327- التحقيق الموضوعي في مفهوم النميمة: 1ـ كلام اللغويين 2ـ الاستشهاد بالروايات : أ ـ ( فان النمام شاهد زور وشريك ابليس في الاغراء بين الناس )
السبت 6 رجب 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(30)
تتمة تعريفات اللغويين للنميمة
قال في لسان العرب: (وَهُوَ نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنْ قومٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى جِهَةِ الإِفْسادِ والشَّرِّ)([1])
أقول: إذا كان المستظهر من معنى النميمة هو هذا التعريف فانه لا يشترط في صدقها موضوعاً (النقص)([2]) كلما كان النقل على وجه الإفساد والشر، ولا (الانتقاص أو قصده) ولا كونه – أي المنقول – (مستوراً) ولا (كراهة المنقول عنه لنقله عنه) ولا كون النمام ساعياً من الطرفين جميعاً بل يكفي في الصدق نقله الحديث من احدهما للآخر إذا كان على وجه الفساد والشر.
و: (نم الحديث إذا ظهر فهو متعد ولازم) وكذا قال في مجمع البحرين.
وعلى هذا فيعتبر في النميمة كون المنقول مستوراً، دون سائر العناوين([3]) إذ نم عليه يكون بمعنى أظهر ما كان مستوراً.
و: (قيل: هو وسواسُ همسِ الكلام) والظاهر ان إضافة وسواس إلى الهمس من إضافة الصنف إلى النوع، والوسواس لا يطلق إلا في الشر عادة قال تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) وبناءً على هذا فانه يشترط في النميمة كون المنقول نقصاً أو شراً فتأمل إذ يكفي ان يكون على جهة الشرية وان لم يكن المنقول بذاته شراً. كما يشترط ان يكون خفياً غير ظاهر فان الهمس كذلك والوسوسة أيضاً كذلك.
لا يقال: الهمس والوسوسة صفة الكلام لا المتكلم عنه أي صفة القول الذي هو النميمة وليس صفة المقول الذي تحكى عنه النميمة؟
إذ يقال: انه وإن كان كذلك، إلا ان المستفاد عرفاً من هذا الوصف (وسواس همس الكلام) كون المتكلم عنه أمراً مخفياً فهو ملزومة عرفاً وإن لم يكن ملزومة دقةً. فتأمل
و: (النَّمِيمَةُ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ مِنْ حَرَكَةِ شَيْءٍ أَو وَطْءِ قدَمٍ)
و: (النَّمِيمَة: الهَمس وَالْحَرَكَةُ. وأَسكت اللَّهُ نَامَّته أَيْ جَرْسَه، وَمَا يَنِمُّ عَلَيْهِ مِنْ حَرَكته؛ قَالَ: وَقَدْ يُهْمَزُ فَيُجْعَلُ مِنَ النَّئِيم. وسَمِعْتُ نَامَّتَه ونَمَّتَه أَيْ حِسَّه، والأَعرفُ فِي ذَلِكَ نأْمَتَه) وهما كسابقهما.
و: (نَمْنَمَت الريحُ الترابَ: خَطَّتْه وتَرَكَتْ عَلَيْهِ أَثراً شِبْه الْكِتَابَةِ) و(النَّمْنَمَةُ: خُطوطٌ متقارِبة قِصارٌ شِبْهُ مَا تُنَمْنِمُ الريحُ دُقاقَ التُّرَابِ، وَلِكُلِّ وَشْيٍ نَمْنَمةٌ. وكتابٌ مُنَمْنَمٌ: مُنقَّش. ونَمْنَمَ الشيءَ نَمْنَمَةً أَيْ رَقَّشه وزَخْرفه) وهو مشعر بترك النميمة أثراً في نفس المستمع ولو بنحو الاقتضاء وهو ما ذكر في التعريف الأول من (على وجه الإفساد والشر) أي ان كون ذلك معنى المصدر أو بعض التصريفات دليل مؤكد لذلك التعريف. فتأمل
الاستناد للروايات لتنقيح موضوع النميمة
واما الروايات، فان التي قد يستند إليها في تحديد النميمة مفهوماً سعةً وضيقاً، حسب الاستقراء الناقص، هي أربع روايات من بين العشرات من روايات النميمة.
(فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ وَ شَرِيكُ إِبْلِيسَ...)
1- قوله ( عليه السلام ): ((فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ وَشَرِيكُ إِبْلِيسَ فِي الْإِغْرَاءِ بَيْنَ النَّاس))([4]) فانه قد يستند للفقرة الأولى وقد يستند للفقرة الثانية فلنبدأ بالثانية([5]):
الاغراء أعم من كونه نقصاً وعدمه...
فان قوله ( عليه السلام ) ((شَرِيكُ إِبْلِيسَ فِي الْإِغْرَاءِ بَيْنَ النَّاس)) قد يستدل به على عدم اشتراط النقص ولا الانتقاص ولا كون المقول مما ستره الله على المقول عنه ولا كراهة المقول عنه للقول فيه؛ فانه إذا نقل قولاً أغرى به بين الناس وأوقع بينهم فهو شريك إبليس وهو نمام سواء أكان نقصاً أم انتقاصاً أم مستوراً أم مكروهاً نقلُه، أم لا.
الجواب: الاغراء محمول أو علة، وهي أعم أو محتملة
ولكن يرد على هذا الوجه ان أعمية المحمول من أمر أو أمور لا تستلزم أعمية الموضوع منه، وذلك لأن المحمول قد يكون أعم مطلقاً كما قد يكون مساوياً فان كان مساوياً استلزمت الأعميةُ الأعميةَ وإلا فلا، وحيث لا يعلم حال المحمول انه أعم أو مساوي فلا يصح الاستدلال بأعمية المحمول من أمر على أعمية الموضوع منه.
وفي المقام: الرواية صرحت بـ(النمام شريك إبليس في الإغراء بين الناس) ولم تقل (شريك إبليس في الإغراء بين الناس النمام) وعليه: فان مشاركة إبليس في الإغراء بين الناس أو فقل – اختصاراً – (الإغراء بين الناس) قد يكون أعم من النميمة وقد حمل عليها كحَمْلِ أي أعم على الأخص كالإنسان حيوان، فصدق الإغراء بين الناس على صورة النقص وعدمه والانتقاص وعدمه.. الخ لا يصح دليلاً على صدق النميمة على هذه الصور كلها.
وبعبارة أخرى قوله ( عليه السلام ) ((فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ وَشَرِيكُ إِبْلِيسَ فِي الْإِغْرَاءِ بَيْنَ النَّاس)) ليس تعريفاً ليقال بالمساواة بينهما([6]) إذ يشترط في المعرِّف كونه مساوياً للمعرَّف بل هو تعليل والتعليل عادة يكون بالأعم ولا أقل من مجهولية كونه في المقام تعليلاً بالأعم أو بالمساوي فلا يصح الاستدلال بأعميته على أعمية المعلل له. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
========================
السبت 6 رجب 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |