166- بحث عن ان الائمة مخبرون عن الاحكام او منشؤون لها ـ وهل هم مخبرون عن وجوداتها الاقتضائية او الانشائية
الثلاثاء 27 ربيع الاول 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(166)
مناقشة انهم (عليهم السلام) مخبرون غير منشئين
سبق (الثاني: أن الأئمة (عليهم السلام) مخبرون وليسوا منشئين، فانهم حيث أودع الرسول (صلى الله عليه وآله) الأحكام لديهم (إما عبر الصحيفة والمصحف والجامعة والجفر أو عبر النقل باللعاب أو غيره كما ورد في بعض الروايات – وربما يعود ذلك إلى نقل كيماوي للمعلومات عبر اللسان بطريقة متطورة برمج الله تعالى بها أبدانهم (عليهم السلام) أو عبر عمود النور أو غير ذلك)، فانهم يبينون الأحكام تدريجاً، فالأحكام كلها إذاً كانت مجتمعة لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تدرجوا في بيانها لِحكَم مختلفة فهي مجتمعة ثبوتاً متفرقة إثباتاً)([1]).
لكن ذلك أي (القول بأنهم (عليهم السلام) مخبرين وليسوا منشئين) قد يناقش فيه بإحدى وجوه ثلاثة:
1- لأن التشريع في الجملة مفوض لهم
الأول: أنهم منشؤون استناداً إلى أن التشريع في الجملة قد فوض إليهم كما فوّض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجملة مما عبّر عنه في الروايات بسنّة النبي (صلى الله عليه وآله) وعبّر عما جعله الله مباشرة بفرض الله، وقد دلت على ذلك بعض الروايات مما يستدعي عقد بحث كلامي خاص وقد أشرنا إلى بعض البحث في كتاب (فقه المعاريض والتورية).
لكن هذا الوجه حتى وإن صح لكنه في الجملة إذ أن بعض التشريع فوض لهم (عليهم السلام) والظاهر أن ما ذكروه من الأحكام، مما جرى البحث عن أنه إنشاء أو إخبار، أغلبه من دائرة ما لم يفوض لهم بل مما جعله الله أو الرسول (صلى الله عليه وآله). فتأمل والأمر بحاجة إلى تتبع وتفحص واسع وإلى تأمل في فقه روايات التفويض لهم، بعد الإذعان بأصله، لاستكشاف حدوده إن أمكن.
2- انهم (عليهم السلام) منشؤون بعد إنشائه (صلى الله عليه وآله)
الثاني: أنهم منشؤون بإنشاءً بعد إنشائه (صلى الله عليه وآله)، بأن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) قد انشأ الأحكام ثم أودعها لديهم (عليهم السلام) حتى يحين حينُ ذكرِها ثم هم (عليهم السلام) ينشؤونها إذا حان الحين، وذلك كما يقال في النبي (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى الله تعالى فهل هو مخبر عن جعل الله للأحكام وإنشاءاته تعالى لها أو هو منشأ؟ والظاهر البناء على أنه (صلى الله عليه وآله) منشئ([2]) فكما أن جعل الله للأحكام وإنشائه لها لا ينافي إنشاءه (صلى الله عليه وآله) لها مرة أخرى، كذلك إنشاء الله تعالى لها أو إنشاء الرسول (صلى الله عليه وآله) لها لا ينافي إنشاءهم لها مرة أخرى.
الإشكال باستحالة الإنشاء الجديد:
وقد يورد عليه باستحالة الإنشاء الجديد لأنه إما أن يوجَد به نفس الوجوب الموجَد بالإنشاء السابق أو غيره؟ فأما إيجاده بنفسه فتحصيل للحاصل وأما إيجاده لغيره فمستلزم لاجتماع المثلين وكلاهما محال.
أجوبة ومناقشات
وقد يجاب: أولاً: بالنقض بإنشاء الرسول بعد إنشاء الله إلا أن يلتزم بأنه مخبر أيضاً.
وثانياً: بالحل بأن الإنشاء الجديد يفيد تأكيد الوجوب، لكن هذا وإن أمكن ونخلص به من إشكال الاستحالة، لكنه بحاجة إلى دليل في عالم الإثبات.
وثالثاً: بالحل أيضاً بأن الإنشاء إيجادٌ لاعتبارٍ وهو خفيف المؤونة فيمكن إيجاده مرة أخرى كما يمكن اجتماع اعتبارين، وذلك مبني على أن الاعتبار خفيف المؤونة فيمكن فيه ما لا يمكن في الوجودات الحقيقية.
لكن قد سبق منّا مناقشة المبنى وأن المحال محال في كل الاصقاع وفي مختلف مراتب الوجود ومنها عالم الاعتبار.
الاستدلال على صحة الإنشاء بعد الإنشاء بالوقوع
وقد يستدل على صحة الإنشاء بعد الإنشاء بالوقوع فانه أدل دليل على إمكان الشيء وإن عجزنا فرضاً عن دفع شبهة الاستحالة، وذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الآمر بالمعروف بقوله: (صلّ) أو (صُم) منشِئ دون شك مع أن إنشاء الأمر بالصلاة سابق عليه صادر من الرسول أو الله تعالى في (أَقِمْ الصَّلاةَ) وشبهه.
وقد يجاب بأن الآمر بالمعروف منشِئ للجزئي (أي أمر هذا الشخص بهذا المعروف) وأمر الله بنحو القضية الحقيقية وهو منشئ للكلي.
وفيه: أن الأمر بالكلي الطبيعي انحلالي فالأمر بالصلاة منحل إلى آحادِ أمرِ هذا بهذه الصلاة وذاك وذياك وهكذا إذن فهو إنشاء بعد الإنشاء.
ومنه علم الجواب عن دعوى أن انشاء الله تعالى أو الرسول (صلى الله عليه وآله) إجمالي وانشائهم (عليهم السلام) تفصيلي؛ إذ الإجمالي انحلالي فقد انشأوا بعد الإنشاء فتأمل.
وقد يستدل أيضاً بأن الفقيه في قوله للعامي السائل: (صم) أو (كفّر) مثلاً منشئ.
وقد يجاب بأنه إخبار في قالب الإنشاء.
وفيه: بُعدُ دعوى كونه كذلك أو كونه غلطاً أو مجازاً فتأمل.
3- الوجودات الاقتضائية للأحكام مودعة لديهم (عليهم السلام) وهم منشؤون
الثالث: أن الأحكام بوجوداتها الاقتضائية مودعة لديهم ثم إذا حان حينها أنشأوها، وذلك هو ما يجاب به عن إنشاءات الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ قد يقال بأن الله تعالى أعلَمَ الرسولَ (صلى الله عليه وآله) بالمصالح والمفاسد والمزاحمات والموانع ثم انه (صلى الله عليه وآله) إذا رأى ارتفاع الموانع والمزاحمات أنشأ الحرمة أو الوجوب، فمثلاً: الخمرة قبل تحريمها كان الرسول محيطاً بأضرارها لكن وجود بعض الموانع عن تشريع الحرمة حال دون إنشاء تحريمها (كفرارهم عن الإسلام إذا ضيّق عليهم بنزول الأحكام دفعة واحدة) ثم حين زال المانع شرّع الرسول (صلى الله عليه وآله) حرمتها([3]).
وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فانه على مبنى عدم نسخ الأحكام([4]) فانه لم ينشئ كثيراً منها لوجود مزاحمات أو موانع أو عدم قابلية القابل إلا بعد مرور زمن فأودع علم مصالحها ومفاسدها وموانعها.. الخ لديهم (عليهم السلام) ثم في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) مثلاً حيث زال المانع انشأ الإمام الحكم العام أو أنشأ التخصيص أو التقييد أو التوسعة أو غير ذلك.
تحقيق المراد من أنهم مخبرون عنه (صلى الله عليه وآله): احتمالان
ثم إنه على فرض القول بأنهم (عليهم السلام) مخبرون عنه (صلى الله عليه وآله) فلا بد من تنقيح المراد بذلك وهل أنهم مخبرون عن إنشائه (صلى الله عليه وآله) لها جميعاً بألفاظها شفوياً أو كتابةً بأن يكون (صلى الله عليه وآله) قد قال عشرات الألوف من الروايات، لفظاً أو كتابة، وأودعها لديهم ثم هم (عليهم السلام) بالتدريج يخبرون عنها؟
وهذا وإن كان ممكناً لكنه بحاجة إلى دليل فقد يستدل عليه بما أودع في الصحيفة والجامعة والجفر وغيرها، وسيأتي.
أو أنهم مخبرون عن اجتماعها في قلبه الشريف وصقع نفسه بوجوداتها الاقتضائية لا بوجوداتها اللفظية والإنشائية؟
وللبحث صلة، وستأتي أيضاً ثمرة ذلك كله في المقام.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَكُونَ مُحَاسِبَ نَفْسِهِ، فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اسْتَزَادَ مِنْهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ مِنْهَا لِئَلَّا يَخْزَى يَوْمَ الْقِيامَةِ" تحف العقول ص301.
..............................................
الثلاثاء 27 ربيع الاول 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |