86- تحليل معنى قول النجاشي (يُعرف وينكر) ـ وجوه عدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري منها : عدم ثبوت نسبة الكتاب له ومنها : استناده –على فرض الثبوت - للحدس ومنها : كونه – على فرضه - طعّاناً
الاحد 12 جمادى الاولى 1434هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول رواية ثواب الأعمال وسندها, ووصلنا الى سعد الاسكاف، وقلنا ان الشيخ الطوسي قد وثقه وقال عنه (صحيح الحديث)، وأما الشيخ النجاشي فذكر انه (يعرف وينكر) فهل هناك تعارض بين كلام العلمين فيه؟ قد اجبنا بان ذلك يعتمد على تحليل معنى (يعرف وينكر) ان الاحتمالات هي أربعة.
المحتملات في المراد بـ(يعرف وينكر)
الاحتمال الاول: كلام والد المجلسي: يُعرف لو روى عن الثقات
أما الاحتمال الأول فهو ما ذكره والد العلامة المجلسي في روضة المتقين حيث رأى أن معنى (يعرف وينكر) انه، أي سعد الاسكاف لو روى عن الثقاة فحديثه معروف ومقبول، وأما لو روى عن الضعاف او انه ارسل حديثه فروايته في هذه الحالة منكرة.
ولو استظهرنا هذا المعنى فان هذه العبارة (يعرف وينكر) ستكون عبارة مدح وليست بعبارة قدح؛ لأنها تدل على ان النجاشي قد فرغ من وثاقة الرجل، ولذا فقد نقل الكلام إلى من بعده من رجال سلسلة السند توثيقا او تضعيفا,
إذن: هذا هو المعنى الأول, وهو ظاهر في المدح .
الاحتمال الثاني: (يعرف) أي تقبله الافهام العادية
وأما الاحتمال الثاني فهو ما استظهره السيد الخوئي في المعجم، إذ رأى عدم المعارضة بين كلام الشيخ النجاشي والطوسي، فقال: "وذلك إن المراد انه قد يروي ما لا تقبله الأفهام العادية المتعارفة، وهذا لا ينافي الوثاقة" انتهى, أقول: ويحتمل أن يكون قسيم ذلك هو (وتقبله الافهام المتميزة أو المحققة) كما لعله ظاهر (يعرف) في مقابل ينكر – ان قبلنا أصل هذا التفسير.
وعليه: فان كلام النجاشي بناءا على هذا التفسير لا يظهر منه المدح او القدح، بل هو محايد ظاهراً، بل لعله مدح لدى التدبر.
الاحتمال الثالث: (يعرف) صفة للراوي
وهذا الاحتمال ذكره البعض وهو ان (يعرف وينكر) صفة للراوي لا للرواية، فيكون المراد من ذلك إن بعض علماء الرجال يعرفونه ويوثقونه، وأما البعض الآخر فينكرونه.
مؤيد للاحتمال الثالث:
ونذكر مؤيدا للاحتمال الثالث[1] وهو: ان الشيخ النجاشي يعبر في بعض الأحيان بتعبير(يعرف وينكر)، ولكنه في أحيان أخرى يعبر بـ(يعرف حديثه وينكر)وظاهر (يعرف حديثه وينكر) كونهما صفة للحديث، أما ظاهر (يعرف وينكر) فكونهما صفة للراوي، خاصة بقرينة اختلاف التعبير وكون الشيخ النجاشي رجلاً دقيقاً في كلامه وليس كلامه كلاماً أدبياً أو شعرياً كي يحمل على التفنن في التعبير فتأمل. وذلك على عكس الاحتمالين الأولين إذ الوصف عليهما راجع إلى الحديث، وان كان يمكن في الاحتمال الأول ان يكون بكلا التوجيهين (من جهة الحديث، ومن جهة مَن بَعد الراوي من سلسلة الإسناد).
والمتحصل: انه حتى على الاحتمال الثالث فان كلام النجاشي لا يعارض كلام الطوسي وذلك ان النجاشي لم يتبن موقفا معينا، ولعله توقف فيه, وهذا لا يعارض الجرح او التعديل من قبل رجالي آخر،
وعليه: فيبقى كلام الشيخ الطوسي حجة في توثيق سعد الاسكاف، إذ لا معارض له[2].
الاحتمال الرابع: يعرف مع وجود القرائن والامارات
وأما الاحتمال الرابع وقد ذكره البعض فهو ان معنى (يعرف وينكر) أي: يؤخذ به ان كانت معه أمارات الوثوق وإلا فهو منكر، فهي عبارة ذم، وهو بعيد.
تعليقنا: عدة وجوه لتوثيق هذا الراوي
ثم انه لو تردد الفقيه في المراد من عبارة النجاشي وانها تضعيف أم لا، فهي مجملة فلا تصلح لمعارضة كلام الشيخ الطوسي الصريح في توثيق الراوي؛ فان المجمل لا يعارض البين والصريح في بناء العقلاء[3] وكلامهم. هذا إضافة إلى إننا لم نقتصر في توثيق هذا الراوي على اعتبار وتوثيق الشيخ الطوسي له، بل اننا استندنا أيضا الى وجهين آخرين، وهما وقوعه في إسناد تفسير القمي، وكذلك وقوعه في اسناد كامل الزيارات[4].
هذا مجمل البحث في كلمة (يعرف وينكر) التي ذكرها الشيخ النجاشي حول سعد الاسكاف، والأمر عائد الى استظهار الفقيه والرجالي[5].
تضعيف ابن الغضائري لسعد الاسكاف
واما البحث الثاني في المقام فنذكر فيه إشكالا وهو :ان ابن الغضائري قد ضعف سعد الاسكاف، ولا بد من التوقف قليلاً عند رجال ابن الغضائري[6] ومؤلفه فنقول:
الغضائريان والكتاب المنسوب اليهما:
الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري وهو الاب، هو شيخ النجاشي والطوسي وقد توفي عام 411هـ، ويحتمل كون كتاب (الضعفاء) له، كما يحتمل ان يكون مؤلف هذا الكتاب هو ابنه وهو احمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري والمشهور بابن الغضائري، وقد كان زميلا للشيخين النجاشي والطوسي.
أما الأب فانه لا كلام في توثيقه واعتباره، ولكن الكلام في الابن، أي: احمد بن الحسين فقد وثقه قوم، كما ضعفه البعض مثل العلامة المجلسي إذ لم يرتضه ولم يعتمد عليه قال (لا اعتمد عليه كثيراً)[7].
كتاب (الضعفاء) لم تثبت نسبته لأحدهما
أ- الكتاب تلف بعد وفاة مؤلفه
أ- ان الشيخ الطوسي في الفهرست[8] قد ذكر بان ابن الغضائري كان له كتابان، احدهما في المصنفات والأخر في الاصول وكلاهما قد تلفا؛ وذلك انه لم يستنسخ احد الكتابين، وقد اهلك ورثته ذينك الكتابين وغيرهما بعد وفاته.
كما ان السيد الخوئي في المعجم ذهب إلى عدم ثبوت نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه[9]. هذا من جهة، ومن جهة أخرى:
ب- لا سند متصل به بعد مآتي سنة من فقده
ج - ان هذا الكتاب – على فرض عدم تلفه - قد فقد لمدة 200 سنة تقريبا[10]، ثم ان أول من وجده هو السيد احمد بن طاووس أستاذ العلامة الحلي وابن داوود، حيث وزعه في كتابه (حل الإشكال) الذي ألفه عام 644هـ، فهو أول من استخرج كتاب ابن الغضائري ووزعه في ثنايا كتابه (حل الإشكال في معرفة الرجال)، حيث ان ابن طاووس في هذا الكتاب نقل عن خمسة كتب رجالية وهي كتابا الرجال والفهرس للطوسي وكتاب الكشي وكتاب النجاشي وكتاب ابن الغضائري ثم ان السيد ابن طاوس بنفسه ذكر انه لا سند له لهذا الكتاب، وعبارة السيد ابن طاووس هي: " لي بالجميع – أي الكتب – روايات متصلة سوى كتاب ابن الغضائري "،
واما العلامة الحلي في خلاصته، وكذلك ابن داوود في رجاله فقد اعتمدا على نصوص أستاذهما ولم يذكرا شيئا في تحقيق مدى صحة نسبة هذا الكتاب لابن الغضائري.
والنتيجة: ان كتاب الضعفاء لا تعلم صحة نسبته إلى ابن الغضائري فتكون تضعيفات ابن الغضائري – المنسوبةَ له - موهونة، هذا هو الاشكال الثاني[11].
الإشكال الثالث: تضعيفات الغضائري حدسية واجتهادية
ج- وأما الإشكال الثالث فهو: ان عمدة – أو كثيراً من - تضعيفات الغضائري الأب او الابن، مستندة إلى الاجتهاد الحدسي ومسلكه في الغلو وما أشبه، التضعيف أو التوثيق الاجتهادي لا حجية له على المشهور من جهة، ومن جهة أخرى فان وجه عدم حجيتها لدينا هو، وما ذكرناه في ضابطة الغلو عند البعض.
الإشكال الرابع: الغضائري كثير الطعن، فلا يعتد بكلامه
د- وأما الإشكال الرابع فهو: ان الغضائري او ابنه لو ثبت نسب الكتاب إليهما – فرضا وتنزلا – فان مما يسقط كتابه عن الحجية انه كان طعّانا في الكثير من العلماء، فقد أكثر من الطعن في علماء وفقهاء الشيعة بحيث خرج في ذلك عن المتعارف جدا، بل لعله مما لا نظير له في ذلك، وهذه السيرة تسقط أقواله عن الحجية، لدى العقلاء فان بناءهم على عدم قبول جرح من كان طعّاناً ومكثرا في الطعن[12].
ولذا نجد الشيخ آغا بزرگ يذكر في كتابه: بان سيرة الأصحاب قديماً وحديثاً جارية على عدم الاعتناء بما تفرد به الغضائري من الجرح. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - وهذا المؤيد مما خطر بالبال الآن أثناء البحث ولكنه يحتاج الى مزيد تثبت
[2] - وبناء العقلاء على ذلك أيضا في ترجيح القول الصريح على الآخر المجمل والمتوقف فيه
[3] - ولا يخفى ابتناء الكلام على مسلك الوثوق النوعي لا على مسلك الاطمئنان، إذ لو كان وجه الحجية في قول الرجالي هو الاطمئنان فربما أورث إجمال قول الرجالي سلبه – أي الاطمئنان النفسي والشخصي – ولورد الإشكال في المقام، وأما لو قلنا بان حجية قول الرجالي هي من باب خبر الثقة او من باب قول اهل الخبرة فان المطلوب هو الوثوق النوعي لا الوثوق والاطمئنان الشخصي، وهو حاصل بقول الطوسي ولا يضر به إجمال كلام الرجالي الآخر.
[4] - على احد المبنيين في كتاب كامل الزيارات
[5] - فائدة وتعليق: انه عند استخدام أي مصطلح فيجب – إرشادا – على المؤلف سواء كان في الدراية او الفقه او الأصول او غيره ان يقوم بتعريف مصطلحه وذلك كي لا يوقع القارئ او المحقق في اللبس والاشتباه، وفي مقامنا فان مصطلح (يعرف وينكر) لعله في ذلك الزمان كان معروف المراد لذا لم يعرّفه النجاشي وغيره ولكن الكتاب يكتب للأجيال والزمان القادم وكثير من القرائن المقامية قد تضييع فاللازم تعريفه، وفي هذا الزمن نلاحظ ان الكتب الجديدة التي تكتب في الفقه او الأصول من اجل تحديث المناهج بما يواكب لغة العصر ينبغي ان تراعي ما ذكرناه وذلك ان المؤلف قد يبتكر هذا المصطلح الجديد للتبسيط، ولكن عليه بيان حدوده حتى لا يوقع الطالب او المحقق في اللبس او الوهم، وهذه ملاحظة مهمة في المقام.
[6] - وهذا بحث مفصل ونقتصر فيه على رؤوس العناوين
[7] - البحار ج1 ص 41
[8] - ديباجة الفهرست.
[9] - معجم رجال الحديث ج1 ص102 (طبعة أخرى ص114)
[10] - ولو كان الأب هو المؤلف له لكانت المدة أكثر من ذلك
[11] - وقد حقق ذلك بالتفصيل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة المجلد 4 / ص 288 وكذلك المجلد 10 / ص 89، فراجع.
[12] - كما هو الحال في القطاع والوسواس إذ لا يبني العقلاء على كلامه.
الاحد 12 جمادى الاولى 1434هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |