241- توضيح رابع اقسام الحكومة (الناظرية لاثار الحكم) وبحث عن معنى آية (وما كنا معذبين) وحكومة الاية على اصالة الحظر او ورودها
الاثنين 11 شعبان 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(241)
إشكال: رفع العذاب مستلزم لرفع الحرمة
لا يقال: ان رفع العذاب والعقاب يستلزم رفع الحرمة والوجوب فانه لازمهما ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم؟.
الجواب: رفعه أعم من رفعها إذ ثبوتها أعم من ثبوته
إذ يقال: كلا؛ إذ استحقاق العقاب لازم للحرمة أو الوجوب بالمخالفة، أما العذاب نفسه([1]) فالحرمة لا تستلزمه ولا يلزمها فهي أعم منه فان الحرمة قد تكون ثابتة بينما تكون العقوبة مرتفعة، كما في صورة الشفاعة أو الاستغفار أو حتى العمل الصالح الذي تُبدَّل به السيئات حسنات، فان الشفاعة مثلاً لا ترفع الحرمة الثابتة في ظرفها ولا ينقلب بها المحرم محللاً بل ترتفع الأثر فقط، وكذا التوبة، وأما تبديل السيئات حسنات بالعمل الصالح، والذي هو على العكس من الحبط تماماً، فانه في مرحلة العلة المبقية لا المحدثة لبداهة ان الحرام لا ينقلب إلى حلال في ظرف وقوعه بسبب العمل الصالح اللاحق الذي سبّب تبديله إلى حسنة، بل لعل التبديل إنما يكون في الآخرة لا من حين حدوث العمل الصالح.
الشفاعة ونظائرها ترفع العقوبة لا الحرمة
ويؤكِّده بل يدلّ عليه: ان الشفاعة لا تنفي استحقاق العقوبة بل تؤكدها إذ مقتضاها هو: انه رغم استحقاقه للعقوبة يشفع له كي لا يعاقب، واستحقاق العقوبة فرع الحرمة فلو لم يكن حراماً، ببركة الشفاعة، لزم الدور إذ لا تكون شفاعة إلا بعد الاستحقاق ولا يكون استحقاق إلا بكونها معصية اقتحمها فلو كانت الشفاعة سبباً لعدم كونها معصية لما كان استحقاق فما كانت شفاعة، هذا خلف ودور إذ كيف يتوقف الشيء على ما ينفيه؟ وما يلزم من وجوده عدمه محال فتدبر جيداً.
فإذا ظهر ذلك ظهر انه لا وجه للقول بان لسان الآية وإن كان لسان رفع العذاب إلا انه كناية عن رفع ملزومه وهو الحرمة؛ إذ اتضح انها عرفاً وعقلاً أعم.
مقتضى الامتنانين: إبقاء الحرمة ورفع العقوبة
إضافة إلى ان مقام الامتنان يفيد رفع العقوبة رغم الاستحقاق للعقاب بارتكاب الحرام، لا رفع الحرمة فانه خلاف الامتنان، بل مقتضى الجمع بين امتنانين هو إبقاء الحرمة وإلغاء العقوبة. بيان ذلك:
انه لا شك، لدى العدلية، في ان الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات فذلك يقتضي التحريم ورفعه خلاف الامتنان فانه تسويغ لاقتحام المفسدة البالغة فهذا من جهة، ومن جهة أخرى فانه كلما لم يُشفع العقل بالنقل (كما في ما قبل بعث الرسول) اقتضى الامتنان رفع العقاب وذلك ببالغ حكمة الله ولطفه، فان النفس أمارة بالسوء وهي من أكبر بواعث الإنسان نحو العصيان وقد عضدها الله تعالى بتسليط الشيطان عليه، وفي مقابل ذلك أودع الله في الإنسان العقل والعقل حجة باطنة وهو وافٍ بحكم المستقلات العقلية فيكون كل حرام عقلي مما يُستحق عليه العقاب بالمخالفة لكن الله حيث عضد النفس بالشيطان إمتنَّ على عبيده برفع العقاب عن مخالفة الحجة الباطنة إلا بعد عضدها بالرسول والنقل ولذلك قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)([2]) مع انه كان له العقاب بمجرد قيام الحجة الباطنة.
والحاصل: ان مقتضى مجموع الامتنانين: هو ثبوت الحرمة ورفع العقاب قبل إرسال الرسل:
أ- الامتنان بالتحريم والإيجاب لما في متعلقاتهما من المصالح أو المفاسد فانه لو لم يحرّم أو يوجب كان خلاف المنّ وخلاف الحكمة.
ب- والامتنان برفع العقوبة قبل عضد العقل بالنقل لما سبق، فتكون محصلة ذلك: ان المستقلات العقلية محرمة كلها قبل إرسال الرسل لكنها مرفوع عنها العذاب، اللهم إلا ما كان منها بالغ الضرر كقتل النفس المحترمة مما يقطع بانصراف (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) عنه. فتأمل
المحتملات الثلاث في (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...)
ثم إن المحتملات في متعلق قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ثلاثة:
الأول: رفع العذاب عن المستقلات العقلية وعمّا حكم به العقل، فيكون معناها: (وما كنا معذبين على مخالفة ما حكم به العقل حتى نبعث رسولاً).
الثاني: رفع العذاب عن مخالفة الأحكام الشرعية، فيكون معناها (وما كنا معذبين على مخالفة الواجبات والمحرمات الشرعية حتى نبعث رسولاً).
وقد يتوهم امتناع هذا المعنى إذ لا طريق لنا إلى الأحكام الشرعية إلا السمع فلا يجوز العقاب على مخالفتها قبله؟ فلا معنى للامتنان برفع العذاب حينئذٍ بل الاخبار به، من غير امتنان، أيضاً مستهجن!
إذ يجاب: بل هو ممكن وذلك لامكان الاحتياط باجتناب كل ما يحتمل حرمته وفعل كل ما يحتمل وجوبه وقد سبق بيانه في أدلة أصالة الحظر بل هو حسن نظراً لحق المملكة والمملوكية الذاتية كما سبق بيانه، نعم لا يمكن الاحتياط في المخترعات الشرعية المركبة مما لا يدركه العقل عادة، وعليه فإذا أمكن ذلك ولو في الجملة أمكن المعنى الثاني والثالث الآتي أيضاً.
الثالث: الأعم من الأولّين، والأوسط([3]) أبعد الوجوه بل هو بعيد، والآخران كلاهما محتمل على ان الثاني، بالتوجيه الذي ذكرناه، من مصاديق الأول([4]) فتأمل.
الآية([5]) من القسم الرابع من أقسام الحكومة ووجهه
ثم انه إذا ثبت ان المرفوع بالآية هو العذاب لا الحكم، اتضح وجه اعتبارنا قسماً رابعاً للحكومة؛ فانه([6]) ليس من الحكومة الواقعية بالمعنى الذي ذكره الميرزا كما هو واضح إذ لا توسعة أو تضييق في الواقع ولا تنزيل لموضوعٍ منزلة موضوعٍ آخر، ولا من الحكومة بالمعنى الذي ذكرناه إذ لا توجد حيثية تقييدية تكون بضمها لموضوع حكم موضوعاً لحكم آخر مضاد للأول، ولا هي من الحكومة الظاهرية التي قوامها بلسان الكاشفية عن الحكم الواقعي؛ إذ الفرض ان الآية غير متطرقة للحكم بالمرة بل هي متطرقة لبعض آثاره.
تحقيق نسبة الآية إلى أصالة الحظر على اختلاف مداركها
وأما وجه عدّه من الحكومة فهو انطباق بعض مقاييس الحكومة عليه، كما سيأتي.
كما انه ليس من الورود لوضوح عدم إزالة الآية لموضوع قاعدة الحظر إن كان الدليل عليها هو حق المملكة أو المملوكية الذاتية أو حق الاطاعة بوجهٍ جعلناه موضوعاً للقاعدة([7]) فان الآية لا تزيل المملكة والمملوكية ولا الحق النابع منها بل تتطرق للحكم فقط.
نعم لو كان مستند أصالة الحظر دفع الضرر الأخروي كانت الآية واردة إذ تزيله حقيقة بعناية التعبد.
أما لو كان المستند دفع الضرر الدنيوي فالآية أجنبية عنه وإلا فحاكمة([8])، إلا لو أريد عذاب الاستئصال فمخصِّصة أو حاكمة، فتأمل فانه دقيق وبالتدبر والتفكر حقيق.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقُ عِيَالِي فَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ أَلْطَفُهُمْ بِهِمْ وَأَسْعَاهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ" الكافي: ج2 ص199.
...................................................
الاثنين 11 شعبان 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |