37- المناقشة مع الميرزا على تقديري حضور وقت العمل وقبله ـ جريان الاشكال حتى في اصالة الاحتياط ـ الحق ان الغرضين مثلاً زمان ـ تفصيل الميرزا باشتراط الوثوق الشخصي وعدمه حسب الغرض الاول والثاني
السبت 14 ربيع الاول 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(37)
هل المراد الاعتذار قبل حضور وقت العمل أو عنده؟
وبعبارة أخرى: ان قوله (فانّ العبد ملزم بظاهر الكلام و ليس له الاعتذار باحتمال وجود القرينة المنفصلة على خلاف ما يقتضيه ظاهر الكلام، كما أنّه ليس للمولى إلزام العبد بغير ظاهر كلامه، وبالجملة المتبع في مقام الاحتجاج والاعتذار نفس ظهور الكلام لا غير)([1]) غير تام في المحاورات العرفية وفي محاورات الشارع وخطاباته باعتباره منهم بل سيدهم كما يذعن به الميرزا أيضاً كسائر الأصوليين، لوضوح انه مادام لم يحضر وقت العمل فله الاعتذار عن العمل لعدم حضور وقته فهو كالسالبة بانتفاء الموضوع، وعن الفحص إذ ليس أصل الفحص عن العمومات والإطلاقات والأدلة واجباً مادام لم يحضر وقت العمل ولم يُفوّت به([2]) معرفتَها حين حضوره، فكيف بمخصصاتها ومقيداتها المحتملة؟.
والحاصل: ان له الاعتذار لعدم انبعاثه عن أوامر المولى ونواهيه المحتملة أصلاً أو خصوصياتٍ([3]) أي الواصلة إليه مع احتمال وجود مخصص منفصل لم يصل إليه، بعدم حضور وقت العمل فكيف يجب عليه الفحص وتحصيل الأدلة والحجج على التكاليف لكي ينبعث إليها قبل وقت العمل بها؟
نعم لو فوّت بتأخير الفحص، القدرةَ على الانبعاث وقت حضور العمل، لوجب الفحص لأنه من حضور وقت العمل حينئذٍ. فتدبر
هذا مادام لم يحضر وقت العمل، واما لو حضر ولم يعثر على قرينة منفصلة رغم الفحص، دلّ ذلك، علماً أو علمياً، على عدم وجود المنفصلة، وإلا لكان المولى مغريا بالجهل بايصاله العام أو الحقيقة دون إيصاله قرينة المجاز أو التخصيص([4]).
3- لا مورد في العرف لكون الغرض صِرف البعث فقط
ثالثاً: ان المستظهر ان الشق الثاني من كلامه عن الغرض الآخر ((وفي المورد الّذي لم يتعلّق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلّم يُكتفى بظهور الكلام، كما إذا كان صدور الكلام لأجل البعث و الزجر و تحريك إرادة العبد نحو المؤدّى)([5]) لا تصوير له في المحاورات العرفية، كما انه لا صورة له في الخطابات الشرعية:
اما في الخطابات الشرعية فقد سبق([6]) نعم سيأتي تصويره في حالة ضياع قرائن كثيرة يعلم بها إجمالاً كما سيأتي وجهه وجوابه.
واما في المحاورات العرفية فلوضوح ان الأب مثلاً لو أمر ابنه بالذهاب إلى السوق وشراء الخبز أو بالذهاب إلى المتجر وبيع البضاعة، فان غرضه من تكلمه معه وخطابه له هو تفهيمه مراده الجدي ومتعلَّق إرادته الواقعية ليكون سبباً لانبعاثه نحو المطلوب فيكون هنا مطلوب بالذات ومطلوبان آليان طوليان: اما المطلوب بالذات فهو نفس شراء اللحم وبيع البضاعة فانه الحامل للمصلحة الذي يريد المولى تحققه، واما المطلوبان الآليان فهما: ان يفهم مراده ومقصوده (أي ما أراد وليس مجرد ما قال وإن لم يطابق ما أراد أو لم يكشف عنه) وان ينبعث نحوه حيث فهمه.
والظاهر انه لا نجد مورداً في العرف – إلا الشاذ الآتي – يقصد المولى أو الصديق صِرف بعثه وزجره دون قصد تفهميه مرادَه من الخطاب الذي خاطبه به.
وذلك في صورة واحدة وهي ما لو أراد إشغال العبد بأي نحو كان عن أمر لا يريده الالتفات إليه فيأمره بأمر يكون غرضه منه صرف تحريكه وبعثه نحوه ليشغله به دون ان يكون متعلّق غرضه ومراداً له بالإرادة الجدية أبداً، ومن دون ان يكون غرضه ان يستخرج العبد مراده الجدي من كلامه هذا. فتأمل
تتمة([7]): دليل الاحتياط أيضاً يراد به استخراج المراد الواقعي
لا يقال: ان الغرض الثاني المذكور في كلام الميرزا يمكن تصويره – أي تصوير تحققه وثبوته – في اصالة الاحتياط فانه في أصل الاحتياط لا يراد منه استخراج مراد المتكلم الواقعي والجدي إذ ليس هذا الأصل مجعولاً إلا للحائطة على الواقع لا لكشف الحكم الواقعي ومعرفته أو كشف مراد المتكلم الجدي كمرآة للحكم الواقعي فأنه في صورة العلم الإجمالي يقال له احتط بالإتيان بكلا محتملي الوجوب أو احتط بالاجتناب عن كلا محتملي الحرمة، ولا يكشف ذلك عن الحكم الواقعي بل هو احتياط للحفاظ عليه مهما كان فالغرض من تشريع الاحتياط هو البعث نحو فعل الأمرين في الشبهة الوجوبية أو في خصوص ما كان منها في أطراف العلم الإجمالي أو الزجر عن فعلهما في الشبهة التحريمية كذلك، وهذا هو ما ذكره (قدس سره).
إذ يقال: كلا؛ إذ الكلام في الدليل على أصالة الاحتياط وهو – مثلاً – قوله (عليه السلام): "أَخُوكَ دِينُكَ فَاحْتَطْ لِدِينِكَ بِمَا شِئْت"([8]) وليس حكم الاحتياط نفسه، ولا شك ان غرضه من قوله (فاحتط لدينك) هو تفهيم مراده الجدي وان غرضنا هو استخراج مراده النفس امري وانه([9]) هل هو الوجوب أو الاستحباب؟ وهل هو المولوية أو الارشادية؟ وهل هو مطلق أو خاص بأطراف العلم الإجمالي مما كانت الشبهة فيه محصورة وكانت كل أطرافه مورد الابتلاء.. الخ
الخلط بين الحكم وبين الدليل عليه
والحاصل: انه حصل خلطٌ بين الحكم والدليل أي بين حكم الاحتياط وبين الدليل على أصالة الاحتياط، والحكم أي مصاديقه يبحث عنه في الفقه اما الدليل عليه فيبحث في الأصول وهو الذي يجري فيه البحث ههنا إذ البحث في كتاب التعارض عن تعارض الأدلة ومنها تعارض العام والخاص وليس عن تعارض الأحكام بنفسها فتدبر جيداً.
والحق: ان الغرضين متلازمان عادة في المحاورات العرفية وفي الخطابات الشارعية فكلما ألقى المتكلم كلاماً، مولى كان أو صديقاً، أراد به إفهام مراده الجدي ثم بعث السامع نحوه، كما ظهر ذلك من مطاوي ما سبق أيضاً.
4- الأدلة على ان الغرض هو استخراج واقع المراد
رابعاً: ان الأدلة في عالم الإثبات بأجمعها دالة على كون استخراج مراد المتكلم([10]) هو الغرض له دون البعث وحده وبشرط لا سواء في الأصول أم في الفقه فلاحظ قوله (عليه السلام) " أَنْتُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلَامِنَا"([11]) فان من الواضح ان معاني كلامهم هي المرادة لهم بالإرادة الجدية لا بالاستعمالية غير المقصودة لهم.
بل لاحظ حتى قوله تعالى: (ليتفقهوا في الدين) فان الغرض([12]) من النفر هو التفقه في الدين لا صِرف البعث أو الانبعاث نحو مؤّدى لا يُعلم انه من الدين أو لا، ومن الواضح ان الطريق إلى معرفة انه من الدين ليس هو كونه ظاهر كلام المولى وان لم يكن مراداً له بالإرادة الجدية أو لم يعلم كونه كذلك، والحاصل: ان الطريق هو (ما أراد) وليس (ما قال).
وكذا قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) إذ المراد: اسألوا لتعلموا الواقع، وواضح ان الطريق إليه هو ما أراده المتكلم بالإرادة الجدية من ظاهر كلامه لا ما لم يُرده أو لم يُعلم إرادته له، أي ليس الطريق هو ظاهر الكلام ومؤداه الذي لا يُعلم انه مراد للمتكلم (اهل الذكر هنا) واقعاً.
وكذلك الحال في "فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَان"([13]) وسائر الأدلة، فتدبر جيداً
تفصيل اخر للميرزا بلحاظ الغرضين
ثم ان الميرزا النائيني فصّل بلحاظ هذين الغرضين (استخراج مراد المتكلم الواقعي، ومجرد البعث نحو المؤدى) باشتراط الوثوق الشخصي إذا كان المقصد الغرض الأول وبعدم اشتراطه إذا كان المقصد الغرض الثاني، وسيأتي كلامه مع مناقشته بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
السبت 14 ربيع الاول 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |