240- بحث مبنوي: اقسام الحكومة الاربع ومناقشة مع الميرزا النائيني في حصرها بنوعين
الاحد 10 شعبان 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(240)
أقسام الحكومة الأربع
وتحقيق ذلك يبتني على تحقيق حال الحكومة وأقسامها، وقد سبقت أقسام للحكومة في مبحثها، وحيث ابتنى البحث ههنا على هذا التقسيم الجديد كان من اللازم بيانه والاحالة هناك على ما ههنا (ويمكن العكس أيضاً) فنقول:
قسّم الميرزا النائيني الحكومة إلى قسمين([1])، لكن الأكمل والأدق هو انها تنقسم إلى أربعة أقسام:
1- الحكومة الواقعية
القسم الأول: الحكومة الواقعية.. قال الميرزا النائيني: (والفرق بين الحكومة الواقعية والحكومة الظاهرية، هو أن الحكومة الواقعية توجب التوسعة والتضييق في الموضوع الواقعي، بحيث يتحقق هناك موضوع آخر واقعي في عرض الموضوع الأولى كما في قوله "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"([2]) )([3]).
2- الحكومة الظاهرية
القسم الثاني: الحكومة الظاهرية.. قال الميرزا النائيني: (وهذا بخلاف الحكومة الظاهرية مع ما لها من العرض العريض: من حكومة الأمارات بعضها على بعض، وحكومتها على الأصول، وحكومة الأصول بعضها على بعض، وحكومة الجميع على الأحكام الواقعية، فإنه ليس في الحكومة الظاهرية توسعة وتضييق واقعي، إلا بناء على بعض وجوه جعل المؤدّى الذي يرجع إلى التصويب.
وأما بناء على المختار: من عدم جعل المؤدّى وأن المجعول فيها هو الوسطية في الإثبات والكاشفية والمحرزية، فليس هناك توسعة وتضييق واقعي، وحكومتها إنما تكون باعتبار وقوعها في طريق إحراز الواقع في رتبة الجهل به، فيكون المجعول في باب الطرق والأمارات والأصول في طول الواقع لا في عرضه. وليس للشارع حكمان: حكم واقعي وحكم ظاهري، بأن يكون تكليفان مجعولان شرعيان: أحدهما تكليف واقعي، والآخر تكليف ظاهري، فان التكليف الظاهري بهذا المعنى مما لا نعقله)([4]).
الفرق بين الحكومتين
وبعبارة أخرى: في الحكومة الواقعية موضوعان لكل منهما أحكام وقد نُزّل أحدهما منزلة الآخر موضوعاً بلحاظ بعض آثاره وأحكامه اي ليترتب بعض أحكام المنزل عليه على المنزَّل.
وأما في الحكومة الظاهرية فهناك حكم واقعي فان شككت فيه فالبراءة الظاهرية أو شبه ذلك([5]) وإن قامت عليه الأمارة فقد أحرزته، ففي الحكومة الظاهرية إحراز للواقع وفي الحكومة الواقعية صنعٌ للواقع، فذاك كاشف وهذا صانع أو موجِد، وإن شئت فقل: في الحكومة الواقعية إنشاء وإيجاد وفي الحكومة الظاهرية إخبار وكشف.
وهذا هو المختار([6])، لكن الميرزا النائيني اختار وجود الجعل والإنشاء في الأمارات قال: (وأن المجعول فيها هو الوسطية في الإثبات والكاشفية والمحرزية، فليس هناك توسعة وتضييق واقعي) (فيكون المجعول في باب الطرق والأمارات والأصول في طول الواقع لا في عرضه) لكنه إنشاء للحجية والكاشفية والوسطية في الإثبات وليس إنشاء للواقع أو للمؤدّى وتصرفاً فيه عكس "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ" أو (لا شك لكثير الشك) فانه تصرف في المؤدى والواقع.
3- حكومة العناوين الثانوية
القسم الثالث: حكومة العناوين الثانوية على العناوين الأولية، كحكومة لا ضرر ولا حرج على وجوب الصوم مثلاً؛ فانها ليست من الحكومة الواقعية بالتعريف الذي عرفها الميرزا به ولا هي من الحكومة الظاهرية:
أما انها ليست من الحكومة الواقعية فلأنها – حسب تعريفه – (توجب التوسعة والتضيق في الموضوع الواقعي، بحيث يتحقق هناك موضوع آخر واقعي في عرض الموضوع الأولى) فهناك – بصريح كلامه - موضوعان نزّل أحدهما منزلة الآخر، أما في لا ضرر فلا يوجد موضوعان بل موضوع واحد متفصِّل تارة بفصل الضرر وغير متفصل به تارة أخرى ولكل منهما حكم ولا تنزيل بالتوسعة أو عكسه بالتضييق.
وبعبارة أخرى: الضرر من (المحمول بالضميمة) المقابل لـ(المحمول من صميمه) أما في التوسعة والتضييق فلا يوجد محمول بالضميمة بل تنزيل لموضوع بتمامه منزلة موضوع آخر بتمامه، اعتباراً.
نعم كان له ان يوّسع تعريفه للحكومة الواقعية لتشمل القسم الثالث، إلا ان ذلك وإن أمكن وصحّ لكنه لا ينفي كونهما نوعين حقيقة وإن أمكن العثور لهما على جامع، ولذا([7]) انكر حكومة العناوين الثانوية على الأولية بعضٌ مع إقراره بالحكومة بالتوسعة أو التضييق.
والتعميم بان يقال مثلاً: الحكومة الواقعية هي ما توجب تصرفاً في الموضوع الواقعي بالتوسعة بإدراج موضوع آخر فيه أو بالتضييق بإخراج بعض أفراده منه موضوعاً، أو بضم قيد وحيثية تقييدية توجب تغير الحكم. فتأمل.
الثمرة: فالحكومة أعم من باب التزاحم
ثم انه قد ظهر مما ذكرناه حتى الآن: ان الحكومة أعم من باب التزاحم والتعارض؛ وذلك لأن الحكومة الظاهرية من باب التعارض أي من مستثنيات بابه لانها من التعارض غير المستقر.
وأما الحكومة الواقعية فهي من التزاحم الملاكي، بكلا قسميها:
أما القسم الثالث: فلأن الضرر ملاك مزاحم لملاك وجوب الصوم وحيث كان أقوى تغلب وتقدم فجعل المولى الحكم على طبقه.
وأما القسم الأول: فلأن الظاهر هو ان في الحكومة التضييقة في مثل "لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِباً..."([8]) و(لا شك لكثير الشك) ملاكاً مزاحماً اقتضى تحليل الزيادة الربوية بين الوالد والولد مقابل ما فيه من المفسدة وكذلك (لا شك...) ولعله لمصلحة التسهيل أو لمصلحة طرد الوسوسة فان التسهيل فيها من مقتضيات ترويح الأعصاب ودفعها. فتأمل
فرق أنواع الحكومة الثلاثة
والحاصل: انه ظهر بذلك انه:
في الحكومة الظاهرية لا يوجد حكم آخر بل مجرد إحراز للحكم الواقعي مقابل عدمه.
وفي الحكومة الواقعية - القسم الذي ذكره الميرزا، جرى تعميم حكم إلى موضوع آخر لكن بتوسعة موضوع الأول ليشمله، أو بالعكس تضييقه كي لا يشمله كـ"لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِباً...".
وفي الحكومة الواقعية – القسم الذي ذكرناه يوجد حكمان غالب ومغلوب وقد أزال أحدهما الآخر لكن لا بإزالة موضوعه لفرض عموم حكم وجوب الصوم في حد نفسه للضرري منه وإخراج لا ضرر له منه لتزاحم الملاكين.
وبذلك يتضح فرق الأقسام الثلاثة السابقة عن القسم الرابع الآتي وهو:
4- حكومة ما ينفي آثار الحكم
القسم الرابع: حكومة مثل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)([9]) على قاعدة الحظر المستندة إلى حق المملكة أو حق المملوكية الذاتية أو حق الطاعة وشبه ذلك، وهذا نوع آخر من الحكومة إذ لا يتطرق الحاكم إلى حكمٍ ولا يتضمنه بل إنما لسانه رفع العذاب ورفع العذاب أعم من رفع الحكم إذ قد يكون حراماً ويرفع العذاب عن مرتكبه تفضلاً أو للشفاعة والتوبة وشبه ذلك، وعليه فمفاد الآية – على هذا – ان ما حُظِر عقلاً لا نُعذب عليه ما دمنا لم نبلغه لكم نقلاً، وهذا أعم من رفع حرمته ثبوتاً. فتأمل، وسيأتي وجهه وتتمة البحث بإذن الله تعالى.
البحوث الثلاث المتشابكة
تنبيه: لقد سبقت ثلاثة بحوث متشابكة إذ كان بعضها يعود مبنىً إلى البعض الآخر وكل منها له الموضوعية في مباحثنا في حد ذاته:
البحث الأول: حكومة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) على أصالة الحظر وشبهها مما عنوناه بـ(بحث تطبيقي آخر: قاعدة "قبح العقاب بلا بيان ممن مِن شأنه البيان" )([10])
البحث الثاني: جريان الورود والحكومة في موارد التزاحم([11]).
البحث الثالث: أنواع الحكومة الأربع([12]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمَانِي خِصَالٍ: وَقُوراً عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُوراً عِنْدَ الْبَلَاءِ شَكُوراً عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعاً بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ.
لَا يَظْلِمُ الْأَعْدَاءَ وَلَا يَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ.
بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ.
إِنَّ الْعِلْمَ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ وَالْحِلْمَ وَزِيرُهُ وَالْعَقْلَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَالرِّفْقَ أَخُوهُ وَالْبِرَّ وَالِدُهُ"
الكافي: ج2 ص47.
...............................................
الاحد 10 شعبان 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |