركته لأخر، وعلى هذا فالوصية العهدية إيقاع، فلو أوصى الميت بكتب ضلال أو أي نوع آخر من التقلبات في مسببات الفساد كان يكون لديه مخمر أو ملهى فهو إيقاع, ولو قلنا بان النهي في المعاملة بالمعنى الأعم الشامل للإيقاع يقتضي الفساد، فان الوصية باطلة،
وكذلك الحال في الوصية التمليكية, وان كان المشهور فيها شهرة عظيمة إنها عقد وليست إيقاعاً، ولكن الأقل كصاحب العروة وتبعه السيدان القمي والخوئي يرى ايقاعيتها حيث يرى أن القبول ليس ركنا في الوصية التمليكية, بل الرد مانع - و له تفصيل يترك في محله - وهو ان يملك مالا لشخص بعد وفاته , فلو قلنا أنها إيقاع فهي داخلة في الدائرة والإطلاق الثاني.
وأما الإطلاق الثالث للمعاملة فهو ما يشمل الأحكام الاختيارية، فهذه يطلق عليها أيضا المعاملة لكن بإطلاق ثالث، أعم، مثل حكم الحاكم المستجمع للشرائط ، فانه حكم وليس معاملة بالمعنى الأخص، ولكن إحدى اطلاقات المعاملات تشمله، وهذا الإطلاق هو مراد أيضاً في مبحثنا (هل النهي في المعاملة يقتضي الفساد؟) فالمراد من المعاملة الأعم من الحكم الاختياري, فلو إن القاضي أو الحاكم حكم بسجن مظلوم خطأ، فلو كان مقصرا في المقدمات فهو إثم ويستحق العقاب تكليفا، ولكن الكلام ليس في الحكم التكليفي، وإنما الكلام في الحكم الوضعي، فهل يجب تنفيذ هذا الحكم أو انه حكم باطل؟ كما في سجن المديون المتعنّت الذي لا يريد سداد دينه، إذا حكم القاضي أو الحاكم عليه باعتقاد انه قادر على التسديد لكنه لم يكن قادراً، فهل الحكم نافذ؟ حيث انه لا شك في النهي عن سجن المظلوم، فان حكم بالسجن عليه – قصوراً أو تقصيراً -، فان الأثر الوضعي هو الفساد في هذا الحكم وعليه فهو ليس بنافذ ,
والمثال الآخر: لو أن الحاكم الشرعي المستجمع للشرائط حكم بان هذا المال للمدعي، والحال انه ثبوتا وواقعا لم يكن له, فهل يجب تنفيذ كلامه؟ وهل للمالك الواقعي للمال أن يعصي حكم الحاكم فيسترجع ماله بأية طريقة من الطرق أم لا ؟ وهل مخالفة الحكم مصداق لـ(الراد عليهم كالراد علينا)؟
الظاهر انه لا يشمله، ولكن البعض يرى: انه ليس له الحق بأن يعصي حكم الحاكم الشرعي، وكذا الحال لو حكم القاضي ببينونة المرأة عن احدهم أو زوجيتها لأحدهم، فالكلام نفس الكلام وهو يجري هنا، فان النهي عن المعاملة بالمعنى الثالث أي الحكم الاختياري، يقتضي الفساد وعدم النفوذ او لا ؟
وأما الإطلاق الرابع فهو ما يشمل الأحكام غير الاختيارية مثل الإرث، فانه ينتقل قهرا، فلو كان أب يمتلك كتب ضلال وقد حازها بقصد الرد عليها وكان بمستوى الرد لتلك الكتب - وهذا مسوّغ لتملكه لها –، ولكن الولد لم يكن كذلك، فهل إن هذا الكتاب ينتقل للولد إرثا؟ فانه بحسب هذه القاعدة لا، لكننا لو لم نقبل هذه القاعدة فعلينا أن نتمسك بالأدلة الأخرى الخاصة. والحاصل: ان يقال: النهي عن المعاملة بالمعنى الرابع - وهو الحكم غير الاختياري – مقتض للفساد أي لعدم ترتب الأثر فكل هذه الممتلكات من كتب ضلال وغيرها لا تنتقل بالإرث إلى الولد.
وأما الإطلاق الخامس فهو الأوسع، كما في الطهارة من الخبث والطهارة من الحدث، فان الإنسان إذا تطهر بماء غصبي فقد طهر بدنه، وهذا اثر وضعي وتكويني, فانه الماء سواء كان مغصوبا أو لا، فان الطهارة من الخبث تحصل به، ولكن الكلام في الطهارة من الحدث، أي الوضوء بالماء المغصوب، فان هذا الوضوء باطل، ومثال أخر وهو الوضوء بماء مع خوف الضرر أو العلم الضرر منه، فان هذا الوضوء باطل، وحينئذٍ: لو باع هذا الشخص لشخص آخر مريض ماء بقصد أن يتوضأ به، فتوضأ به فان كلتا المسالتين جاريتان هنا، الأولى: إن هذا البيع باطل والنهي في المعاملة يقتضي الفساد، والمسالة الثانية وهي من الدائرة الخامسة: ان التطهر من الحدث بهذا الماء غير حاصل أي فاسد إذ النهي عن المعاملة – بالمعنى الأعم – اقتضى الفساد والبطلان.
وأما الطهارة من الخبث فالاستثناء فيها لدليل خاص، لا لعدم شمول القاعدة المطلقة فيها لهذا المورد، فان القاعدة ينبغي أن تشمل حتى الطهارة من الخبث ، ولكن الدليل الخاص قد اخرج هذا المورد، ولأجله فان الطهارة من الخبث حاصلة سواءً أكان الماء مضرا أو لا, وسواءً أكان مغصوبا أو لا.
إذن: هذه هي الإطلاقات والدوائر الخمسة لكلمة المعاملة، ولنرجع بعد هذا إلى قاعدتنا الأصولية والعناوين فيها:
العنوان التاسع والأخير: العبادة
النهي عن العبادة لو قلنا انه مقتض للفساد - كما هو كذلك – فهل يقع المقام صغرى له؟ وكيف نطبقه على المقام: باب العبادات؟
والجواب: ان المصاديق والأمثلة متعددة، وخاصة في باب (الترتّب) في الأصول ومنها ما لو وقع العمل العبادي في طريق الإضلال، فان النهي عنه مقتض لفساد العبادة، كما لو كانت الصلاة في هذا المكان أو الوقت أو بهذه الكيفية موجبة لتفويت إنقاذ مسلم , فإذا قلنا بأنه لا ترتب، فان هذه العبادة مبغوضة للمولى والنهي عن العبادة مقتض للفساد ؛ لكون هذه العبادة هي طريق فساد أو طريق إضلال كما لو كانت صلاته بهذه الهيئة طريقة إضلال جمع، فهذه الصلاة عندئذٍ لا تقع عبادة؛ لأنها منهي عنها و مبغوضة للمولى، والمبغوض لا يمكن التقرب به،
وبتعبير أخر: ان النهي يكشف إما انه لا ملاك لهذه الصلاة، وإما أنها ذات ملاك إلا انه زوحم بملاك أقوى، وخصوص هذا المثال قد يكون قليل الطَّرْق ولكن توجد أمثلة كثيرة أخرى كثيرة الطرق كما في الحدود , فان إقامة حدود الإسلام على رأي بعض الفقهاء، غير مطلق به للشارع عندئذٍ بل هي مبغوضة ومحرمة وغير نافذة. فتأمل وعلى هذا الرأي فانها لو وقعت في طريق الإضلال بان تكون سببا لإضلال الملايين من الناس بابتعادهم عن الإسلام والدين الحق وعبر تشويه كبير لسمعة الإسلام وتنفير الناس منه فإن بعض الفقهاء كالسيد الوالد يرى بتعطيلها مؤقتاً ؛ وذلك لان الحدود تدرا بالشبهات، وأنها في هذه الصورة على اقل تقدير شبهة، في هذا الظرف، فلو شك الفقيه أو الحاكم فإنها تدرا بالشبهات.
وكذا لو وقع النهي عن المنكر في طريق منكر أعظم كما لو كان الردع عن المنكر الخاص بالطريقة الخاصة يسبّب موجات من الارتداد أو من أي فساد أعظم فهكذا نهي سيكون محرماً لان هذا (النهي) قد وقع في طريق الضلال. فتدبر وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الثلاثاء 25 صفر 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |