308- 1ـ الاصل اللفظي في كلما دار امر الموضوع بين كون آليا او استقلالياً 2ـ الاصل في بناء العقلاء 3ـ الاصل العملي لدى الشك هل هو البراءة او الاحتياط
الثلاثاء 18 جمادي الاولى 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(11)
(الأصول) في ما لو دار أمر العنوان بين كونه استقلاليا أو آليا
ثم ان المرجع في كل عنوان أُخذ موضوعاً لحكمٍ وشك في كونه آليا أو استقلالياً، هو أحد الأصول التالية([1])، الأصل اللفظي، الأصل العقلائي، الأصل العملي، وهي مترتبة ومتدرجة:
الأصل اللفظي
اما الأصل اللفظي: فبدعوى ظهور اللفظ بحسب وضعه، أو بحسب المتفاهم العرفي، في كونه بما هو حاكٍ عن مضمونه موضوعاً للحكم المحمول عليه أو المجعول له، لا بما هو مشير إلى غيره.
لكن الظاهر ان تلك الدلالة أجنبية عن الوضع، نعم يمكن القول بأن المتفاهم عرفاً من ذلك (أي من تعليق حكم على عنوان) هو ذلك (كون العنوان بنفسه موضوعاً، لا ان الموضوع واقعاً غيره وكان هو مشيراً إليه فقط) ولعل مرجع هذا إلى الأصل العقلائي الآتي.
الأصل العقلائي
اما الأصل العقلائي: فبالقول بما سبق لكن لا لما سبق بل لبناء العقلاء على أخذ ما هو موضوع للحكم ثبوتا، كموضوع لحكمهم إثباتاً وفي عالم البيان وصورتي الأخبار والإنشاء([2])، وقد يعبر عن ذلك بأصالة التطابق بين عالم الإثبات والثبوت والتي لا يخرج عنها العقلاء في الفهم والإفهام معاً إلا بقرينة.
والحاصل: ان كون موضوع الحكم المأمور به مشيراً إلى الموضوع الثبوتي المأمور به واقعاً لا انه نفسه، ككون المأمور به مقدمةً لا انه ذو المقدمة، كلاهما خلاف البناء والجري العملي للعقلاء في استعمالاتهم إلا في صورة إقامة القرينة الحالية أو المقالية، فقولهم افعل كذا ظاهره.
لولا ارتكازية مقدمية بعض مصاديقه كـ(انصب السلّم) والتي كانت هي القرينة على ان الأمر به مقدمي)هو الوجوب النفسي.
ونضيف: ان التتبع والاستقراء يقودنا إلى ان الأوامر والنواهي شذ ما تعلق منها بالمقدمات كما انه شذ ما تعلق منها بالعناوين المشيرة بل الأعم الأغلب شبه المستغرق والموجب للاطمئنان بمسلك الشارع – كمسلك العقلاء – هو تعلق النهي والأمر بذي المقدمة وتعلقه بما هو مدار الحكم لا بغيره المشير إليه.
ويشهد لذلك تصفح عناوين الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها،فانها مأمور بها استقلالياً لا آليا وهي ذو المقدمة لا المقدمة وكذا سائر الواجبات، وشذ مثل (التعلم) الذي ذهب المشهور إلى ان وجوبه غيري وذهب الاردبيلي إلى نفسيته، كما يشهد لذلك تصفح عناوين الكبائر والصغائر كالغيبة والتهمة والكذب والربا والزنا وأكل مال اليتيم وغيرها فانها بأجمعها نفسية استقلالية لا غيرية مشيرة آلية.
الأصل العملي
اما الأصل العملي: فانه لو شك في عنوانٍ أخذه الشارع موضوعاً لحكمه، انه أُخذ آلياً أو استقلالياً مرآة ومشيراً أو بذاته وبنفسه(وذلك كما لو كان منشأ الشك قرينة كمناسبات الحكم والموضوع إذا لم تكن من القوة والوضوح بحيث تصلح صارفة عن الأصلين السابقين، كما في مثل الإفساد في الأرض على ما احتمله السيد الوالد بل لم يستبعده) فهنا يقع الكلام في الأصل العملي الذي يرجع إليه لدى الشك والذي به تتحدد الوظيفة العملية من غير كشف عن الواقع وانه ([3]) من اي القبيلين، فنقول:
أصالة الاشتغال
قد يقال: ان الأصل هو الاشتغال وذلك لأن النسبة بين العنوان المشير وبين ما أشير به إليه هي التباين، فيكون مرجع الشك في الآلية والاستقلالية إلى تردد متعلق النهي بين المتباينين (الإفساد في الأرض بذاته كعنوان مستقل أو الحقائق الأخرى التي أشير بالإفساد في الأرض إليها) فيجب الاحتياط إذ التكليف بالكفِّ معلوم والتردد في متعلَّقه والشبهة محصورة.
أصالة البراءة
وقد يقال: بان الأصل هو البراءة بأحد وجهين:
1- لأن الشك في الأقل والأكثر الاستقلاليين.
2- لأن الشبهة غير محصورة أو هي فيما تنجز أحد أطرافه من قبل.
أ- إذ الشك في الأقل والأكثر الاستقلاليين
أما الأول: فبدعوى ان هنالك الكثير من المحرمات التي نص عليها الشارع ولعلها تزيد على الأربعمائة – حسب بعض العلماء – وهي المتيقنة والمشكوك فيه هو حرمة هذا العنوان الجديد فانه ان كان عنواناً استقلالياً كان حراماً جديداً وإن كان آلياً فلم يزد شيء على المحرمات، وكلما شك في الأقل والأكثر الاستقلاليين كان الأكثر مجرى البراءة.
ب- إذ الشك في غير المحصورة أو فيما تنجّز أحد أطرافه من قبل
اما الثاني: فلأن العلم الإجمالي بكون هذا حراماً (أي الإفساد في الأرض) أو المشار إليه به (أي سائر المحرمات كقطع السبيل والقتل والدعوة إلى الكفر...) علم بحرمة أمر مردد بين أطراف غير محصورة – لكثرة المحرمات الممكن كونُها المشار إليها – فليس منجزاً.
ثم لئن سلمنا بان الأطراف محصورة بدعوى ان ما هو مورد الابتلاء من المحرمات محصور، فيرِد ان العلم الإجمالي غير منجز كلما تعلق بأطرافٍ كان بعضها منجزاً من قبل وذلك لعدم حدوث علم جديد فيبقى الشك في الطرف المستحدث بدوياً، وذلك كما اذا وقعت قطرة دم في أحد انائين كان أحدهما نجساً من قبل فانه غير منجز كما صرح به جمع.
والمقام من هذا القبيل إذ تعلق النهي بالإفساد في الأرض وإن كان محرزاً إلا انه لا يعلم انه تعلق به بما هو هو ليكون محرماً جديداً أو انه تعلق بالمحرمات المسلّمة المشار إليها بهذا اللفظ (الإفساد) باعتباره عنواناً مشيراً فقط، فقد دار أمر النهي بين تعلقه بما كان حراماً من قبل وبين تعلقه بأمر جديد فليس بمنجز.. وسيأتي تحقيق ذلك بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الثلاثاء 18 جمادي الاولى 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |