60- تتمة مناقشتنا للمحقق اليزدي: الاستناد لقوله ((نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر)) لبطلان البيع على بعض المحتملات الاربعة دون غيرها
الاحد 26 جمادى الاولى 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(60)
ثاني المناقشتين مع المحقق اليزدي
سبقت مناقشتنا للمحقق اليزدي في مناقشته للمولى النراقي، بأول وجهي المناقشة وهو ان استدلاله على البطلان برواية (لا تبع ما ليس عندك) أعم من المدعى، وبقي الوجه الثاني لنقاشنا معه وهو:
ان الأدلة، على بطلان بيع الكلي الذي تعذر تسليمه لاحقاً أو عدمه والخيار فقط، لا تنحصر بهذا النبوي بل هناك أدلة أخرى قد يكون مقتضاها البطلان أو الخيار، على المباني والأقوال، وسوف نكتفي ههنا بذكر إحدى تلك الأدلة تاركين استنباط حال سائر الأدلة من حيث إنتاجها في المقام للطلاب الكرام، فنقول:
إذا كان مستند دعوى البطلان (نهى (صلى الله عليه وآله) عن الغرر)
واما لو كان مستند الدعوى هو حديث "أنّه نهى عن الغرر"([1]) "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ..."([2]) فان الاستدلال بهذا الحديث في دلالته على بطلان بيع الكلي المتعذر تسليمه لاحقاً في ظرفه أو عدمه، موقوف على تحقيق معنى (الغرر) فيه فان الغرر قد اختلف الأعاظم في تفسيره إذ قد فُسِّر بكلّ من الضرر، والخطر وقد يفسر بخوف الضرر، والخديعة، والجهل، فيما ارتأى السيد الوالد (قدس سره) انه مفهوماً غيرها وقد ينطبق على كل منها، وعلى أية حال فهناك صور عديدة للمسألة:
1- لو كان عاجزاً عن التسليم وكانا عالمين بذلك
فمنها: ما لو كان عاجزاً عن التسليم في وقته وكانا بذلك عالمين، فانه لا إشكال ولا خلاف في بطلانه، على ما صرح به في التنقيح([3])، فالحق في هذه الصورة مع المولى النراقي، كما انه لو كان المستند (لا تبع ما ليس عندك) كان الأمر كذلك، وقد يفصل بين وجود فائدة وعدمها وغير ذلك، مما يترك تحقيقه لما سيأتي في موطنه.
2- لو كان عاجزاً عن التسليم لكنهما اعتقدا القدرة
ومنها: ما لو كان عاجزاً عن التسليم في وقته لكنهما اعتقدا القدرة، فالحكم بالبطلان أو الخيار إذا كان المستند هذا الحديث، يعتمد على التفسير المختار للغرر في قوله (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر):
أ- إذا فسر الغرر بالضرر
1- فان فُسِّر (الغرر) بـ(الضرر) وأريد بالضرر الثبوتي منه نظراً لأن ظاهر الأسماء انها موضوعة للمسميات الثبوتية فان البيع باطل، ولا يغيّره الاعتقاد بالقدرة فان نهي النبي (صلى الله عليه وآله) إرشاد إلى البطلان كما هو الأصل في النواهي المتعلقة بالمعاملات ولو بمعونة فهم المشهور لذلك كما لـمّح إليه السيد الوالد في البيع وقد خرج منه ما خرج بالدليل كـ( وَحَرَّمَ الرِّبَا) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)([4])، وقد يناقش في إطلاق كونه ضررياً إذ قد لا يتوقف الانتفاع على التسليم والتسلم([5]) فلا يحكم بالبطلان حينئذٍ، وسيأتي بحثه في موطنه.
ب- إذا فسر بالجهل الثبوتي
2- وان فُسِّر (الغرر) بـ(الجهل الثبوتي) أي ما كان بالحمل الشائع الصناعي جهلاً وان ظنه أو اعتقده صاحبه علماً (فهو جهل مركب) فانه اعتقد القدرة على التسليم مع كونه عاجزاً واقعاً، فكذلك.
ج- إذا فسر بالخدعة
3- وان فسر (الغرر) بـ(الخدعة) فحيث انه لا يصدق عليه انه خدعه لتقوّم مفهوم الخداع بالالتفات فانه من المفاهيم التي يكون القصد والالتفات ذا مدخلية فيها، فالبيع صحيح إذ لم يخدعه مادام معتقداً بقدرته على تسليمه فلا يشمله نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر على هذا.
د- إذا فسر بالخطر
4- وان فُسِّر (الغرر) بـ(الخطر) وأريد به خوف الضرر، فالبيع صحيح كذلك إذ مع اعتقادهما بالقدرة على التسليم فلا خوف للضرر ولا خطر، هذا ان لوحظ الخطر وخوف الضرر موضوعياً وكحالة نفسية لاحظها الشارع كما فعل في خوف الضرر في الصوم.
واما ان لوحظ طريقياً للواقع فالبيع باطل، لوجوده واقعاً وان لم يلتفت إليه، لكن الخطر لو فسر بخوف الضرر فلعل ظاهره الأول. فتأمل.
هـ - إذا فسر بالجهل الاثباتي
5- واما ان فسر (الغرر) بـ(الجهل الإثباتي) أي ما كان به جاهلاً وعلم بجهله به أي انه كان جاهلاً جهلاً بسيطاً أي انه لم يكن عالماً بالقدرة على التسليم، فالبيع صحيح؛ إذ الفرض انه معتقد بقدرته فهو جاهل جهلاً مركباً وليس جهلاً بسيطاً فلا يشمله (نهى النبي عن الغرر) مع تفسير الغرر بالجهل البسيط([6]).
وبذلك: اتضح ان نقد المحقق اليزدي للمولى النراقي بان لازم كلامه هو بطلان البيع مع ان من المعلوم صحته والخيار، غير تام سواء أكان المستند هو (نهى النبي عن بيع ما ليس عندك) أم كان المستند (نهى النبي عن الغرر) فان كلا الحديثين فيه احتمالات وأقوال ومباني تختلف النتيجة سلباً وإيجاباً عليها.
ولنضف أخيراً بيان حكم عكس الصورة السابقة إتماماً للفائدة، إذ ليست هي مورد النقاش بين العَلَمين:
3- لو كان قادراً على التسليم وجهلا القدرة:
ومنها: ما لو كان قادراً على التسليم في وقته لكنهما لم يعلما بانه قادر على التسليم أو لا:
وقد ذهب الشيخ في هذه الصورة إلى البطلان فيما ناقشه المحقق الاصفهاني وقد اختار السيد الوالد رأي الشيخ، وإجمال التحقيق حسبما نراه: انه يختلف الحال على المباني السابقة في تفسير الغرر.
أ- فان فسر الغرر بالجهل، فالبيع باطل. ب- وان فسر بالضرر فلا.
ج- وان فسر بالخدعة فكذلك، إذ مع عدم علمهما معاً بالقدرة فلا خدعة، نعم لو جهل البائع القدرة وأوهم المشتري انه قادر (أي عالم بالقدرة) فقد خدعه حينئذٍ.
فعلى التفسير الأول، فان الحق: في نظير المسألة، مع النراقي ومع الشيخ، وعلى الثاني فلا، وعلى الثالث فالتفصيل.
د- وان فسر (الغرر) بـ(الخطر) وأريد به الخطر الطريقي، لا النفسي الموضوعي، فالبيع صحيح إذ لا خطر واقعاً مع وجود القدرة وان جهل بها غاية الأمر توهم الخطر، فالحق هنا مع الاصفهاني، ومع اليزدي إذا ذهب إلى ذلك في هذا النظير وإن أريد به الموضوعي ونفس (خوف الضرر) فحيث انه متحقق وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عنه فالبيع باطل.
بحث تمريني
تمرين: يستحسن بالطالب الكريم ان يلاحظ سائر الأدلة في المقام كـ(الملازمة بين صحة العقد ووجوب التسليم) و(ان الغرض الانتفاع ولا انتفاع إلا بالتسليم) وانه مع العجز عن التسليم يكون البيع (أكلاً للمال بالباطل) و(انه لا مالية لما لا يقدر على تسليمه) و(ان المعاملة سفهائية).. إلى غير ذلك ويستنتج منها لو تمّ احدها، النتيجة في المسألة من بطلان بيع الكلي غير المقدور على تسليمه في ظرفه أو صحته والخيار.
كما يستحسن به ان يلاحظ النسبة بين الأدلة وانه لو استند إلى مجموع روايتي (نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عندك) و(نهى النبي عن الغرر) بالمعاني السبعة للأول والمعاني الأربعة للثاني، فما هي المحصلة النهائية في مسألتنا بل والمسائل المشابهة؟
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
الاحد 26 جمادى الاولى 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |