167- حل لمعضلة اجتماع الاحكام الشرعية عند الرسول (صلى الله عليه وآله)، ووجه عدم اخلالها بانتفاء الارادة الاستعمالية في المنفصلات
الاربعاء 28 ربيع الاول 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(167)
سبق إمكان توجيه كونهم (عليهم السلام) منشئين للأحكام، بأحد وجوه ثلاثة
محتملان في معنى كونهم (عليهم السلام) مخبرين عن الأحكام
وأما كونهم (عليهم السلام) مخبرين عنها فيحتمل فيه وجهان:
الأول: (أنهم مخبرون عن إنشائه (صلى الله عليه وآله) لها جميعاً بألفاظها شفوياً أو كتابةً بأن يكون (صلى الله عليه وآله) قد قال وأملى عشرات الألوف من الروايات، لفظاً أو كتابة، وأودعها لديهم ثم هم (عليهم السلام) بالتدريج يخبرون عنها؟)
الثاني: (أنهم مخبرون عن اجتماعها في قلبه الشريف وصقع نفسه بوجوداتها الاقتضائية لا بوجوداتها اللفظية والإنشائية؟)([1])
ثمرة الاحتمال الثاني: (انهم مخبرون عن وجوداتها الاقتضائية)
أما الثاني: فانه إذا ثبت ذلك فتكون ثمرته تقدم الحاكم والمخصص وغيرهما على أطرافها في مرحلة الإرادة الجدية دون الاستعمالية، لأنها من السالبة بانتفاء الموضوع إذ لا إنشاء ولا ألفاظ فلا ظهور كي تنثلم الإرادة الاستعمالية أو الدلالة الاستعمالية فانها استعمال اللفظ في الموضوع له من حيث ظهوره في أنه مرادٌ تفهيمه([2]) للسامع وإن لم يكن مراداً بالجدية.
وأيضاً: حيث لا لفظ فلا لسان من حيث كونه مخصصاً أو حاكماً بل تكون كلها بنحو واحد في جامع التخصيص اما كونه حاكماً أو مخصصاً فلا لأنه فرع دلالة اللفظ على المعنى، لكن هذا بناء على حصر الحكومة في اللفظية وعدم تعديتها للأدلة اللبّية. فتأمل
من أدلة الاحتمال الأول (انهم مخبرون عن وجوداتها الانشائية)
وأما الأول: فنقول: أولاً: أنه هو ما دلت عليه الروايات العديدة.
ومنها: (روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "أَمَا وَاللَّهِ، إِنَّ عِنْدَنَا مَا لَا نَحْتَاجُ إِلَى النَّاسِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَحْتَاجُونَ إِلَيْنَا، إِنَّ عِنْدَنَا الصَّحِيفَةَ، سَبْعُونَ ذِرَاعاً، بِخَطِّ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَإِمْلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا، فِيهَا مِنْ كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَنَا فَتَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فَنَعْرِفُ خِيَارَكُمْ مِنْ شِرَارِكُمْ"([3])
وهي ظاهرة في الشمول لعالم الإنشاء وعالم الاخبار، وفي الاستغراق لولا (من) فتأمل على أن إطلاق بعض الروايات الأخرى بل عمومها يحسم أصل الإشكال ولو فرض كون (من) للتبعيض فانها لا تقيد تلك العمومات بل حتى المطلقات فان إثبات الشيء لا ينفي ما عداه والمثبتان لا يقيد أحدهما الآخر حسب رأي، ولعل وجه المجيء بـ(من) لو كانت تبعيضية أن المراد مما لم يذكر فقد أودع فيها غيره.
ومنها: (روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: "...وَلَقَدْ خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عِنْدَنَا جِلْداً، مَا هُوَ جِلْدُ جِمَالٍ، وَ لَا جِلْدُ ثَوْرٍ، وَلَا جِلْدُ بَقَرَةٍ، إِلَّا إِهَابُ شَاةٍ، فِيهَا كُلُّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ وَالظُّفُرِ، وَخَلَّفَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) مُصْحَفاً، مَا هُوَ قُرْآنٌ، وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا، إِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ وَخَطُّ عَلِيٍّ (عليه السلام) "([4])
توهم لزوم كون منفصلاتهم (عليهم السلام) بحكم المتصلة في ثلم الاستعمالية
وثانياً: انه قد يتوهم منه ما سبق من (ويرد عليه: أن لازم ذلك تعميم الأمر إلى المخصص وغيره أيضاً فلم يكن ذلك إذاً فرقاً بينه وبين الحاكم، أي يلزم كون كافة المخصصات المنفصلة هي بحكم المتصلة في أنها تثلم الإرادة الاستعمالية أيضاً لا الجدية فقط، مع بداهة بطلان ذلك وعدم التزام أحد من الفقهاء به، وعلى أيّ فإما أن يثلم استحضارهم (عليهم السلام) لكل الأدلة والكلمات، الإرادة الاستعمالية فيها جميعاً من غير فرق بين الحاكم وغيره من مخصص وغيره، أو لا فيها جميعاً)([5]).
الجواب: بإمكان كونها بوجوداتها الانشائية، على وجهين
ولكن يمكن الجواب عن ذلك: بأنه لا يلزم منه ما ذكر، وذلك لأن وجود الأحكام بوجوداتها الإنشائية أي بألفاظ أو إنشاءات مكتوبة دالة عليها في صحيفة واحدة، أعم من كونها متصلة أو منفصلة؛ وذلك لأنه كما يحتمل أن تكون المخصصات، لو كان للعام أكثر من مخصص أو حتى مخصص واحد أو حاكم متصلةً بالعام فتمنع انعقاد الإرادة الاستعمالية إلا في الضيق، كذلك يمكن أن تكون متفرقة في الصحيفة أو الجامعة بأن تكون العمومات في باب والمخصصات في باب أو أبواب أخرى لحِكَم متعددة وقد يكون منها أن ثمرة الفصل صحة التمسك بالعام في موارد الشك إذ يكون قد انعقد عمومه أو إطلاقه بانفصال مخصصه عنه عكس ما لو اتصلت به مخصصاته فانه حيث انعقد ضيّقاً لم يمكن التمسك به في الفرد المشكوك انه من أفراد المخصص لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وحيث جهل ذلك في عالم الثبوت أي ما هو موجود في الصحيفة، يكون المرجع عالم الإثبات أي كيفية ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) للعام والمخصصات وكونها في بيانهم متصلة أم منفصلة فتكون هي المرجع.
لا يقال: يكفي الاحتمال في عالم الثبوت.
إذ يقال: كلا إذا انعقاد العموم متوقف على إثبات الانفصال والفرض انه مجهول.
فالمرجع في الاتصال والانفصال كلامهم (عليهم السلام) لا المخبر عنه
ومنه ظهر أن كونه حاكماً أو مخصصاً أو غيرهما أيضاً مما يؤخذ من لسان دليلهم الواصل إليها فهو الحجة علينا لا ما هو مرسوم في الجامعة أو غيرها فانه كما سبق مجهول لنا واقعه غير واصل إلينا إلا عبر ما ذكروه (عليهم السلام) فما ذكروه بكيفياته هو الحجة والمرجع.
معنى (كلماتهم (عليهم السلام) ككلام الواحد في المجلس الواحد)
وبما سبق ظهر: أن المراد من قولهم (فكلماتهم (عليهم السلام) ككلام الشخص الواحد في المجلس الواحد) المراد به: من حيث إحاطتهم جميعاً بسائر الكلمات الصادرة عن أي منهم (عليهم السلام)، وليس المراد منه: من حيث كيفية الاوامر واللسان وكونه بلسان الحكومة أو الورود أو التخصيص، أو كونها متدرجةً في الوجود أو مجتمعة؛ فان كلام الشخص الواحد في المجلس الواحد أيضاً على أنواع: فقد يفصل عامه عن مخصصه بكلام آخر بُغية انعقاد الظهور الاستعمالي له فيخرج عن الوحدة في مقام التخاطب وإن اتحد المجلس، وقد يصله به.
هل الحاكم التنزيلي يُعنوِن العام في ظرفه حدوثاً أو يعنونه بقاءً؟
ثم أن الحاكم التنزيلي قد يُعنوِن العام من ظرفه ومن حين انعقاد ظهوره([6]) فلا تنعقد له إرادة استعمالية وظهور حتى حدوثاً لكونه مراعى حينئذٍ، أو يُعنوِنه من حين صدوره([7]) بنحو العلة المبقية.
وتحقيق ذلك مبني على تحقيق حال العمومات الصادرة في الكتاب والسنة إذا كانت بنحو القضية الحقيقية وهل انها بوجودها السابق في ظرفها يُوجّه فيها الخطاب للمكلفين أو بوجودها المتجدد اعتبارياً نظير الحركة الجوهرية لكنه ليس بها إذ مع الإذعان ببطلانها يمكن القول بكون الاعتباريات مما يمكن فيها ذلك أو حتى القول بانه واقع.
وسيأتي بحث ذلك والاستدلال عليه والأخذ والرد فيه في البحث القادم بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الباقر (عليه السلام): "إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ" الكافي: ج1 ص35.
............................................
الاربعاء 28 ربيع الاول 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |