204- موجز القول في الملك المبعض ذاتاً واثاراً وانه سنخ اخر ـ وهل السرقفليه منه ؟ وهل هي من الملك المؤقت ؟
الاحد 4 ذي الحجة 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائ
هم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(204)
مخلص الكلام في (الملك المبعض ذاتاً وآثاراً)
وملخص القول في هذا النحو من الملك في ضمن نقاط يتكفل بعضها بإمكانه وبعضها بعقلانيته وبعضها بوقوعه، ولا مانعة جمع إذ قد يفيد بعضها أكثر من إحدى الثلاثة:
الملكية أنواع وكل منها من سنخ
الأولى: إن للملكية أنواعاً بعضا من سنخ وبعضها من سنخ آخر، وليست الملكية، كما قد يتوهم، سنخاً واحداً والذي يدل على ذلك البرهان الإني إذ نجد بعض أنواعها تحمل خصائص الملكية المعهودة وبعضها لا تحمل بعض خصائصها التي تعد ذاتية لها؛ فإن تخلف الذاتي، دليل على تعدد الذات، عكس تخلف العرضي.
التلف قبل القبض من مال بائعه
ويمكن التمثيل ذلك بأمثلة منها: إن التلف قبل القبض من مال مالكه، وقد سبق[1] (التلف قبل القبض من مال بائعه سواء أكان التلف بآفة سماوية أم أرضية، وكذلك إذا تعذر الوصول إليه وإلى بدله سواء أكان بتوسط فاعل مختار كما لو سُرق أم لا كما لو غَرق، مع أنه ملك للمشتري ومع فرض كون يد البائع يداً أمينة وعدم كونه متعدياً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان النماء للمشتري مع أن من له الغنم فعليه الغرم، وذلك لوضوح أن العقد يتم بالإيجاب والقبول وان المشتري يملك المثمن بذلك من غير أن تتوقف الملكية على أمر آخر ومقتضى ذلك أن يكون تلف المثمن عليه ومن كيسه في فرض عدم تعدي البائع وعدم تفريطه، لكن الشارع وهو سيد العقلاء وهو ممن بيده الاعتبار بل سيد من بيدهم جعل التلف من مال الأجنبي[2] لا من مال المالك[3]، مما يكشف منه ان هذا نوع آخر من الملكية إذ النوع المعهود لا يكون فيه التلف إلا من مال المالك إلا لو تعدى الغير أو فرّط.
وبعبارة أخرى: ذاتي الملك حسب المرتكز في الأذهان هو انه لو تلف من غير تعدٍّ من أحد ولا تفريط فانه يتلف من مالكه أي انه يكون هو الخاسر فهذا مقتضى ذات الملك حسب الارتكاز العرفي بل والمتشرعي، فإذا رفع[4] في موطن بأن جعل التلف على الغير كشف ذلك عن ان هذا السنخ من الملك سنخ آخر مغاير للسنخ المعهود، والالتزام بكونه من نفس السنخ لكنه رتب عليه حكم مضاد بعيد جداً إن لم يكن ممتنعاً مادام ان كون الخسارة على المالك إذا تلفت بضاعته من غير تعدٍّ من أحد أو تفريط يعد خصيصة ذاتية للملك).
وبعبارة أخرى: للملك خصيصتان ذاتيتان:
الأولى: أنه إذا تلف فإنه يتلف بطبعه من مال مالكه، وقيد (بطبعه) يفيد أنه مقتضى ذات كونه ملكاً وكون صاحبه مالكاً إذ إنه اعتبار مضاف له وفي حيطته فإذا انعدم انعدم فيه، أما كون التلف على الغير فخلاف مقتضى طبعه وبما هو هو ولذا كان مرتهناً بدليل خارج ككون التلف على اليد العادية والمعتدي مطلقاً.
الثانية: إن منافعه ، بطبعها، لمالكه.
وكلتاهما على القاعدة فإن من له الغنم فعليه الغرم.
لكننا نجد أن المملوك بعد العقد وقبل القبض واجد للخصيصة الثانية دون الأولى؛ فإن منافعه للمشتري لكن خسارته وتلفه على البائع مع أنه ليس بمالك ولا يده يد عدوانية بل هي يد أمانية، فهذا دليل على أن هذا سنخ آخر من الملك، فلتكن السرقفلية كذلك، ولو احتمالاً وسيأتي الكلام عنه.
الحيثيات التقييدية منوِّعة لذيها
الثانية: إن الحيثيات التقييدية منوعة لذيها فالشيء بحيثيةٍ مغايرٌ له بحيثيةٍ أخرى وهذا من الفوارق بين الشرط والقيد فإن الشرط التزام في التزام ولذلك قالوا بأنه إذا فسد الشرط لا يفسد المشروط، أما القيد فإنه داخل في حقيقة المقيَّد فإن المقيد عبارة عن ذات الشيء مع قيدهُ لذا إذا انتفى القيد انتفى المقيد، نظير: (تقيّد جزءٌ وقيد خارج)[5] وقد مضى تفصيل ذلك[6] تحت عنوان (إدراج (الخلو) في الثامن وهو المبعض ذاتاً وآثاراً بحيثية تقييدية) فراجع.
وإجماله: أن الملكية أمر اعتباري والاعتباري أمره بيد المعتبر وعليه فله أن يهب أو يبيع أو يصالح الأشجارمثلاً من حيثية كونها مثمرة، لزيد، ومن حيثية كونها ذات فوائد أخرى كالاستظلال وكأوارقها وأغصانها اليابسة وغير ذلك، لعمرو.
ولا إشكال في إمكان ذلك، كما لا ينبغي الإشكال في حسنه إذا تعلق بذلك الغرض العقلائي للبائع والمشترِيَين جميعاً، ولذا صح بيع العين محجوبة عنها بعض منافعها كبيع الكتاب بدون منفعة حق الاقتباس أو الطبع، بل صح بيع الشيء بشرط أن لا يبيعه لعمرو مثلاً مع أنه من منافعه ومن مقتضيات سلطنته.
ويمكن التمثيل شرعاً للملك بحيثية دون حيثية أخرى بما مضى[7] من (ملكية الميت لثلثه الذي أوصى به للعبادات
ومنها: بقاء ثلث الميت على ملكه فيما إذا أوصى به للإتيان بالعبادات عنه، على حسب ما افتى به جمع منهم صاحب الجواهر، قال: (ومنها: أنّه مبنيّ على عدم قابلية استدامة ملك الميت، وهو ممنوع أيضاً؛ ضرورة بقاء ملكه على ثلثه الذي أوصى بصرفه عليه في عبادة ونحوها)[8] وليس القصد، كما سبق، تبني هذا الرأي أو غيره مما سبق وسيأتي، بل بيان ان تحقق أنواع أخرى للملك مما لا ينبغي الريب فيه على حسب مباني المشهور في بعض المسائل كما سبق من مثال الوقف العام أو حسب مبنى بعض الفقهاء كهذا المثال (بقاء ملك الميت على ثلثه) وذلك لوضوح أن هذا السنخ من الملك مغاير تماماً للملك المعهود المرتكز في الأذهان إذ ثلث الميت ليس مما يصح له[9] بيعه ولا هبته ولا إيجاره ولا الصلح عليه ولا غير ذلك من التصرفات والتقلبات الثابتة للمالك، سواء منها ما هو ذاتي للملك وما هو عرضي له، بل ان سلطنته، أي الميت، هي غير سلطنة الملاك على أملاكهم جزماً إذ لا سلطنة له عليه أبداً إلا ما اثبته الشارع له من صرفه في العبادات حسب ما أوصى به وهذا مما لا يعد في العرف ملكاً أبداً ولا هو كذلك في المعهود مما اعتبره الشارع ملكاً فهو – لو قبلنا مسلك الجواهر – نوع آخر من الملك، بل انه أدون رتبة من أنواع (الحق)[10] فكيف يكون ملكاً[11] ؟)
وعليه: من الممكن أن تخرج السرقفلية على هذا الوجه والنحو أيضاً.
إمكان الملك الموقت وحسنه ووقوعه
الثالثة: إن الملكية المؤقتة قد يقال بأنها مما لا نعهده في الشريعة إطلاقاً فإنه إذا اشترى أو وُهِب له أو مَلَكَه بالإرث أو غير ذلك، كان له مطلقاً إلا لو أخرجه عن ملكه بمخرِج، إما أن يكون ملكاً له لمدة عشر سنين مثلاً فذلك مما لم يرد في الشارع ولم يعهده المتشرعة.
وفيه: إنه بعد إمكانه عقلاً لأنه اعتبار أمره بيد المعتبر، وبعد حسنه إذا تعلق به الغرض، قد يقال بأنه وقع نظيره في الشارع ولدى العقلاء في موارد عديدة :
أما لدى العقلاء فإن من الدارج الآن بيع الشقق في الفنادق او مستقلة بحيث تكون ملكاً للمشتري أياماً في السنة من كل عام[12]
ملكية المرأة لتمام المهر قبل الدخول
وأما لدى الشارع فله أمثلة: منها: ملكية المرأة لتمام المهر قبل الدخول، فإنها تملك نصفه بمجرد العقد، أما النصف الآخر فمعلق على الدخول، فإن دخل بها استقر ملكها له وإن طلّقها قبل الدخول عاد إليه، فهذا الملك الذي عبروا عنه بالمتزلزل هو في الواقع ملك مؤقت على تقدير، بل إن مطلق الملك المتزلزل، كالملك المعاطاتي على رأي، هو كذلك، فتأمل.
وعليه: من الممكن أن تُخرّج السرقفلية على هذا الوجه أيضاً، وذلك بأن يقال بأنه في السرقفلية يبيع المحلّ له ويملكه إياه ملكاً مؤقتاً لعشر سنين مثلاً فإذا انتهت ولم يجدد العقد عادت الملكية للبائع، وإذا صح ذلك فإنه يتفرع عليه أن له إيجاره في هذه المدة عن نفسه لأنه المالك لا عن المالك من باب الوكالة أو الإذن أو الشرط وغير ذلك، وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى على محمد وآله الطاهرين
قال الامام الباقر عليه السلام: (من كفَّ عن أعراض الناس أقاله الله نفسه يوم القيامة، و من كفّ غضبه عن الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة)
------------------------------------------------------------------------
[1] - البيع الدرس (174)
[2] - وهو البائع إذ صار أجنبياً عن ملكية المثمن ببيعه له.
[5] - (والحصة الكلي مقيداً يجي تقيّد جزء وقيد خارج) .
[10] - كحق التحجير وشبهه إذ لذي الحق الكثير من التقلبات فيه.
[11] - أي ملكاً بالمعنى المعهود.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
[1] - البيع الدرس (174)