71- فقه الصادق :(قول اللغوي ليس بحجة لاسيما في صورة اختلافهم في تعيين المفهوم ) المناقشة: 1 ـ ماسبق من حجيته تفصيلاً 2ـ لااختلاف بين اللغويين في تحديد مفهوم الرشوة 3ـ على فرض الخلاف فالمرجع لذي المزية وهو وضعها للاعم ـ دليل (المستند ) على الاعم : الاستعمال في الرواية الصحيحة في الاعم ـ جواب (فقه الصادق ) اصالة الحقيقة يرجع اليها لتشخيص المراد بعد معرفة الموضوع له لا العكس
الاثنين 14 ربيع الثاني 1434 هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الأدلة التي يمكن ان يستدل بها لتنقيح موضوع الرشوة سعة وضيقا، وذكرنا من هذه الأدلة قول اللغوي، واشرنا إلى ان صاحب فقه الصادق (عليه السلام) استشكل بإشكالين: الإشكال الأول هو: ان قوله ليس بحجة وقد ناقشناه تفصيلا هذا ما مضى.
تتمة: الادلة النقلية تامة لإثبات شرائط التقليد
ونذكر ملحقا وتتمة لما ذكرناه سابقا، حيث اشرنا في طيات بحثنا إلى ان العديد من الفقهاء ارتأوا ان بعض الشروط العامة في مرجع التقليد كالحياة والعدالة والذكورة وكذا الحرية، هذه لا دليل تام عليها إلا الإجماع وناقش بعضهم فيه، ولمزيد معرفة المسألة وللتعرف على وجهة النظر المقابلة والتي ترى ان هناك أدلة نقلية قرآنية وروائية تامة على هذه الشرائط فانه يمكن مراجعة كتاب الفقه للسيد الوالد حيث يرى تمامية الأدلة اللفظية من قرآنية وروائية إضافة إلى الإجماع، فانه من أنصار ان الأدلة اللفظية – قبل الإجماع - تامة الدلالة على اشتراط العدالة في مرجع التقليد[1], فقد ذكر ثمانية أدلة على ذلك، وكان سابعها الإجماع وثامنها السيرة القطعية حيث ابتدأ بالكتاب واستدل بآتين منه، ثم ذكر الروايات وهكذا، وقد أشرنا سابقاً إلى ما ذهب إليه السيد القمي والسيد السبزواري أيضاً.
الإشكال الثاني: تعارض اقوال اللغويين مسقط لحجيتها
ذكرنا فيما سبق ان صاحب فقه الصادق قد استشكل بإشكالين، أولهما: ان قول اللغوي ليس بحجة، وأما ثانيهما: فهو انه لو فرض ان قوله حجة، فانه في صورة التعارض تسقط هذه الحجية، والمشكلة في الرشوة ان أقوال اللغويين فيها متعارضة فتتساقط فلا مرجعية لغوية اذن في البين،
وأما عبارته فهي: " ان قول اللغويين ليس بحجة، لاسيما في صورة اختلافهم في تعيين المفهوم"[2]، لأن الرشوة مختلف فيها من حيث تحديد مفهومها ضيقا وسعة بين اللغويين.
مناقشة كلام فقه الصادق (عليه السلام): ونناقش الشق الثاني من كلام فقه الصادق (عليه السلام) صغرى وكبرى:
اولا، صغروياً: ذِكر الأضيق هو لأحد وجوه ثلاثة، لا للحصر
ونناقش أولا نقاشا صغرويا فنقول:
انه اتضح مما سبق – ونؤكده الآن ونضيف اليه – انه قد يدعى انه لا خلاف بين اللغويين في إرادة المعنى الأعم، وانه أي: المعنى الأعم للرشوة هو الموضوع له لا الأخص، وذلك باستظهار ان المعنى الأخص والذي ذكره عدد من اللغويين لم يكن لتحديد الموضوع له بشرط لا عن الأعم، وإنما كان من باب كون المعنى الأضيق والأخص هو اظهر المصاديق، وهذا وجه واحتمال أول وأما الاحتمال الثاني فهو: ان ذكر الأخص كان من باب انه هو الأكثر استعمالا فاقتصروا عليه لذلك لا لنفي المعنى الأوسع والأعم[3].
وأما الاحتمال الثالث فهو ما ذكره صاحب المستند وهو ان التضييق هو بلحاظ الحكم لا بلحاظ الموضوع، أي القيد هو للرشوة المحرمة – وبهذا القيد- لا للرشوة نفسها، لا ان المعنى الأوسع ليس بموضوع له وليس برشوة موضوعاً، فمن يرشي الآخر ليحق الحق ويبطل الباطل فهي رشوة موضوعا، ولكنها ليست بحرام حكما.
وأما عبارة صاحب المستند فهي: "مع ان الظاهر ان مراد بعض الفقهاء – ونحن نقول بعض اللغويين أيضا كابن الأثير – تخصيص الحرمة، دون الحقيقة"[4] انتهى.
والمتحصل: ان ذكر المعنى الأضيق من اللغويين هو لأحد وجوه ثلاثة: إما لأنه المصداق الأظهر والاجلى، وإما لأنه الأكثر استعمالا، وإما لتحديد الحكم لا الموضوع، وليس ذكرهم له لحصر الموضوع له به.
ولو تم ما ذكرناه من ان اللغويين لا خلاف بينهم في ان الموضوع له هو المعنى الأعم فهو، وإلا ننتقل من هذا الجواب – الصغروي – الى جواب كبروي .
ثانياً: كبروياً التعارض لايؤدي الى التساقط مطلقا
ونناقش ما ذكره فقه الصادق، كبرويا فنقول:
سلمنا ان اللغويين مختلفون في تحديد الموضوع له للرشوة، لكن هذا التعارض بين أقوالهم لا يؤدي الى التساقط، إلا لو كان هناك تكافؤ بين المتعارضين، وأما لو كان احد الأقوال ذا مزية، فان دليل الحجية يشمله أي ينحصر به دون الآخر.
محتملات الأصل لدى التساقط، ثلاثة
توضيح ذلك بإيجاز:
في مبحث الأصل في تعارض الحجتين يذكرون عدة احتمالات منها: ان الأصل التساقط ، ومنها التخيير بين الحجتين المتعارضتين، وهناك احتمال ثالث وهو ان يتوقف فيهما .
الكلام في المرجع العقلي عند التعارض لاغير:
ولابد هنا من ملاحظة أمر مهم وهو ان الكلام هو عن المرجع والأصل العقلي أو العقلائي عند تعارض الحجتين – وهذا قيد مهم – وذلك كالبينتين والإقرارين في الموضوعات، وكخبر الثقة وقول اللغوي في المحمولات والحجج، فالحديث عن المرجع العقلي والعقلائي وليس عن المرجع او الأصل الشرعي؛ وذلك لأن الأصل الشرعي الثانوي خاص بالخبرين المتعارضين فقط وكلامنا ليس عنهما, وإنما هو في تعارض أقوال اللغويين.
فان الأصل العقلائي في خصوص الخبرين المتعارضين يرفع اليد عنه، وذلك لوجود الروايات المعالجة للتعارض المذكور[5]
وعليه: فان بحثنا ينحصر في الأصل العقلي والعقلائي، فلو تعارض قولا اللغويين فهل الأصل في المقام هو التساقط او التخيير؟ فلو قلنا ان المرجع هو التخيير فسينتج ذلك حجية كل منهما على سبيل البدل، وعليه لا يتم كلام فقه الصادق (عليه السلام)؛ حيث يقول انه في صورة التعارض فقول اللغويين ليس بحجة.
ولكننا في المقام نجاري فقه الصادق (عليه السلام) في مبناه الذي ذهب إليه الكثير من الأصوليين وهو: ان الأصل العقلي أو العقلائي ليس هو التخيير وإنما هو التساقط, ولكن مع ذلك نقول: ان التساقط يتم في صورة تكافؤ المتعارضين، لا في صورة كون احد المتعارضين ذا مزية[6]، ونقول: ليس لهم – بلحاظ أدلتهم - إلا أن يقولوا بذلك، وان التساقط خاص بصورة التكافؤ، والحال في مقامنا كذلك[7] فان أكثر اللغويين قد فسر الرشوة بالأعم وهذه هي المزية الأولى، وأما المزية الثانية فان أكثر الفقهاء وبحسب كلام المستند قد فسروها بالأعم من حيث المصب كذلك، إضافة إلى مزايا أخرى أشرنا لبعضها سابقاً.
فلا بد اذن من ملاحظة دليلهم على التساقط:
دليل المشهور على التساقط:
ان دليل المشهور على التساقط في حال تعارض الحجتين هو هذه المنفصلة:
إما ان يكون دليل الحجية لُبّياً، كبناء العقلاء – ونضيف: الإجماع والسيرة – وهنا حيث لا إطلاق لهذا الدليل؛ لأنه لبي، فلا يشمل المتعارضين فيتساقطان.
واما ان يكون دليل الحجية هو الدليل اللفظي الذي لا إطلاق له، ومعه فسيلحق هذا الدليل بالأدلة اللبية من حيث عدم وجود الإطلاق له.
واما ان يكون دليل الحجية هو الدليل اللفظي المطلق،
وهنا نسأل المشهور ونقول: لم التزمتم بالتساقط في هذه الصورة؟ وجوابهم انهم يذكرون قضية عقلية حاصرة مرددة بين شقوق وإطراف ثلاثة - وقد ذكر هذا التشقيق من قبل مجموعة من الأصوليين[8]، وهي:
الشق الأول: ان يقال ان أدلة الحجية تشمل المتعارضين سوية في وقت واحد، وهذا محال؛ لأنه يستلزم التعبد بالمتناقضين – او المتضادين – من قبل الشارع، وهو غير معقول .
الشق الثاني: ان أدلة الحجية لا تشمل أياً من المتعارضين، ونتيجته هي التساقط وهو المطلوب .
الشق الثالث: ان أدلة الحجية تشمل احدهما بعينه دون الآخر، وهذا ترجيح بلا مرجح وهو محال[9].
تعليقنا: لازم قولهم هو اختصاص التساقط بالمتكافئين
ونقول في مقام التعليق على الشق الثالث من دليلهم انه لو كان دليلهم ما ذكروه فهو يتضمن بنفسه رد كلامهم ان أرادوا الإطلاق، كما لعله هو الظاهر من كلماتهم، فقد ذكروا في الشق الثالث ان شمول أدلة الحجية لأحدهما حيث انه ترجيح بلا مرجح فهو محال أو باطل.
وهنا نقول: ان لازم كلامهم ان يختص التساقط بالمتكافئين، وأما لو كان احدهما ذا مزية على الآخر فدليلهم بنفسه ينطِق بان أدلة الحجية شاملة له، بل خاصة به، إذ ترجيحه ليس بلا مرجح، بل هو مع المرجح.
ونضيف الى ذلك: ان بناء العقلاء على ذلك أيضا، فلو تعارض خبرا ثقتين وكان متكافئين فهنا يمكن ان يقال بالتساقط – لو لم نقل بالتخيير -، وأما لو كان احدهما ذا مزية، كما لو كان اضبط وأتقن في نقله فانه سيرجح على الآخر وعلى هذا بناء العقلاء وسيرتهم.
والحاصل: انه بناء على هذه الكبرى الكلية في استدلالهم على التساقط فنقول: ان التساقط سيختص بصورة التكافؤ لا مطلقا - ككبرى -، واما صغرى مقامنا فانه لا تكافؤ بين المعنيين المذكورين من قبل اللغويين للرشوة سعة وضيقا؛ فان القول بأنها موضوعة للأعم هو ذو مزايا ومرجحات متعددة كما بينا، وهذا المقدار من النقاش فيه الكفاية.
والخلاصة من كل ذلك: ان قول اللغوي الذي يرى المعنى الأوسع للرشوة ، حجة ، حتى لو عارضه قول لغوي آخر، لأن قول من يرى التوسعة والاعمية هو ذو المزية، وبناء العقلاء على ذلك.
الاستدلال الثاني لصاحب المستند: الاستعمال في الأعم، في رواية صحيحة
سبق ان صاحب المستند استدل في تعميمه للرشوة بقول اللغويين أولا, ثم ذكر دليلا ثانيا وهي الرواية الشريفة حيث يقول: " ويدل عليه استعمالها فيما أعطي للحق، في الصحيح " عن الرجل يرشو الرجل على ان يتحول من منزله فيسكنه؟ قال (عليه السلام): لا بأس به "، فان الأصل في الاستعمال، اذا لم يعلم الاستعمال في غيره، الحقيقة، كما حقق في موضعه (انتهى كلامه)[10].
لكن فقه الصادق استشكل عليه بإشكال مشهور، - حيث انه صاحب المستند يتبع في رأيه المذكور السيد المرتضى بينما صاحب فقه الصادق (عليه السلام) يتبع في رأيه مشهور الأصوليين -، والإشكال في المقام هو: ان أصالة الحقيقة إنما يرجع إليها في تشخيص المراد بعد العلم بالوضع – وهو رأي المشهور – ولا يرجع اليها لتشخيص الموضوع له مع العلم بالمراد[11] - وهو رأي السيد المرتضى – ومورد الرواية هو القسم الثاني لا الأول، وللكلام تتمة.
وصلى الله على محمد واله محمد الطاهرين
________________________________________
[1] - الفقه الاجتهاد والتقليد مج 1 ص 210، كما ان السيد العم فصل الأدلة وأضاف لها في (بيان الفقه / كتاب الاجتهاد والتقليد) ج3 ص66 فليراجع.
[2] - فقه الصادق ج21 ص45.
[3] - ونجد ذلك في القران الكريم كثيرا حيث فُسرت الآيات العامة بأئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) وهذا ليس للحصر – إلا ما ثبت بدليل كآية الولاية – ولكن لأنهم المصداق الاجلى والاتم
[4] - مستند الشيعة ج17 ص71.
[5] - حيث جاء في الرواية مثلاً ( يأتي عنكما الخبران المتعارضان بأيهما نأخذ؟..) إلى غيرها من الروايات العلاجية
[6] - وكلامنا معهم هو على طبق مبانيهم أي اننا نسلم بما قالوه وثبتوه من أدلة ونفرع عليه جوابنا استناداً لأدلتهم بنفسها مع قطع النظر عن مبنانا وهو التخيير
[7] - وهذه هي صغرى المقام ونحن نتجشم العناء لها ولإثباتها
[8] - راجع (مصباح الأصول) و(المحصول) وغيرهما.
[9] - إما عقلا او بالنظر للحكمة، لوجود خلاف في ان الترجيح بلا مرجح هل هو ممتنع عقلا وانه كاجتماع النقيضين، او هو ممتنع بالنظر للحكمة، ونحن نستظهر الأخير.
[10] - المستند ج17 ص71.
[11] - فقه الصادق ج21 ص45.
الاثنين 14 ربيع الثاني 1434 هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |