510- القول بان الحجج ، اعتبرت من باب التعبد المحض لا اطلاق ادلة حجيتها وللسيرة ـ والجواب من وجوه ثلاثة
الاحد 9 جمادي الاولى 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(34)
حجية فتوى المجتهد من باب التعبد المحض للإطلاق وللسيرة
وقد يستشكل على الدليل الثالث بـ(ولكنه قد يقال: إن فتوى المجتهد حجة من باب التعبد المحض مثل اليد والبينة والفراش وغيرها؛ لإطلاق أدلة حجيتها، ولسيرة المسلمين حيث يأخذون بقول مجتهدهم تعبداً)([1])
ولا بد لتحقيق الحال في هذا الإشكال أخذاً ورداً من عقد أمور:
محتملات وجه حجية قول المجتهد وغيره
الأول: ان المحتملات في وجه حجية قول المجتهد – ومطلق الطرق والامارات – ثلاثة:
أ- انها حجة من باب الطريقية المحضة وان الظن الشخصي هو الملاك والمعيار، والمنصور المشهور بطلانه إلا على القول بالانسداد - على تفصيل فيه-
ب- انها حجة من باب الطريقية النوعية وان الظن النوعي هو الملاك والمقياس، فلا يقدح بالحجية عدم الظن الشخصي بالوفاق بل لا يقدح حتى انعقاد الظن الشخصي على الخلاف، وهذا هو المنصور المشهور، وهذا هو الذي يمكن التعبير عنه بالحجية من باب الطريقية - التعبدية أو من باب التعبد في الجملة، وهو الذي فصلنا الكلام حوله من: أنه طريقي في أصله – تعبدي في حدوده.
ج- انها حجة من باب (التعبد المحض) أي لا الظن الشخصي ولا النوعي وقد ادعي ان اليد والفراش والبينة من هذا القبيل بل وغيرها أيضاً وهذا هو ظاهر العبارة التي نقلناها([2]).
مناقشة دعوى الحجية من باب التعبد المحض
الثاني: انه قبل التطرق لمناقشة الدليلين المذكورين في العبارة الآنفة، نبدأ بمناقشة المدعى نفسه من وجهين:
1- اما صغرىً، فان الظاهر ان الثلاثة([3]) هي حجة من باب الظن النوعي فان بناء العقلاء عليها إذ يرونها طرقاً نوعية غالبية الإيصال للواقع، وتفصيل ذلك موكول إلى مظانه([4])
2- واما كبرىً، فانه لو فرض ان الفراش حجة تعبدية محضة – ولذا لو كانت كل الظواهر على انه للعاهر([5])، لم يؤخذ بها وكان الولد للفراش، فانه استثناء يؤكد الأصل ولا ينفيه.
الثالث: ان كلا الدليلين مخدوشان:
مناقشة الاستدلال بالسيرة
اما السيرة، ففيها: ان أخذ المسلمين بقول المجتهد تعبداً ليس وجهه ما ذكر([6]) ولا يراد به ذلك، بل المراد بالتعبد انه يؤخذ بقوله من غير مطالبته بالدليل، لا انهم يرونه غير موصل أبداً لكن الشارع أمرهم به تعبداً.
بعبارة أخرى: لا شك في ارتكازية مرآتية فتوى الفقيه لقول الشارع وأحكامه، في وجدانهم؛ فان من الواضح ان العوام يرون رأي الفقيه مرآة لقول الشارع وأحكامه ويرون ان وجه حجيته هو ذلك، بل قد لا نجد عواما يرى ان قول الفقيه حجة لا لكونه كاشفاً عن نظر الشارع أبداً بل لصرف التعبد المحض من غير طريقية لنظره للوصول إلى أحكام الشارع.
مناقشة دعوى إطلاق أدلة حجية الحجج
واما إطلاق أدلة الحجية – والمقصود به ان أدلة حجية البينة وقول المجتهد وغيرهما مطلقة من حيث انعقاد الظن الشخصي على الوفاق أو الخلاف أو العدم، ومن حيث انعقاد الظن النوعي على الوفاق أو الخلاف أو العدم([7]) - فيرد عليه:
1- إطلاق أدلة الحجية ساكت عن وجهها
أولاً: ان الإطلاق من عالم الإثبات، وكون الملاك هو التعبد المحض أو في الجملة أو الاقربية للواقع محضاً هو من عالم الثبوت فلا ربط له به بوجهٍ.
بعبارة أخرى: الحجية حتى لو فرضت مطلقة فانها ساكتة عن الوجه في اعتبارها حجة فهل هو التعبد المحض أو النسبي أو الطريقية المحضة؟.
لا يقال: الإثبات مرآة لعالم الثبوت؟
إذ يقال: ذاك فيما كان حاكيا عنه، كدلالة الإطلاق الإثباتي على عموم الحكم الثبوتي، لا فيما لم يكن حاكياً عنه كالمقام إذ كونه حجة مطلقاً لا يحكي وجه الحجية وانه من باب التعبد الصرف أو الطريقية.. الخ
لا يقال: حيث كان حجة مطلقاً أفاد انه حجة حتى مع قيام الظن النوعي على الخلاف فيفيد ان ملاك الحجية ليس الظن النوعي بل التعبد؟
إذ يقال: ذاك أعم من كون الحجية من باب التعبد ومن باب الظن النوعي لكن مع تخطئة الشارع العرف في تشخيص مصداق الظن النوعي كما في القياس.
وبعبارة أخرى: الشارع قد يرى الظن النوعي حجة لا غير لكنه في مرحلة المصداق الصغرى يرى ان هذا من الظن النوعي أو عدمه – خلافاً للعرف نظراً لإحاطته بما لم يحيطوا به مما يكشف عن خطئهم. والحاصل: انه حصل خلط بين الكبرى والصغرى فعدم كون هذا (الظن النوعي بالخلاف) حجة قد يكون لأن الشارع خطّا العرف صغرى لا لأنه لا يرى صحة الكبرى وان الظن النوعي بالخلاف مخل بالحجية فتأمل
وسيأتي جواب آخر يسلم عن ما قد يورد على هذا ولعله يستنبط من مطاوي البحوث السابقة فتدبر([8]).
2- الإطلاق التعبدي الثاني لا يلازم الإطلاق الثالث
ثانياً: سلمنا، إلا ان ذلك لا يجدي الدافع لتعين تقليد الأعلم بذلك (أي الدافع والرادّ لتعينه بدعوى ان الحجية تعبدية صرفة فلذا لا يتعين تقليد الأعلم استناداً لاقربيته) وذلك لحدوث الخلط بين الإطلاق الثاني والثالث.
توضيحه: ان عند ورود أي دليل على حجية أية حجة فان ههنا إطلاقات:
1- الإطلاق بالنسبة للظن الشخصي وفاقا وخلافاً، كما سبق. 2- الإطلاق بالنسبة إلى الظن النوعي وفاقاً وخلاف – على فرض تسليمه.
ج- الإطلاق بالنسبة لصورة التعارض، وهذا هو مورد الكلام([9]).
ولا تلازم بين الإطلاق الثاني والثالث أبداً إذ: قد يقال بان البينة حجة تعبداً محضاً حتى في موارد التهمة ومطلق صور قيام الظن النوعي على الخلاف ولا يقال – في الوقت نفسه - بشمول أدلة الحجية للمتعارضين – أي للبينتين المتعارضتين مثلاً – اما للقول بعدم المقتضي لذلك للاستحالة أو لغيرها أو للقول بوجود المانع – وهو التمانع – وإن وجد المقتضي للشمول، أو للقول بالانصراف وان قيل بالمقتضي وعدم المانع، إذ الانصراف في مرتبة الظهور لا الثبوت، فيكون التعبد منتفياً في صورة التعارض من باب السالبة بانتفاء الموضوع([10]).
أو قد يقال بشمول أدلة الحجية للمتعارضين تعبداً، لكن يقال بالترجيح بالاقربية حينئذٍ بدعوى ما سبق من التفكيك بين مرحلة المقتضي والمانع.
والحاصل: ان إطلاق أدلة الحجية – بالإطلاق الثاني – لا يستلزم الإطلاق الثالث بل قد لا يقال به أصلاً فيكون سالبة بانتفاء الموضوع (فلا تعبد ولا طريقية) أو قد يقال به (وبالشمول للمتعارضتين) لكن يقال بكون الحجتين حينئذٍ مما تلاحظ في الترجيح بينهما المرجحات المورثة لاقوائية الظن أو الموجبة لاقربية الوصول والإصابة وان كانت الحجة في أصلها اعتبرت حجة من باب التعبد المحض. فتدبر جيداً وتأمل. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
(الحكمة):
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عِيسَى غَرِيقُ الْجُحْفَةِ [قَالَ:] حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ صلوات الله عليهم، عَنْ جَابِرٍ، ((قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى فَاطِمَةَ وَ عَلَيْهَا كِسَاءٌ مِنْ جِلْدِ الْإِبِلِ، فَلَمَّا رَآهَا بَكَى وَ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ تَعَجَّلِي مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ [الْجَنَّةِ] غَداً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى))) (شواهد التنزيل ج2 ص445).
([1]) النور الساطع في الفقه النافع ج2 ص503.
([2]) وعلى أي فان هذا الاحتمال في حد ذاته ينبغي بحثه ومناقشة الأدلة التي يمكن ان تقام عليه، (وهما الدليلان المذكوران في العبارة) وان فرض ان المراد بتلك العبارة (مدارية الظن النوعي) على انه بعيد جداً وإلا لكان تكراراً لما سبق بل لكان تأكيداً لكلام التقريرات الذي ظاهره بل نصه – انه إشكال عليه.
([3]) اليد، الفراش، البينة.
([4]) ويكفي هنا مثلاً الاستشهاد بان البينة لو كانت متهمة لما قبلت، ومن البيّن ان ذلك لمراعاة الشارع جانب الطريقية فيها ولو كانت حجيتها من باب التعبد المحض لما كان وجه لذلك.
([5]) كلون عينيه وملامح وجهه، وكقوة احتمال كون الزوج عقيماً.. الخ.
([6]) من ان الشارع قد قطع النظر فيه – قول المجتهد – عن الواقع مطلقاً.
([7]) (العدم) كما لو لم يكن للعقلاء نظر ورأي بل تحيروا فتوقفوا.
([8]) الحجية في الأصل طريقياً، وفي الحدود تعبداً.
([9]) إذ الكلام في تعيّن تقليد الأعلم لدى تعارضه مع قول المفضول.
([10]) نعم هذا من حيث الأثر متحد مع قول الدافع. فتأمل
الاحد 9 جمادي الاولى 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |