326- تحقيق ان النسبة بين النميمة والغيبة هي من وجه على مسلك الشهيد الثاني ومسلك السيد الوالد، بمواد افتراق خمسة ــ بداية التحقيق الموضوعي في ( النميمة ) مفهوماً وحدوداً
الاحد 29 جمادي الآخرة 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(29)
مواد افتراق النميمة عن الغيبة
سبق ان تحديد النسبة بين الغيبة والنميمة متوقف على تحديد تعريفهما والمبنى فيهما، وسنبحث ذلك على ضوء مباني ثلاثة: مبنى بعض العلماء حسب ما نقله الشهيد الثاني ومبنى السيد الوالد والمبنى المختار([1]).
مبنى (الفقه) في النميمة والغيبة
اما على مبنى السيد الوالد فقد عرّف النميمة في المكاسب المحرمة([2]) بـ(النميمة: نقل الكلام ونحوِه، كالإشارة والكتابة، من شخص إلى آخر على وجه الإفساد والشر صادقاً كان أم كاذباً).
كما عرف الغيبة بـ(وهي إظهار عيب مستور في الآخر)([3])
النقل كاذبا
وعليه: فان النميمة تفترق عن الغيبة في موارد خمسة (فتكون نميمة لا غيبة) فلا يصح الاستدلال بأدلة حرمة الغيبة على تحريم النميمة مطلقاً:
1- لو نقل عن الغير كلاماً أو فعلاً وهو كاذب في ذلك، وكان نقله على وجه الإفساد والشر، فانه نميمة لانطباق تعريفها عليه وليست غيبة إذ الغيبة يشترط فيها الصدق أي ان ينقل ما قاله أو فعله الغير كما قاله أو فعله فلو كان كاذباً فهو بهتان وليس بغيبة كما هو صريح حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ): ((الْغِيبَةُ أَنْ تَقُولَ فِي أَخِيكَ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْأَمْرُ الظَّاهِرُ فِيهِ مِثْلُ الْحِدَّةِ وَالْعَجَلَةِ فَلَا، وَالْبُهْتَانُ أَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيه))([4]) وكما هو ظاهر تعريف الفقه (إظهار عيب مستور في الآخر) فان ظاهره فرض وجوده.
النقل في حضوره
2- لو نقل في حضوره كلاماً منه للآخر وكان الآخر في حضوره أيضاً أو بحكمه([5]) على وجه الإفساد والشر فانه نميمة وليس غيبة، إذ الغيبة متقوّمة بغياب المنقول عنه فلو كان في حضوره لما كان غيبة وإن كان قد يحرم من جهة أخرى ككونه إيذاءً أو تعييراً أو إشاعة للفاحشة أو شبه ذلك، وهذا القيد ليس صريح الفقه إلا ان الظاهر انه على القاعدة ولعله ظاهر الفقه أيضاً، إذ قال فيما بعد: (وإذا كان المغتاب([6]) حاضراً، فإن لم يسمع لضوضاء ونحوه، أو لم ير لعمي ونحوه مع إشارة المغتاب – بالكسر – أو نحوهما، فإنه من الغيبة بلا إشكال([7])، أما إذا سمع ورأى فهو من التنقيص لعدم الصدق([8]) بالإضافة إلى بعض الروايات المتقدّمة)([9]).
نقل ما لم يستره الله
3- لو نقل ما لم يستره الله عليه على وجه الإفساد والشر، فانه ليس بغيبة بناء على تعريف الإمام الصادق ( عليه السلام ) له، كما مضى، وحسب صريح الفقه في تعريف الغيبة، لكنه نميمة.
نقل ما لا يكرهه
4- لو نقل ما لا يكره أخوه نقله عنه وكان على وجه الإفساد والشر فانه نميمة وليس بغيبة على حسب تعريف الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) للغيبة، واشتراط الكراهة في الغيبة هو صريح الفقه قال (الشرط الثالث: كون ذلك مما يكرهه المغتاب ويسؤوه كما تقدم في النص وأفتى به المشهور).
نقل ما ليس نقصاً
5- لو نقل ما ليس نقصاً على وجه الإفساد والشر فانه نميمة وليس بغيبة حيث اشترط فيها – الغيبة – ان تكون نقصاً كما هو ظاهر التعريفين في الروايتين (ستره الله عليه) و(بما يكرهه) عرفاً أو منصرفهما، وكما هو صريح تعريف الفقه الآنف (اظهار عيب...) وصريح قوله في شرائط الغيبة (الشرط الثاني: ان يكون المذكور من المذامِّ لا المداح والعاديات)([10])
مبنى الشهيد في الغيبة والبعض في النميمة
واما تعريف الشهيد الثاني للغيبة فقد سبق انه (ان الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصاً في العرف بقصد الانتقاص والذم) فلو لوحظ منسوباً إلى ما نقله الشيخ عن الشهيد في كشف الريبة عن بعض بقوله (وقيل: إن حد النميمة بالمعنى الأعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة والرمز والإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال، وسواء كان ذلك عيبا ونقصانا على المنقول عنه أم لا، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه)([11])
فمادة افتراق النميمة عن الغيبة:
1- إذا لم يكن نقصاً فانه ليس بغيبة لكنه نميمة ان انطبقت عليه بقية مفردات تعريفه.
2- إذا لم يكن بقصد الانتقاص والذم، فكذلك.
3- إذا كان في حضوره فانه ليس بغيبة حسب تعريفه لكنه نميمة حسب إطلاقه.
التحقيق في تعريف النميمة وحَدّها
واما المسلك المختار فيتوقف على تحقيق الحال في النميمة، وبهذا أيضاً نعود إلى بداية البحث ونعقد صلة الربط بين خاتمة الأدلة على حرمة الغيبة وبين أول ما افتتحنا به مباحث النميمة من لزوم تحقيق الحال في تعريفها وحَدِّها، فنقول: لا بد من الرجوع إلى كلمات اللغويين أولاً لنسترشد بها ثم الرجوع للعرف والاحتكام للارتكاز.
اما اللغويون فقد اختلفت تعريفاتهم، فلنستعرض أهمها وأجمعها:
قال في لسان العرب: (النَّمَّام مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يُمْسِك الأَحاديثَ وَلَمْ يَحْفَظْها، مِنْ قَوْلِهِمْ جُلودٌ نَمَّةٌ إِذَا كَانَتْ لَا تُمْسِك الماءَ. يُقَالُ: نَمَّ فلانٌ يَنِمُّ نَمّاً إِذَا ضيَّعَ الأَحاديثَ وَلَمْ يَحْفَظْهَا)([12])
أقول: هذا التعريف أعم من ان يكون ما نقله النمام نقصاً أو لا، فان عدم امساك الأحاديث أعم من كونها نقصاً أو لا، ومثالهم التكويني بـ(جلود نمه) قد يشهد لذلك.
كما هو أعم من ان يكون انتقاصاً من عدمه.
وأعم من كراهة نقله وعدمه، وان احتمل انصرافه إلى ما كرهوا نقله.
لكن لعل ظاهره اشتراط الخفاء فنقل الكلام والفعل الظاهر على هذا التعريف ليس بنميمة إذ لا يصدق (لم يحفظها) فتأمل ثم ان الظاهر ان هذا التعريف أعم من النميمة فتدبر وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
===================================================
الاحد 29 جمادي الآخرة 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |