353- التحقيق: الاحتمالات في ان النهي عن المعاملة يقتضي الفساد او الحرمة ؟
الاحد 20 جمادى الاولى 1440هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(353)
تحقيق مفاد الآية بمبحث مفاد (النهي عن المعاملة)
والتحقيق في مفاد (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)([1]) وان أحلّ وحرّم يفيدان الحكم الوضعي فيراد بـ(أَحَلَّ): أنفذ وصحّح ويراد بـ(حَرَّمَ): أبطل؟ أو الحكم التكليفي فيفيد (أَحَلَّ) الجواز و(حَرَّمَ) الحرمة والمنع، يبتني على تحقيق الحال في ان النهي في المعاملة هل هو مقتضٍ للحرمة دون الفساد؟ أو للفساد دون الحرمة؟ أو لهما معاً؟ أو لا شيء منهما؟، فانه إذا اتضح حال (حَرَّمَ الرِّبا) يتضح حال (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) حسبما بنى عليه الشيخ من الاستناد إلى قرينة المقابلة، وليس الاستدلال بالسياق ليقال بانه ليس بحجة وغاية الأمر كونه مؤيداً، بل بالظهور العرفي لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من ان وِزانهما (أحلَّ – حرّم) واحد ومفادهما واحد، فليس كل سياقٍ حجةً بل ما بلغ مرتبة الظهور عرفاً.
الأقوال الثلاث في مفاد النهي في المعاملة
وموجز القول في مفاد النهي عن المعاملة: ان رؤوس الاحتمالات بل الأقوال ثلاثة أشار إليها السيد الوالد بقوله: (إن الآية ظاهرة في الحلية التكليفية، لانصراف اللفظ إليها، مثل: ((حلال محمد صلى الله عليه واله وسلم حلال إلى يوم القيامة))([2])، ولذا قالوا: إنه شامل للأحكام الثلاثة([3]).
وربما يؤيد([4]) ذلك مقابلته في الآية والرواية بـ (حرّم الربا)([5])، و ((حرام محمد صلى الله عليه واله وسلم حرام إلى يوم القيامة))([6])). أقول: فدليله قدس سره الانصراف وذلك يعني انه يرى (الحل) حقيقة فيهما([7]) إلا انه منصرف لأحدهما.
(لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من الحلية والحرمة المستندة إلى المعاملة الوضع لا التكليف، مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)([8]) الآية) فهذا هو الرأي الثاني وقد سبق ان نقلناه عن المحقق النائيني.
(هذا ولا يبعد إرادة الجامع بينهما، لأنه المتفاهم عرفاً، بل ربما يكون المتفاهم أكثر، ولذا يرى العرف أن من يذهب بأمه إلى العاقد ليعقدها له، أنه فاعل الحرام وإن لم يعاشرها معاشرة الأزواج بعد ذلك، وكذلك إذا عامل المعاملة الربوية)([9]) وهذا هو الرأي الثالث، فهذه رؤوس الاحتمالات والأقوال وهناك أقوال أخرى وتفصيلات سيأتي ذكرها بعد إعادة طرح المبحث بعبارة أخرى أكثر نفعاً، فنقول:
أنواع النهي في المعاملات
ان العلماء استظهروا من بعض النواهي المتعلقة بالمعاملات الحرمة دون البطلان، ومن بعضها البطلان دون الحرمة، ومن بعضها البطلان والحرمة، ومن بعضها التنزيه دونهما.
1- انه يفيد الحرمة دون البطلان
فمن الأول: قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ)([10]) حيث التزموا بان البيع وقت النداء حرام لكنه لو حصل فهو صحيح نافذ.
2- يفيد البطلان دون الحرمة
ومن الثاني: ما التزمه العديد من الأعلام من انه إذا اشترط في ضمن عقد ملزم – أو في ضمن العقد نفسه – شرطاً فانه لازم لكنه ليس التخلف عنه بحرام، فلو اشترط عليه عندما أراد بيع داره له ان لا يبيعه لعمرو فانه إذا باعه لعمرو كان باطلاً لكنه ليس بحرام بل مجرد لغوٍ، وكذا لو اشترطت عليه عند الزواج بها (أو في ضمن عقد ملزم آخر) ان لا يتزوج الثانية فانه إذا تزوجها الثانية لم يفعل بإجراء هذا العقد محرماً لكنه باطل، وقيل بعكس ذلك أي انه تحرم مخالفة الشرط لكنه نافذ فالبيع من عمرو، في المثال السابق، نافذ حاصل والزواج من الثانية صحيح.
وقد استظهر السيد الجد من (عند) في (المؤمنون عند شروطهم) انها تفيد الوضع أي ان سلطنته حتى حدّ العمل بالشرط فإذا خالفه فلا سلطنة له فلا تقع المعاملة المخالَفُ بها الشرط، ويمكن بيانه بوجه آخر وهو انه لو باعه منزله مثلاً بشرط ان لا يبيعه لعمرو فقد نقل البائع السلطنة الناقصة دون المطلقة فلا يقع منه البيع لعمرو إذ لا سلطنة له عليه، وتحقيقه في محله.
3- يفيدهما
ومن الثالث: قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)([11]) فان العقد عليها حرام كما انه باطل.
لا يفيد أياً منهما
ومن الرابع: النهي عن البيع بين الطلوعين أو للمحارف أو الأكراد او لمن لم يكن ثم كان أو شبه ذلك. كما فصلناه في كتاب (المعاريض والتورية).
ما هو الضابط الأصولي؟
ومحل البحث انه ما هو الضابط في ذلك؟ فانه إذا دل دليل خاص على الحرمة أو البطلان أو على كليهما أو على التنزيه في موارد النهي كان هو المتَّبع، ولكن إذا لم يوجد دليل خاص فما هي القاعدة العامة في صورة النهي عن المعاملات وهل يفيد هذا النهي الحرمة أو البطلان أو كليهما أو لا شيء منهما؟
التفصيل بين تعلق النهي بالسبب أو بالمسبب
وقد سبقت الأقوال (الثلاثة) وفصّل آخرون:
فمنهم: الآخوند إذ فصّل بين النهي المتعلق بالسبب والنهي المتعلق بالمسبب، وسيأتي تفصيله ولكنه يعتمد اولاً على بيان الفرق بينهما فان النهي تارة يكون، حسب المرتكَز أو غيره، عن نفس السبب لكون المفسدة فيه دون المسبب كالنهي عن البيع وقت النداء فانه لأنه يشغله عن ذكر الله وصلاة الجمعة، لا ان في نفس النقل والانتقال بما هما مفسدة.
وتارة يكون النهي عن المسبب لكون المفسدة فيه كبيع المصحف للكافر فان المفسدة في المتعلَّق والمسبب وهو انتقال القرآن إلى يده وكونه تحت سلطته ولا مفسدة في نفس إنشاء البيع له بما هو هو، إلا ان يقال انه تسليط اعتباري، وان فيه المفسدة. فتأمل وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَتِمَّ لَهُ عَمَلٌ، وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَخُلُقٌ يُدَارِي بِهِ النَّاسَ وَحِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ)) (الكافي: ج2 ص116).
------------------------------------------------------------
([2]) الكافي: ج1 ص58 باب البدع والرأي والمقاييس ح19.
([4]) (يؤيده) لأنه قدس سره لا يرى قرينة السياق حجة.
([6]) الكافي: ج1 ص58 باب البدع والرأي والمقاييس ح19.
([7]) الوضع والتكليف: أي الصحة والجواز.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |