318- اشكال الايرواني : لادليل على حرمة الفعل الذي يسبب الحرمان من دخول الجنة ــ والجواب عنه من وجوه
الاحد 15 جمادي الاخر 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(21)
الإشكال بان تحريم الجنة أعم من الحرمة
وقد أشكل المحقق الايرواني على الاستدلال بالصحاح التي تدل على تحريم الجنة على النمّام كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ((الْجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْقَتَّاتِينَ الْمَشَّاءِينَ بِالنَّمِيمَة))([1]) وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه ( عليه السلام )، بان الحرمان من الجنة وتحريمها أعم من حرمة الفعل المؤدي إلى ذلك، قال (مع ان ما دل من الأخبار على ان النمّام لا يدخل الجنة لا يكشف عن الحرمة وإنما الكاشف عنها دخول النار)([2])
أقول: وتوجيه كلامه وتوضيحه: انه مبني على ما اشتهر بينهم من ان دفع المضرة (البالغة حسب المنصور دون البسيطة) واجب، وليس جلب المنفعة واجباً والجنة منفعة فليس القيام بما يسبب دخولها واجباً ولا فعل ما يسبب الحرمان منها حراماً.
ولكن يرد عليه:
وجوب جلب أنواع ودرجات من المنفعة
أولاً: المناقشة في الكبرى: فان الظاهر وجوب جلب أنواع من المنفعة كما ان الظاهر وجوب جلب درجات من أنواع أخرى، وحرمة ما يسبِّب العدم، اما لاستقلال العقل بذلك أو لبناء العقلاء.
أما الأنواع، فلاستقلال العقل أو قيام بناء العقلاء على وجوب بعض أنواع جلب المنفعة كبعض أنواع العلم والمعرفة، ألا ترى ان العقل يحكم بوجوب معرفة الخالق جلباً لرحمته وفضله في الحياة الدنيا والآخرة([3]) وألا ترى العقلاء من مختلف الملل والنحل يحكمون بوجوب إلزام الأطفال بتعلم الحد الأدنى من العلوم في المدارس ويرون استحقاق الطفل للعقاب بالعصيان؟ بل ويرون استحقاق الولي للعقاب لو قصّر في حق أطفاله في ذلك الأمر من غير عذر؟ فتأمل
واما الدرجات: فقد يلتزم بوجوب جلب المنفعة البالغة جداً، ألا ترى ان العبد أو الولد لو فرط في أجر عظيم جداً لقاء عمل بسيط، كما لو فرض انه كان سوف يعطى مئات الملايين من الدنانير والدراهم مقابل مطالعة كتاب أو خدمة ضيف أو سقي حديقة لفترة نصف ساعة لكنه تكاسل عن ذلك متذرعاً بانشغاله بعمل تافه([4])، ألا ترى انه، حسب الفطرة والعقل، يستحق العقاب لا العتاب فقط؟
حرمة ارتكاب ما يمنع من دخول الجنة
ولئن نوقش في ذلك، فالظاهر انه لا مجال للنقاش في من فرط بما لا يتناهى شدةً ومدةً وعدّةً([5]) من النعيم المقيم الأبدي الخالد بأنواعه اللامحدودة ودرجاته اللامتناهية، ولعمري فان تصور الجنة حتى ببعض أنواع نعيمها، على بعض حقيقتها كاف للتصديق بحرمة التفريط بها.
لا يقال: حرمة التفريط بها، على فرضه، إرشادية؟
إذ يقال: انه غير تام كبرى ولا صغرى اما كبرى فلأن ملاك المولوية هو ما صدر من المولى بما هو مولى معملا مقام مولويته كما فصلناه في الأوامر، وليس كون الأمر خارجاً عن دائرة المستقلات العقلية ولا كونه لا للمصلحة الدنيوية أو غير ذلك، واما صغرى فانه وإن سلم ذلك إلا ان إرشادية تحريم حرمان المرء نفسه من دخول الجنة لا تستلزم إرشادية حرمة مثل النميمة التي هي سبب لها بل تؤكد مولويتها. فتدبر
الحرمان من الجنة ملازم للضرر
ثانياً: قد يقال: بان الحرمان من الجنة ملازم للضرر العظيم، فان من حرم الجنة أدخل النار قال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)
وفيه: ان للجنة والنار ثالثا وهو الاعراف قال تعالى: ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)([6]) فان الظاهر انها منطقة وسطى بين الجنة والنار وقد أعدت للذين عبر عنهم القرآن الكريم بـ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أو لمن تساوى خيرُه وشرّه حتى بعد ضميمة الشفاعة والمغفرة إليه([7])، ولصلحاء الجن ومن أشبه على خلاف في ذلك([8])، والأعراف دون الجنة وفوق نعيم الدنيا وروضاتها، فلا تلازم بين الحرمان من الجنة والدخول في النار أو العذاب.
ولكنه قد يقال: بان الحرمان من دخول الجنة ضرر وأي ضرر فتدبر
كنائِيّة تحريم الجنة عن الحرمة
ثالثاً: الظاهر انه وإن سلمنا عدم وجوب جلب المنفعة البالغة مطلقاً فان لسان تلك الروايات ظاهر في التحريم حسب المتفاهم العرفي.
وبعبارة أخرى: الظاهر عرفاً من ((الْجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْقَتَّاتِينَ الْمَشَّاءِينَ بِالنَّمِيمَة)) انها كناية عن التحريم أو هو ملازم عرفاً للتحريم.
ولئن نوقش في ذلك، فالظاهر انه لا مجال للمناقشة بملاحظة مجموع الروايات وملاحظة ان الحرمان من الجنة إنما عُلّق على الكبائر فلاحظ قوله ( عليه السلام ) في صحيحة علي بن جعفر ((حَرُمَتِ الْجَنَّةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ النَّمَّامِ وَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَ الدَّيُّوثِ وَ هُوَ الْفَاجِرُ))([9]) وقرينة السياق وإن لم تَرْقَ بذاتها إلى مستوى الظهور إلا ان الظاهر ان انحصار تعليق الحرمان من الجنة في فاعلي الكبائر وفي روايات كثيرة وردت بضمنها النميمة، يفيد الاطمئنان، ولو بمعرفة ما سبق من الفهم العرفي، بكون الحرمان عن الجنة كناية عن التحريم. والله العالم.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
===========================
الاحد 15 جمادي الاخر 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |