354- بقية الاقوال في النهي في العبادة مقتضٍ للفساد ام لا ؟ - بحث تطبيقي
الاثنين 21 جمادى الاولى 1440هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(354)
تفصيل الآخوند والنائيني بين تعلق النهي بالسبب أو المسبب
وقد ذكر الآخوند أولاً: ان النهي في المعاملة يقتضي الحرمة لا الفساد ثم فصّل بعد ذلك: بان النهي إن تعلق بالسبب فانه لا يدل على الحرمة كما لا يدل على الفساد، كما ذهب الميرزا النائيني إلى عدم دلالة النهي عن السبب على الفساد، وعلّل بان مبغوضية الإنشاء بما هو فعل من الأفعال لا تستلزم عدم ترتب الأثر بوجه، نظير البيع وقت النداء. وفيه: ان ما دل على الحرمة والمبغوضية دال عرفاً على عدم ترتب الأثر على ما هو مبغوض المولى.
واما إن تعلق النهي بالمسبب أو التسبيب فارتأى الآخوند انه يدل على الصحة بينما ارتأى الميرزا النائيني انه يدل على الفساد، وجه الآخوند هو: ضرورة اعتبار القدرة في متعلق الأمر فانه لا يعقل التكليف بغير المقدور من محالٍ كجمع النقيضين وغيره كالطيران لمن لا يملك آلاته، فإذا كان المسبب باطلاً (أي مما لا يقع بالأسباب) فهو غير مقدور للعبد إذ كيف يمكنه الإتيان به وهو مما لا يقع أصلاً في عالم الاعتبار الشارعي، فلا بد ان يكون صحيحاً حاصلاً بأسبابه (من الإنشاء اللفظي أو الفعلي) كي يمكن النهي عنه.
ووجه القول الآخر: ان الفساد وليد النهي فهو لولاه لكان صحيحاً. فتأمل، ومحل تحقيق ذلك هو ذلك المبحث.
ومحل الشاهد: انه لو قلنا بهذا التفصيل فعليه يبتنى فقه الآية الشريفة إذ يقال: ان (حَرَّمَ الرِّبا) أ- إن تعلق بالمسبب دل على الصحة برأي الآخوند وعلى البطلان برأي الميرزا فتكون (حرم) وضعية فيكون (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أيضاً وضعياً أي أنفذ وأصح لما سبق من قرينة المقابلة.
واما لو قلنا ان (حَرَّمَ) تعلق بالمسبب (أي النقل الحاصل بالربا أو أخذ الربا) وانه يراد به الحرمة إذ المقدور بالواسطة مقدور، لكان (أحلّ) مفيداً للحكم التكليفي كذلك.
ب- وإن تعلق بالسبب لم يدل (حَرَّمَ) على الصحة ولا الفساد، ولكنه يدل على الحرمة (إذ لا يعقل ان يقال ان (حَرَّمَ الرِّبا) لا يفيد البطلان ولا يفيد الحرمة، فيدل (احلّ) كذلك على الحكم التكليفي أي الجواز.
حجية قرينة السياق في صورتين([1])
ثم انه سبق([2]) (متى لا تكون قرينة السياق حجة ومتى تكون؟
إذ يقال: الاستدلال بالمفهوم عرفاً وليس بالسياق، سلّمنا، لكن السياق الذي سبق انه ليس بحجة هو السياق المخالف للظهورات لا الموافق لها فانه مؤيد حينئذٍ دون شك.
بيانه: ان الظهور السياقي قيل بانه أضعف الظهورات إلى درجة انه ليس حجة بما هو هو مستقلاً، فإذا عارَضَ عمومَ عامٍ أو إطلاقَ مطلقٍ لم يسقطه عن عمومه أو إطلاقه لأنه أضعف منه وكذا لو عارض سائر الظهورات، فهذا هو المراد بان الظهور السياقي ليس بحجة، لكنه لو وافق ظهور العام وعضده كان مؤيداً حينئذٍ ولا بأس به، والمقام من هذا القبيل لأن ظاهر (أحلَّ) الإخبار دون الإنشاء وقد عضده السياق، فتدبر).
ونضيف: انه قد يقال: ان الظهور السياقي ليس بحجة إذا عارض أحد الظواهر – كما سبق – ولكنه قد يقال بحجيته في صورتين الأولى: ما سبق من صورة موافقته لظهور العام فهو مؤيد حينئذٍ. الثاني: ما نضيفه – مما يحتاج لتأمل أكثر – وهو ان الظهور السياقي حجة لو أريد به رفع إجمال مجمل أو إبهام مبهم وهو من مصاديق تفسير القرآن بالقرآن (بعد الرجوع للروايات كما سبق لا قبلها) دون ما لو أريد به صَرْف الظاهر، كالعام، عن ظهوره فهو([3]) بكلمة موجزة: لا حكومة له على المبيَّنات، ولكن له الشارحية للمجملات فتدبر تعرف.
والمقام من هذا القبيل: أي انه لو فرض الشك في ان (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) يراد به الحكم التكليفي أو الوضعي فانه بقرينة ان (وَحَرَّمَ الرِّبا) أريد به التكليفي – على المبنى – يستظهر ان (أحَلَّ) يراد به التكليفي كذلك.
هل يصح بيع منذور الصدقة؟ وهل يجوز؟
بحث تطبيقي: لو نذر، بنذر صحيح شرعي نافذ فعلي هذه الشاة لأبي الفضل العباس عليه السلام مثلاً أو للحسينية أو لفقيرٍ أو طالبٍ، فهل يجوز له بيعه؟ ولو باعه فهل البيع صحيح محرم؟ أو باطل حلال؟ أو محرم باطل؟ أو لا شيء منهما؟ أقوال واحتمالات:
ذهب إلى الأول البعض، كالسيد الخوئي في مصباحه قال: (وأمّا بيع منذور الصدقة، فليس ممّا تسالم الفقهاء على بطلانه ليكون شاهداً على المقام، بل هو محلّ خلاف بينهم، فيكون الاستشهاد به نوعاً من المصادرة، فانّه من صغريات المقام، فنقول بصحة البيع فيه أيضاً، فانّ وجوب الوفاء بالنذر وإن كان يقتضي إبقاء المال وعدم بيعه إلا أنّه لا ينافي صحة البيع على تقدير تحقّقه في الخارج، غاية الأمر انّه يترتّب على البيع المزبور استحقاق العقاب ولزوم الكفارة، وشيء منهما لا يستلزم بطلان البيع، بل لو كان البائع مطمئناً بانتقال المال إليه بعد بيعه لم يلزم الحنث أيضاً ببيعه)([4]).
ثم انه استثنى نذر النتيجة: (نعم لو كان منذور الصدقة من قبيل نذر النتيجة كان بيعه باطلاً، لانتقال المال معه إلى المنذور له على الفرض، فيكون بيع الناذر له بيعاً لملك الغير فيلحقه حكمه).
ووجه الثاني: انه حيث نذره خرج عن سلطنته إذ الفرض انه كان نذراً فعلياً منجزاً فلو باعه كان باطلاً، ولا وجه لحرمته إذ غاية الأمر ان إنشاءه لغو غير مؤثر في نقل الشاة إلى ملك الغير فَلِم يكون حراماً؟.
والمنصور هو الثالث: الحرمة والبطلان للمبنى العام الذي صرنا إليه من إفادة النهي في المعاملات الحرمة والبطلان كأصل عام، خرج عنه كل ما دل الدليل الخاص، من ارتكاز مسلّم أو إجماع أو رواية أو مناسبات حكم وموضوع أو قرينية المتعلق أو شبه ذلك، على الحرمة خاصة أو على البطلان خاصة.
تفصيل السيد الوالد
فهذه مجموعة من الأقوال، وذهب السيد الوالد قدس سره إلى تفصيل آخر في الأصول إذ قال (والنهي في المعاملة إن كان دالاً([5]) على ان الثمن لا يقع ثمناً، أو المثمن، أو كليهما كذلك، مطلقاً، أو من شخص خاص، أو على عدم التسبيب بهذا السبب إلى هذا المسبب، أو عكسه، دل على البطلان، وإن كان العقد حراماً بجهة من الجهات، فلا)([6]).
ولكنه قدس سره عدل عن ذلك في الفقه إذ ارتأى، كما نقلنا نص عبارته سابقاً، إفادة النهي في المعاملة البطلان والحرمة كأصل عام فلاحظ.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((الدَّهْرُ يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ وَيُجَدِّدُ الْآمَالَ وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ وَيُبَاعِدُ الْأُمْنِيَّةَ، مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ وَمَنْ فَاتَهُ تَعِب)) (نهج البلاغة: ص480).
---------------------------------------------------------------
([1]) في الأولى هي مؤيد وفي الثانية هي حجة.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |