266- اجوبة ثلاث عن قول النائيني بتعارض روايات (فلتصبر) مع (طلاق الحاكم الشرعي لها)
السبت 17 ربيع الاخر 1441هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(266)
(النائيني: روايات طلاق الولي تعارضها روايات ((فلتصبر))
قال المحقق النائيني: (وبعض الأساطين، وإن التزم بهذا المعنى([1])، إلا أنه لعله اعتمد على الأخبار الواردة في هذا المقام([2]) الدالة على جواز طلاق الولي والسلطان الامرأة التي ليس لها من ينفق عليها وغاب عنها زوجها.
ولم يعبأ بمعارضتها بمثل النبوي: ((تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه))([3]) والعلوي: ((هذه امرأة ابتليت فلتصبر))([4])([5]) ونحو ذلك.
نعم: تمسك السيد الطباطبائي في ملحقات العروة "بقاعدة الحرج والضرر" لجواز طلاق الحاكم الشرعي كل امرأة تتضرر ببقائها على الزوجية، مضافا إلى ما في رواية أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ، فَلَمْ يَكْسُهَا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهَا، وَيُطْعِمْهَا مَا يُقِيمُ صُلْبَهَا، كَانَ حَقّاً عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا))([6]) ولكنك خبير بأن هذه الرواية وما يكون بمضمونها غير معمول بها)([7])) – كما سبق([8]).
طائفتا الروايات في صبر الزوجة([9]) أو طلاق الحاكم لها
أقول: لا بد أولاً من استعراض طائفتي الروايات التي ادعى الميرزا تعارض بعضها مع بعض:
الطائفة الأولى: الروايات الدالة على ان على المرأة الصبر مما يفهم منه انه لا حق لها في الفسخ والطلاق ولا يصح للحاكم الشرعي طلاقها وهي أربع روايات:
1- النبوي: ((تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه))([10]).
2- (العلوي) ولعل المراد به ما سبق في الهامش: ((وَرُوِيَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فَذَكَرُوا أَنَّ عَلِيّاً حَكَمَ بِأَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَجِيءَ نَعْيُ مَوْتِهِ وَقَالَ هِيَ امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَقَالَ عُمَرُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا ثُمَّ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ عليه السلام ))([11]) ونقل المحدث النوري في المستدرك([12]) هذه الرواية عن ابن شهر آشوب في المناقب.
3- (العلوي) الذي أشار إليه الميرزا ((هِيَ امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ)) ولعله إما الرواية السابقة أو رواية ((محمد بن علي بن الحسين قال: رُوِيَ أَنَّهُ إِنْ بَلَغَ بِهِ الْجُنُونُ مَبْلَغاً لَا يَعْرِفُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَرَفَ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ فَلْتَصْبِرِ الْمَرْأَةُ مَعَهُ فَقَدْ بُلِيَتْ))([13])، ولكن الظاهر كما سبق في الهامش ان الميرزا يقصد الرواية السابقة دون هذه.
4- (ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن بنان بن محمد، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن علياً عليه السلام قال في المفقود: لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاقه أو لحوقه بأهل الشرك)([14]).
الطائفة الثانية: الروايات المصرحة بالتفريق بينهما وهي:
1- ما رواه الصدوق، عن ربعي بن عبد الله، والفضيل بن يسار، جميعاً، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ)([15])قَالَ: إِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا يُقِيمُ ظَهْرَهَا مَعَ كِسْوَةٍ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا))([16]). وللشيخ الصدوق في المشيخة سند صحيح إلى كل منهما. نعم رواه الشيخ بسند فيه محمد بن سنان، عنهما إلا ان فيه: (ما يقيم صلبها).
2- ما رواه الصدوق بسند معتبر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فَلَمْ يَكْسُهَا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهَا وَ يُطْعِمْهَا مَا يُقِيمُ صُلْبَهَا كَانَ حَقّاً عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا))([17])
3- ما رواه في الكافي عن روح بن عبد الرحيم قال: ((قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ) قَالَ: إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا يُقِيمُ ظَهْرَهَا مَعَ كِسْوَةٍ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا))([18]).
مناقشات مع المحقق النائيني
وحينئذٍ نقول: انه قد يورد على المحقق النائيني بوجوه أربعة:
1- روايات فلتصبر ضعيفة السند فلا تعارض روايات طلاق الحاكم
أولاً: ان روايات الطائفة الأولى كلها ضعيفة السند فلا تعارض روايات الطائفة الثانية التي فيها الصحيح والمعتبر، اما الروايتان الأوليان فمرسلتان بل هما مرسلتان حتى عند العامة على ما نقله السيد السيستاني (دام ظله) في قاعدة لا ضرر([19]) واما رواية السكوني فقد أشكل عليها بـ(لكن لا يمكن الاعتماد على شيء من الاخبار الثلاثة: (اما رواية السكوني) فلأن في سندها بنان بن محمّد وهو عبد الله بن محمّد بن عيسى الأَشعري ولم تثبت وثاقته)([20]) ولكن الظاهر وثاقته، على المبنى، نظراً لأنه من رواة كامل الزيارات كما روى عنه في الكافي والتهذيب، وله فيهما عشرات الروايات. وقال الوحيد: (روى عن محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثنى روايته، وفيه إشعار بالاعتماد عليه بل لا يبعد الحكم بوثاقته أيضاً).
2- هما مختلفتان موضوعاً
ثانياً: ما سبق من اختلاف موضوع الطائفتين فلا تعارض أصلاً.
3- روايات طلاق الحاكم، حاكمةٌ، أو هي وظيفته
ثالثاً: لو فرضنا وحدة الموضوع، فان روايات الطائفة الثانية اما مباينة، بوجه آخر، لروايات الطائفة الأولى واما حاكمة عليهما، وذلك بوجهين:
الأول: ان روايات (يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) تتطرق لما لا تتعرض له روايات (فَلْتَصْبِرْ) فلا مانعة جمع بينهما أصلاً، إذ روايات فلتصبر تتكلم عن وظيفة الزوجة وانها الصبر وروايات (يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) تتكلم عن وظيفة الحاكم الشرعي ولا تنافي بينهما أصلاً؛ ألا ترى انه لو قال عن المسجون ظلماً: (انه قد ابتلي فليصبر) فانه لا يتعارض مع قوله الآخر عن العلماء والمؤمنين الأحرار: (ان عليهم السعي لإطلاق سراحه)؟ فانه لا تعارق بين وظيفة هذا بالصبر ووظيفة ذاك بالسعي، غاية الأمر ان روايات (فلتصبر) مشعرة بعدم حق لها في المطالبة بالطلاق لكنه أولاً إشعار لا يرقى إلى مستوى الظهور، ثانياً: انه لو سلّم الظهور فانه يفيد انها لاحق لها في طلب الطلاق، لا ان الحاكم، ليس الحق في الطلاق فانه موكل بمصالح المسلمين، بل ظاهرها ذلك و((وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)) ((كَانَ حَقّاً عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا)) ((وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)).
وبذلك ظهر انه لا تنافي لا انهما متنافيان وروايات ((فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)) حاكمة، لكنه إن سلّم بالتنافي البدوي بين مفهوم تلك ومنطوق هذه قلنا بالحكومة أو بأظهرية هذه من تلك. فتدبر.
4- لا ضرر يرفع المعهود منه، وطلاق الحاكم فيما لو تضرر بأكثر منه
الثاني: ان (لا ضرر) إنما يرفع من الأحكام ما لم يرد مورد الضرر، واما ما ورد مورد الضرر أو الحرج، كالجهاد والحج والصوم فان فيها ضرراً أو حرجاً طبيعياً على أغلب المكلفين([21])، فلا يرفعه.
والمرأة الغائب عنها زوجها، ورد فيها الحكم (بالصبر)، على فرض تسليم تمامية الروايات، وهو وارد مورد الضرر لأن صبر المرأة على غياب زوجها ضرري عادة فلا ترفعه لا ضرر، ولكن الضرر إذا زاد عن الحد الطبيعي على هذه المرأة الغائب عنها زوجها، فان لا ضرر يرفعه حينئذٍ، نظير ما لو زاد الحرج أو الضرر على المقدار المعهود منهما في الصوم والحج فانه يرتفع الوجوب بذلك، وعليه: فروايات ((فَلْتَصْبِرْ)) محمولة على من يوجب ذلك لها ضرراً أو حرجاً بالقدر المعتاد فقط، وروايات ((كَانَ حَقّاً عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا)) محمولة على من شكّل ذلك ضرراً وحرجاً إضافياً عليها، وشاهد الجمع، ليخرج عن كونه تبرعياً، قوله عليه السلام: ((فَلَمْ يَكْسُهَا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهَا)) فان هذا الحد الأدنى من الكسوة إذا لم يفعله أوقعها في أشد الحرج والضرر غير المعهود في الأزواج عادة فانهم قد يضيقون على زوجاتهم لكن لا إلى درجة عريها وحرمانها من أدنى ما يواري عورتها أو يقيم صلبها. فتأمل.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
سُئِل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ صلى الله عليه واله وسلم: النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمَاثِلُ فَالْأَمَاثِلُ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَحُسْنِ عَمَلِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَمَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ)) (تحف العقول: 39).
------------------------------------------------------------------------------
([1]) أي جواز طلاق الولي الفقيه، والسلطان عند فقده.
([2]) كخبر أبي بصير الآتي بعد قليل في كلامه.
([3]) سنن الدار قطني 3: 312 ح 255، سنن البيهقي 7: 445.
([6]) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص441.
([7]) قاعدة لا ضرر، تقريرات الخوانساري للاضرر الميرزا النائيني: ص184.
([9]) زوجة المفقود وزوجة من لا ينفق زوجها عليها.
([10]) سنن الدار قطني 3: 312 ح 255، سنن البيهقي 7: 445.
([11]) المناقب لابن شهر آشوب 2: 365.
([12]) المستدرك للنوري: 15: 337/18430.
([14]) الوسائل:: 22/157ـ158/28266.
([16]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص441.
([17]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص441.
([18]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص512.
اما النبوي : ففي المغني لابن قدامة متعرضاً للاستدلال به ( فأما الحديث الذي رووه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فلم يثبت ولم يذكره اصحاب السنن).
واما العلوي : ففيه أيضاً بعد ذكر نقله عن الحكم ، وحماد ، عن علي (وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً، والمسند عنه مثل قولنا) وغرضه بالمسند عنه ما ذكره من انه قد روى الجوزجاني وغيره باسنادهم عن علي في امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها، وتعتد بعد ذلك أربعة اشهر وعشراً فان جاء زوجها المفقود بعد ذلك خيِّر بين الصداق وبين امراته.
وقال الزيلعي: (قلت رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق: اخبرنا محمّد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة: ان علياً قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق انتهى. اخبرنا معمر عن ابن ابي ليلى عن الحكم: ان علياً قال مثل ما سبق. اخبرنا ابن جريح قال: بلغني ان ابن مسعود وافق علياً على انها تنتظره أبداً. انتهى) (قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ص308-209).
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |