123- الفرق بين الرشوة والهدية ، وعدم الفرق بين الحالية والاستقبالية في صدق العنوان والحكم
الثلاثاء 8 شعبان 1434هـ




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الفرق بين الرشوة والهدية
وبذلك يظهر وجه الفرق بين الرشوة وبين (الهدية) فإننا لا نحتاج بعد صدق عنوان الرشوة إلى دليل على التحريم، فلا فرق حينئذٍ بين كون البذل لخصومة حالية أو مستقبلية، أما الهدية فحيث كان عنوانها موضوع الحلية احتاج الحكم بحرمتها – سواء لأمر حالي أو استقبالي – إلى دليل خاص[1] فلا بد من ملاحظته سنداً ودلالة، وبذلك يظهر وجه النظر في بعض أدلة (المسالك) على حرمة الهدية وأن الظاهر عدم تمامية كلامه.
رأي صاحب المسالك
قال في المسالك (وأما الهدية... فينظر: إن كان للمهدي خصومة في الحال حرم قبول هديته لأنه يدعو إلى الميل وينكسر به قلب خصمه، وإن لم يكن له خصومة فإن لم يعهد منه الهدية قبل تولي القضاء حرم قبول هديته في محل ولايته لأن هذه هدية سببها العمل ظاهراً وقد روي انه (صلى الله عليه وآله) قال: هدايا العمال غلو[2] وفي رواية: هدية العامل سحت... ولو كانت الهدية في غير حال حكومته ممن جرت عادته بذلك قبل تولي القضاء كالقريب والصديق الملاطف فإن أحس انه يقدمها لحكومة بين يديه فكذلك، وإلا حلت على كراهية. هذا خلاصة ما فصله الشيخ في المبسوط ولم يتعرض إليه كثير، وهو حسن)[3].
أقول: لا دليل على حرمة ما ينكسر به قلب الخصم ولا على حرمة مطلق الميل بما هو هو ما لم يؤد للحكم بالباطل وإلا حرم من باب المقدمية لا بعنوانه، بل لعل ظاهر قوله تعالى (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) و(فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) هو الحرمة الطريقية. فتأمل وتحقيقه يوكل لمحله
كلام الجواهر
ثم ان الجواهر[4] نقل التحريم في صورة كون الخصومة في المآل وقال (وفي غير واحد من كتب الأصحاب انه قيل يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمهدي خصومة في المآل[5]، لأنه يدعو إلى الميل وانكسار قلب الخصم، وكذا قيل إذا كان ممن لم يعهد عنه الهدية له قبل تولي القضاء، لأن سببها العمل ظاهراً وفي الخبر "هدايا العمال غلول" وفي آخر "سحت") ثم قال الجواهر: (لكن في الرياض وغيره بعد نقله: انه أحوط وإن كان في تعيينه ولا سيما الأول نظر، للأصول وقصور سند الخبرين وضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة).
التحقيق: عدم مدخلية الحالية والاستقبالية في صدق العنوان والحكم
أقول: الظاهر أنه لا فرق بين كون الخصومة في الحال، وكونها في المآل وبين كونها مسلّمة الحصول أو متوقعة مع الظن الغالب أو لا، فانه إن تمت الأدلة الذكورة شملتها بأجمعها وإلا فلا.
والحاصل: ان الحالية الاستقبالية ليست ذات مدخلية في صدق التسمية ولا في الحرمة، أما في الرشوة فإن الاسم صادق ولو كان البذل لأمر مستقبلي.
وأما في الهدية، فإن كون البذل لأمر حالي أو مستقبلي حيث انه لا يخرجها عن صدق عنوانها إلى عنوان الرشوة، فلا بد أن يكون مدار البحث الحرمة وعدمها بلحاظ انطباق الأدلة كـ(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) و(وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ) وشبههما وبلحاظ تمامية سند (هدايا العمال غلول) وشبهه وعدمه[6].
والظاهر ان ما كان من الهدايا لأجل التأثير على القاضي في حكمه، وإن كان بتوسط أن المصب وهو جلب محبته، عكس الرشوة التي مصبها الحكم نفسه والتقابل إنما هو بينهما، يصدق عليه أنه أكل مال بالباطل و(وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ) وانه تعاون على الإثم فيما لو كان الحكم التوصل للحكم بالباطل.
ولذا قال في شرح القواعد: (وإرسال الهدايا إلى القضاة والحكام توطئة لاحتمال وقوع الترافع بين المهدي وغيره، إن لم يدخل تحت الاسم، داخل تحت الحكم) [7].
وقال السيد الوالد في المكاسب المحرمة: (أما إذا كانت الهدية مرتبطة بالحكم فالظاهر الحرمة، كما ذهب إليه غير واحد كالجواهر والمكاسب وغيرهما ويدل عليه من الكتاب ( بِالْبَاطِلِ) بعد كونه مصداق عرفاً و(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) و( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ومن السنة: ما دل على حرمة الرشوة، وهي رشوة، وإن كان لو قوبل بينهما كانت الرشوة للحكم ونحوه على نحوٍ أولي، والهدية على نحو ثانوي[8]).
الفرق بين الرشوة والهدية موضوعاً
أقول: فرَّق في روضة الطالبين[9] بينهما بان الرشوة هي التي يشترط فيها باذلها الحكم بغير الحق أو الامتناع عن الحكم بالحق، والهدية هي العطية المطلقة.
وقال في المسالك[10] والأظهر في الفرق ان دفع المال إلى القاضي ونحوه من العمال إن كان الغرض منه التودد أو التوسل لحاجة من العلم ونحوه فهو هدية، وإن كان التوسل إلى القضاء والعمل فهو رشوة).
لكن الظاهر: ان الفرق – عرفاً وهو المرجع – بينهما ليس بالموضوع والغرض[11] كما ذكره المسالك ولا بالاشتراط كما ذكره الروضة، بل بالمصب الأولي والثانوي والغرض القريب والبعيد، فإن كان مصب إعطائها: الحكم أو الداعي القريب أو ما شَرَطَه فرشوة، وإن كان التودد والملاطفة هو المصب الأولي أو الداعي القريب الملاحَظ أولاً وبالذات فهدية وإن كان الغرض الأقصى التوصل بها للحكم له.
وما ذكرناه أعم من ما اختاره الشيخ في المكاسب[12] من الفرق بينهما إذ قال: (فيكون الفرق بينها وبين الرشوة: أن الرشوة تبذل لأجل الحكم، والهدية تبذل لايراث الحب المحرك له على الحكم على وفق مطلبه).
ووجه الأعمية: ان الهدية قد تبذل لأجل إيجاد الحب كما ذكره، وقد تبذل قربة إلى الله تعالى[13] وقد تبذل لإيجاد الإحساس بكونه مديناً له[14] ليجزيه على فعله وقد تبذل لدفع عداوته أو تقليلها، فيكون بذل الهدية له لرفع المانع عن الحكم له – ولو بالحق.
ومنه ظهر ان حصر الايرواني[15] (بل الهدية تبذل لأجل إلجاء المهدى إليه إلى الحكم إلجاءً عرفياً من باب ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) من غير التفات إلى الحب ولا غرض في الحب) غير تام إذ ما ذكره إحدى مصاديق الهدية[16]. فتأمل[17]
وبما سبق كله ظهر عدم صدق الرشوة على الهدية، وأن الإطلاق لو فرض فهو تجوز أو غفلة وتسامح. ولعله لذا قال في فقه الصادق[18]: (ان الرشوة ما كانت بإزاء الحكم، لا ما يبذل بداعي الحكم).
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - كصدق عنوان (هدايا العمال غلول).
[2] - وفي آمال الطوسي: هدية الأمراء غلول.
[3] - المسالك: ج13، ص419-420.
[4]- الجواهر: ج22 ص147.
[5] - لعله خطأ من النساخ والصحيح: الحال.
[6] - وسيأتي بحث سندها إجمالاً، ودلالتها.
[7]- شرح القواعد: ج1، ص279.
[8]- الظاهر ان المقصود: ان المصب في الهدية يكون التودد ونحوه ويكون غرض الفرض هو الحكم له.
[9]- روضة الطالبين: ج8، ص128.
[10]- المسالك: ج13، ص421.
[11] - أي كون الغرض هذا الموضوع – العلم – أو ذاك – الحكم -.
[12]- المكاسب: ج1، ص246.
[13] - الأعم من المحرك له للحكم على وفق مطلبه، وغيره، ووجه قصد القربة أنه يرى الحق له وان بذل المال للقاضي معونة له على إحقاق الحق.
[14] - ونسبته مع (إيجاد الحب) عموم من وجه.
[15]- حاشية كتاب المكاسب للميرزا علي الايرواني: ص161.
[16] - وهو القسم الثالث مما ذكرناه في وجه الأعمية.
[17] - إذ جامع الإلجاء العرفي موجود في الأقسام الأربعة. فتأمل
[18]- فقه الصادق عليه السلام: ج21، ص58.
الثلاثاء 8 شعبان 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |