36- مناقشة اخرى: الادلة الاجتهادية الغرض منها معرفة الواقع والمراد الجدي للمعصوم (عليه السلام) هو الطريق اليه، بل حتى الادلة على الاصول العملية، فالخلط حصل بين المتعلَّق والدليل ـ الايات والرويات دليل على ذلك ـ المناقشة معه على تقديري ما قبل الفحص وما بعده
الاربعاء 11 ربيع الاول 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(36)
مناقشات مع الميرزا النائيني
ويرد على قوله (قدس سره) (و في المورد الّذي لم يتعلّق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلّم يُكتفى بظهور الكلام، كما إذا كان صدور الكلام لأجل البعث و الزجر و تحريك إرادة العبد نحو المؤدّى، فانّ العبد ملزم بظاهر الكلام و ليس له الاعتذار باحتمال وجود القرينة المنفصلة على خلاف ما يقتضيه ظاهر الكلام، كما أنّه ليس للمولى إلزام العبد بغير ظاهر كلامه. وبالجملة: المتّبع في مقام الاحتجاج و الاعتذار نفس ظهور الكلام لا غير)([1]).
1- لا مورد في الأصول والفقه يتعلق فيه الغرض بغير مراد المتكلم الجدي
أولاً: اننا لا نجد مورداً في الأصول ولا في الفقه يكون الغرض فيه هو ما ذكره ههنا([2]) باعتباره قسيماً للشق الأول الماضي قبل ذلك([3]) اللهم إلا مورداً نادراً ستأتي الإشارة إليه..
وبيان ذلك بعبارة أخرى:
إنَّ كلامه لا يخلو اما ان يكون عن الأدلة الاجتهادية أو عن الأصول العملية:
الغرض في الأدلة الاجتهادية
فان كان عن الأدلة الاجتهادية، وهو الذي ينبغي ان يكون لأن كلامه عن تعارض العام والخاص وعن احتمال وجود مخصص منفصل ومن البيّن ان ذلك مندرج في دائرة الأدلة الاجتهادية، فنقول: من الواضح ان الأدلة الاجتهادية ناظرة إلى الواقع وكاشفة عنه بالكشف النوعي والظن المعتبر العقلائي، فالغرض منها هو كشف الأحكام الواقعية التي شرّعها المولى ليكلِّف عبيده بها وليوصلها لهم فقد قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...))([4]) ((هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ))([5]) وذلك نظراً لتبعيتها لمصالح ومفاسد واقعية في المتعلقات، والطريق إلى كشفها ليس هو إلا ما أراده المولى بالإرادة الجدية لوضوح ان صِرف المراد بالإرادة الاستعمالية دون انعقاد إرادته الجدية عليه، كما لو كان متّقياً أو مورّياً أو مُجمِلاً ومُبهِماً أو مطايباً أو ممتحناً أو ممرِّناً أو شبه ذلك، لا يكون كاشفاً عن الأحكام الواقعية كما انه ليس طريق العقلاء في البلاغ والإبلاغ.
والحاصل: انه في الأدلة الاجتهادية ليس الغرض صِرف البعث والزجر وتحريك إرادة العبد نحو المؤدى والحكم الظاهري بل هو، وفي مرتبة سابقة، معرفة الأحكام الواقعية التي تكون مرادات الحكيم الواقعية مرآة لها وكاشفة عنها والتي أبرزها في قالب ألفاظ جعلها حجة عليها.
اما ظواهر ألفاظه التي لم يُرِدها واقعاً أو التي لم يدل دليل عقلائي على انه أرادها واقعاً، فكيف تكون مرآةً للأحكام الواقعية؟
المؤدى في الأدلة الاجتهادية هو الحكم الواقعي
وبعبارة أخرى: قوله (وتحريك إرادة العبد نحو المؤدى) يُسأل: ما هو المؤدى الذي يراد تحريك إرادة العبد نحوه؟ هل هو الحكم الظاهري؟ أم الحكم الواقعي؟
فان قيل انه الحكم الظاهري، قلنا (إضافة إلى ما سيجيء في نقد كلام الميرزا حتى لو كان مراده الحكم الظاهري) ان مؤدى الأدلة الاجتهادية، والبحث فيها، ليس هو الأحكام الظاهرية المجعولة للشاك في مقام العمل.
وإن قيل انه الحكم الواقعي، قلنا فالغرض من ملاحظة الأدلة الاجتهادية، وهي كلام الشارع، كشفه والوصول إليه وليس مجرد البعث والزجر بدون لحاظ كونهما متعلقين به – أي الحكم الواقعي الذي هو المؤدى – لوضوح ان البعث والزجر هما من الأمور الحقيقية ذات الإضافة فقوام البعث بوجود مبعوث إليه إذ لا يعقل البعث نحو اللاشيء المطلق.
وعليه: فصدور الكلام إذا كان لأجل البعث والزجر وتحريك إرادة العبد نحو المؤدى، وكان المؤدى هو الحكم الواقعي، كما هو مفروض البحث في العام والخاص وكما هو مبنى مشهور الأصوليين في الأدلة الاجتهادية ومبناه هو أيضاً (قدس سره)، كان لا بد من القول بان الغرض عند ملاحظة الأدلة الاجتهادية يكون هو: (استخراج واقع مراد المتكلم وما تعلقت به إرادته النفس أمرية) لا محالة؛ لأنه في بناء العقلاء وسيرتهم هو الطريق، في خبر الثقة والظواهر وشبهها، إلى معرفة المؤدى والحكم الواقعي، دون ظاهر الكلام صرفاً مع قطع النظر عن واقع مراده الجدي..
وظاهر الكلام لا يكون حجة على المراد الواقعي إلا بعد الفحص عن المانع وهو القرينة المنفصلة ونفيه بما يراه العقلاء مورثاً للظن النوعي بالمراد الجدي ومن ثم بالحكم الواقعي.
وبعبارة أخرى: البعث والزجر والتحريك، مرحلة لاحقة متأخرة رتبةً عن مرحلة معرفة مراد المتكلم الواقعي أي مراده الجدي، فالبعث يكون إليه لا إلى غيره.
الثمرة: لزوم إحراز عدم القرينة المنفصلة
وعليه: فلا بد من إحراز عدم القرينة المنفصلة على الخلاف، اما بامارة أو (ولو بالأصل) كما قاله – على تأمل سيأتي في الاكتفاء بالأصل ان إريد به أصالة العدم – ولا يكتفى بمجرد ظهور الكلام الذي لا يزيد على كونه مقتضياً لانعقاد الإرادة الجدية على طبقه.
هذا كله لو كان الكلام عن الأدلة الاجتهادية والغرض من ملاحظتها وانه استخراج واقع مراد المتكلم حسب الظنون العقلائية والكواشف النوعية.
الغرض في الأدلة على الأصول العملية
واما لو كان كلامه عن الأصول العملية فالأمر كذلك؛ إذ البحث في الأصول إنما هو عن الأدلة على الأصول العملية فيجري فيها([6]) ما يجري في الأدلة الاجتهادية فانها أدلة اجتهادية على أحكام ظاهرية وليست أدلة ظاهرية على أحكام ظاهرية.
وبعبارة أخرى: الحكم، كالبراءة، أصل عملي اما الدليل عليه، كرفع ما لا يعلمون، فدليل اجتهادي.
الأصل أصل عملي أما الدليل عليه فلفظي
وبعبارة ثالثة: المتعلَّق أصلٌ اما الدال عليه فدليلٌ، فالأصل أصل عملي والدليل عليه دليل لفظي([7]).
مزيد إيضاح: ان قوله (عليه السلام) (رفع ما لا يعلمون) من عالم الألفاظ والأدلة وان كان المجعول به هو البراءة وهي حكم ظاهري، فلا بد من ملاحظة معنى كلامه ومراده وحدود دلالته ففيما لو كنا في مقام بحث معنى حديث الرفع فان الغرض يتعلق باستخراج واقع مراد المتكلم، لا صرف البعث أو الزجر وتحريك الإرادة أو تجميدها نحو المؤدى، وانه هل هو مثلاً رفع الحكم التكليفي وحده؟ أو رفع الحكم الوضعي، كالضمان لو كسر زجاج الغير غافلاً أو جاهلاً بانه للغير أو جاهلاً بان فعله كسر أو جاهلاً بانه ضَرَبَه كالنائم، أيضاً؟
والحاصل: ان الأصول العملية لا يراد بها كون الدوالّ عليها أصولاً بل يراد به انها وظائف عملية للشاك مثلاً لكن الدليل على هذه الوظائف وهو خبر الثقة والظواهر وشبهها من الأدلة الاجتهادية، فالبراءة حكم ظاهري وأصل عملي لكن من أين لنا الالتزام بها كحكم ظاهري وإلقاء ذلك في ذمة الشارع وجعلها بعهدته؟ إنما ذلك لقوله (رفع ما لا يعلمون) في الدليل على البراءة النقلية وهو دليل اجتهادي لفظي، ولـ(قبح العقاب بلا بيان) في الدليل على البراءة العقلية وهو دليل اجتهادي لبي.
2- هل نفي لزوم إحراز عدم القرينة، بعد الفحص أو قبله؟
ثانياً: لنا ان نسأل الميرزا النائيني ان التزامه بعدم لزوم إحراز عدم القرينة المنفصلة على الخلاف ولو بالأصل، ولو في بعض الأحكام الفقهية أو بعض القواعد الفقهية أو بعض المسائل الأصولية، فكيف بها جميعاً كما هو مقتضى إطلاق كلامه هنا، وادراجه في الشق الثاني من كلامه والنوع الآخر من الغرض، هل هو بعد الفحص عن المخصص المنفصل المحتمَل وجودُه واليأس عنه أو قبله؟
فان أراد به بعد الفحص فان عدم العثور عليه بعد الفحص التام أمارة العدم عرفاً فقد أحرزنا العدم بالفحص التام عرفاً فاغنانا عن أصالة العدم إذ الفحص مورث للاطمئنان بالعدم، على ان هذا([8]) مناقض لكلامه إذا كان من دائرة الشق الثاني لأنه يرى عدم الحاجة فيه إلى إحراز العدم ولو بالأصل.
وان أراد به قبل الفحص فانه غير عقلائي كما انه خلاف مبنى المشهور في الأصول وخلاف مبناه أيضاً فانهم لو وجدوا (عاماً) في رواية في أول باب في الوسائل مثلاً فانهم لا يكتفون بها قطعاً في الحكم بمؤداها كما هو ظاهرها الاستعمالي بل يبحثون في سائر روايات الباب والأبواب الأخرى المرتبطة بوجهٍ فان لم يعثروا على مخصص أو مقيد أو قرينة مجاز أو تقية أو تورية أو شبه ذلك حكموا بان ذلك المراد الاستعمالي مراد جدي للمولى.
نعم يمكن ان يوجه كلام الميرزا بما سيأتي بإذن الله تعالى فانتظر.
=============================
الاربعاء 11 ربيع الاول 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |