152- 3ـ صحة التعبد بالمجمل وان لم يترتب عليه العمل، لوجود ثمرات اخرى له 4ـ التعبد بسند العام المعارض، مثمر عملاً، على الاصل الثانوي وهو التخيير
الاثنين 5 ربيع الاول 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(152)
3- عدم انحصار ثمرة التعبد بالمجمل، في العمل به، كي تلزم اللغوية
إن التعبد بالمجمل صحيح عقلائي واقع فلا يصح قوله (المجمل المعلوم عدم معنى للتعبد بسنده) حتى لو قبلنا المبنى([1])، وذلك لأن الثمرة من التعبد بالمجمل والغاية منه لا تنحصر في العمل ليقال بأنه لا معنى للتعبد بحجية السند مع عدم إمكان العمل لكونه لغواً حينئذٍ؛ والثمرات المتصورة متعددة:
الثمرات: 1- الإذعان بالقصور
منها: الإذعان بالقصور، فقد يجعل المولى الحجية لخبر الثقة المتضمن للمجمل أو المجملات ويتعبدنا به (على مبنى انه يجعلها ويتعبدنا بها) لا للعمل بل لكي نذعن بقصور أذهاننا وضعف أفهامنا، وذلك لعله من حِكَمِ ورود الحروف المقطعة في القرآن الكريم؛ ألا ترى أنه يصح أن يتعبدنا المولى بصدور هذه الحروف المقطعة منه، بجعل حجية خبر الثقة وروايته لها وإن فرض (وفرض المحال وغير الواقع ليس بمحال) عدم وصوله لنا بطريق قطعي؛ لهذه الحكمة؟ فلا يقال: إن القرآن قطعي السند فلا جعل ولا تعبد إذ القطع حجيته ذاتية؛ إذ يجاب: أنه لو فرض أن المولى علم أن كلامه المشتمل على مثل هذه الحروف المقطعة لا يصل لنا بطريق قطعي، أفلم يكن يصح له أن يتعبدنا بحجية سند خبر الثقة الناقل له لمجرد انه لا يمكن العمل بهذا المجمل؟ وألم تكن تلك الحكمة (الإذعان بالقصور وأن القرآن مع أنه مكّون من مثل هذه الحروف لكنكم عاجزون عن تأليف مثله رغم أن كافة أدواته بأيديكم) كافية لجعل الحجية لهذا الطريق الظني؟.
2- الإيمان إجمالاً به
ومنها: الإيمان إجمالاً به، وهي ثمرة عملية فانها أعم من الجوارح والجوانح، فإن امتنع العمل الجوارحي للإجمال لم يمتنع الجوارحي بالإيمان إجمالاً، وهذا([2]) هو مفاد الآيات الكريمة في حكم المتشابه في القرآن الكريم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)([3]) على أحد التفسيرين فتأمل فالواجب الإيمان بأن المتشابه كالمحكم من عند ربنا وإن لم يمكننا العمل به لإجماله وتشابهه وتكفي هذه الثمرة لتشريع حجية السند الظني (كلما كان كذلك).
3- الامتحان
ومنها: الامتحان فقد يتعبدنا بالمجمل ليمتحننا؛ ألا ترى أنه تعبدنا بالظواهر المخالفة للواقع (كالظواهر الدالة على التجسيم كـ(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)([4]) و(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ)([5]) والظواهر الدالة على الجبر كـ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)([6]) وغيرها) ليمتحننا مع أن الاعتقاديات الغاية منها والمطلوب هو الاعتقاد بها فإذا أمكن أن يتعبدنا بسند([7]) ظواهر هي على خلاف الواقع كي يمتحننا أفلا يمكن أن يتعبدنا بالمجمل ليمتحننا؟
مناقشات وأجوبة
لا يقال: لكنه أقام القرينة في تلك الظواهر على خلافها من عقل ونقل.
إذ يقال: ذلك وإن صح إلا أن تلك الظواهر رغم القرائن هي التي سببت إضلال كثيرين قال تعالى: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ...)([8]) و(إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ)([9]) و(يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً)([10]) و( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ)([11]) والمصحح الامتحان فكذا المقام.
لا يقال: لكن ذلك غير تام في أحكام الفقه إذ الغرض منها العمل ومورد كلام العراقي هو روايات الأحكام؟.
إذ يقال: أولاً: ما سبق من عدم حصر الثمرة في العمل بل قد تكون، رغم تعذر العمل، لإحدى الجهات الثلاث السالفة، نعم لو أمكن العمل كان هو الثمرة الأولى وتكون بعض الثمرات الأخرى في طولها أو عرضها. فتأمل
ثانياً: سلمنا، لكن ذلك في المجمل من كل الجهات في كل الأزمنة؛ إذ الكلام في الأحكام المنشأة بنحو القضية الحقيقية فلا يضر الإجمال في عصر أو عصور أو جيل أو أجيال إذ المصحح حينئذٍ عمل من يلحقهم، فيكفي ارتفاع الإجمال زمن الظهور المبارك مثلاً حتى إذا حصرنا الثمرة في العمل، وإنما لا يصح جعل الحجية لما لا ثمرة عملية له في جيل أو زمان، في خصوص القضية الخارجية دون الحقيقية فتدبر جيداً.
الثمرة العملية هي التخيير بين المتعارضين حسب الأصل الثانوي
4- سلمنا لكن الثمرة العملية في المتعارضين بالتباين متحققة موجودة؛ فإن مجموع التخصيصات التي عارضت العام بشمولها لكل أفراده تكون بمنزلة عام واحد معارض فانها في عرض واحد تواجه العام؛ لما ثبت في بحث عدم انقلاب النسبة، وكما أن جعل الحجية للخبرين المتعارضين وتعبد الشارع إيانا بهما ليس بلغو بل هو الواقع الذي قد دل عليه الدليل، ولا يلزم (عدم انتهاء أمر سنده إلى العمل) كذلك جعل الحجية لمجموع التخصيصات؛ وذلك لوضوح أن الأصل الثانوي في الأخبار المتعارضة هو التخيير وهو ما دلت عليه الأخبار وألتزم به أعلام الأصوليين ومنهم المحقق العراقي بنفسه فكيف يقول بـ(وإلا يلزم طرح سنده أيضاً لعدم انتهاء أمر سنده إلى العمل)؟.
وكأنّ ذهنه الشريفة انصرف إلى مقتضى الأصل الأولي وهو التساقط إذ يصح عليه أن يقال: (أن جعل الحجية للمتعارضين وتعبدنا بالعام ومعارضه والعام ومجموع مخصصاته المستغرقة لكل أفراده لغو لأنه لا ينتهي أمر التعبد بسندهما إلى العمل) لكن المسلّم أن الأخبار دلت على التخيير كأصل ثانوي (أو التوقف، وسيأتي) فيكون الشارع قد تعبّدنا بسندهما (العام ومجموع مخصصاته) كي ننتهي إلى العمل بهما تخييراً، ولعل الحكمة في ذلك انه رأى أن العمل في الجملة بالحكم الواقعي([12]) (المتفرع على التخيير بينهما) خير من عدم العمل به مطلقاً (المتفرع على الحكم بالتساقط) أو هو خير حتى من العمل بالاحتياط ولو بلحاظ هذه المصلحة([13]) مع المصالح الأخرى.
وبعبارة أخرى: لا شك في أن الأصل الثانوي في المتعارضين هو التخيير والمقام صغرى المتعارضين، فكيف يُدّعى طرح سند العام المعارَض بمجموع مخصصات يكون مجموعها كعام معارِض واحد، لعدم انتهاء أمر سنده إلى العمل مع أن صريح الروايات الترجيح بالمرجحات السندية أولاً وإلا فالتخيير لا التساقط وطرح السند؟ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلَايَا لَا تَتَخَطَّاهَا وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ تَصَدَّقَ أَوَّلَ اللَّيْلِ دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ" من لا يحضره الفقيه: ج2 ص67.
.................................................
الاثنين 5 ربيع الاول 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |