16- بحث سندي عام -هل المدار على وثاقة الخبر أم وثاقة المخبر؟ -قرينية الشهرة بأنواعها
الثلاثاء 12 ذي القعدة 1432هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول قاعدة الالزام وأدلتها، ونصلالان للاستدلال عليها بالروايات الشريفة، إلا ان ذلك يتوقف على بحث سندي عام لنرى مدى امكانية توثيق هذه الروايات بمباني عامة ثم بتطبيقات خاصة ؛ وذلك ان بعض الاعلام انكر وجود هذه القاعدة للإشكال السندي في رواياتها.
واما في البحث العام، فإننا سنقتصر على ما ينفع في قاعدة الالزام فنقول:
ان هناك امورا ينبغي تمهيدها كي نستنتج منها مدى امكان الاعتماد على قاعدة الالزام، ولعله لو تمهدتهذه الامور، فان المئات من الروايات – بل الالوف - تخرج من دائرة الضعف او المجهولية الى دائرة الحجية،
ولذا فإن هذا البحث مهم جدا ولا بد لتنقيحه من بيان أمور:
الامر الاول: النسبة بين وثاقة الخبر والمخبر
ان النسبة بين وثاقة الراوي ووثاقة الرواية هي العموم والخصوص من وجه، إذ قد يجتمعان وقد يفترقان، اما جهة الافتراق ففيما كان الخبر خبر ثقة إلا ان المضمون كان غير موثوق به, وهنا فان العقلاء لا يعتمدون عليه, وذلك كما لو كان المخبر ثقة ولكنه اخبر بمضمون غريب أو مخالفٍ للكتاب أو السنة القطعية أو كان معرضاً عنه.
واما مادة الافتراق من الجهة الاخرى أي وثاقة الخبر دون وثاقة المخبر فكما في الخبر الذي جاء به فاسق او كذاب لكن كان مضمون الخبر على القاعدة كما لو طابق الكتاب أو السنة المعلومة أو كانت الشهرة عليه او غير ذلك .
الامر الثاني: الطريقية في وثاقة المخبر
ان وثاقة المخبر سواء في بناء العقلاء، او فيما يستفاد من الروايات، انما اخذت على نحو الطريقية لوثاقة الخبر – وهذه مقدمة مهمة جدا –، فالمدار في الواقع على وثاقة الخبر اولا وبالذات فانه المقصود والمطلوب، وهو مرمى نظر المولى ومحط ومصب ما يريد؛ والحامل لاغراضه.
ولذا فان الرجاليين الستة المعروفين ( الكشي والنجاشي وغيرهما )لو وثقوا بأجمعهم رجلا إلا ان هذه الوثاقة لم تسر للخبر، لسبب او لآخر، فان كل هذه التوثيقات لا قيمة لها لتشييد مضمون الخبر؛لأنها هي صرف طريق الى واقع الخبر ومضمونه.
رأي المحقق الحلي:
وقد ذهب المحقق الحليالى ما مضى من رأيٍ من حيثمحورية وثاقة الخبر
إذ انه ذهب إلى أن المدار في حجية الخبر على عمل المشهور به فلو كان المخبر ثقة ولكن لم يعمل المشهور بخبره فإنه يطرحه، وبالعكس فلو عمل المشهور بخبر فهو حجة وإن كان ضعيف السند .
الدليل: الآيات والروايات
ويدل على ذلك اضافة الى بناء العقلاء، قوله (عليه السلام): " العمري ثقتي، فما ادى اليك عني فعني يؤدي .. "، فان المتفاهم منه عرفاً ان وثاقة العمري قد اخذت امارة نوعية على وثاقة الخبر وطريقاً لإثبات صحة ما ادى عن الامام (عليه السلام)، ويدل عليه فاء التفريع في (فما أدى..) و(عني يؤدي) الظاهر في أن الموضوعية للأداء عنه صلوات الله عليه وأن وثاقة العمري طريق له ومحرز.
وعليه: فوثاقة المخبر قد اخذت على نحو الطريقية، واما وثاقة الخبر فإنها قداخذت على نحو الموضوعية.
اية النبأ والاستدلال بها:
ونسدل في المقامايضا بآية النبأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)،
فإنه يوجد فيهاثلاثةمواضع يمكن ان يستدل بها على المدعى:
1- قوله تعالى: (فَتَبَيَّنُوا) فإنه كالنص في تبين المضمون وانه المطلوب وان المدار هو على التبين عن الخبر بل وان كون المخبر فاسقاً ليس علة تامة لطرحه.
2- التعليل في (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) فان هذه الاصابة في واقعها هي فرع سقم الخبر (أو صحته)، فلو كان صحيحا فلا اصابة للقوم بجهالة إذ لو كان الخبر موثوقاً فعمل به، فإنه لا يقال قد أصبنا القوم بجهالة، فالإصابة بالجهالة أوالامن والسلامة منها متفرعة – نوعاً - على وثاقة الخبر وعدمه، لا المخبر.
3- (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، بنفس التقريب المتقدم، فإن الندم متفرع ودائر مدار عدم وثاقة الخبر لا المخبر وقد أخذت عدم وثاقة المخبِر طريق لعدم وثاقة الخبر لا غير، إلا ان الفرق عما سبق ان الندم والاصابة بالجهالة طوليان، فإصابة القوم بالجهالة هو علة للندم وهو مسبب عنها .
كلام مصباح الفقيه :
يقولالفقيه الهمداني: "ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة المطلوبة ، والا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا اثبات عدالةرواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها والعمل بظنون غير ثابتة الحجية " .
توضيح كلامه:
وصاحب المصباح يرى إن آراء الرجاليين ليست وافية بالمراد؛ إذ يوجد بين (النجاشي) وبين من وثقهم يوجد فاصل كبير كما ان توثيقاته مرسلة، نعم توثيقات الشيخ الكشي مسندة، الا ان المعتمد غالباً في هذا الفن هو الشيخ النجاشي، فهو خريت هذا الفن، ولو التزمنا بان مراسيل الرواة ليست بحجة، فكيف نلتزم بحجية مراسيل توثيقات النجاشي؟ وكيف يصح الاعتماد عليها؟ نعم لا يتم ذلك إلا بالمسامحة في طريقها والعمل بظنون رجالية غير ثابتة الحجية.
تتمة كلام الفقيه الهمداني: المدار على وثاقة الراوي او الوثوق بصدور الرواية وان كان بواسطة قرائن الخارجية والتي عمدتها كونها مدونة في الكتب الاربعة او مأخوذة من الاصول المعتبرة معاعتناء الاصحاب بها وعدم اعراضهم عنها...ولأجل ما تقدمت الاشارة اليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حالهم " ، انتهى كلامه رفع مقامه.
والخلاصة: ان المحور الاساسي هو وثاقة الخبر، واما وثاقة المخبر فهي طريق اليه، ولو تعارضا لكان البناءوالاعتماد على الخبر دون المخبر.
الأمر الثالث:
قرائن عامة تؤدي الى وثاقة الخبر:
وهذه قرائن عامةتودي الى وثاقة الخبر وان لم يكن المخبر ثقة وهي:
القرينة الاولى:
وهي مطابقة الخبر للشهرة الروائية او الفتوائية او العملية، وهذه الشهرات الثلاث مجتمعة في قاعدة الالزام وهوما يزيدها قوة الى قوتها .
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الثلاثاء 12 ذي القعدة 1432هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |