33- استدلال الشيخ برواية عبد الملك عن التنجيم (....اتقضي ؟ ... احرق كتبك ) - تحقيق حول المعاني (القضاء) الخمسة - تحقيق حول صور حرمة التنجيم الثمانية
السبت 16 محرم 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الأدلة التي استدل بها الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر وآخرونعلى حرمة حفظ كتب الضلال، وأضفناإليها:ومختلف التقلبات في مسببات الفساد، وقد مضى شطر كبير من البحث في ذلك، وبقي القليل منه.
دليل أخر: رواية (عبد الملك بن أعين )
استدل الشيخ على حرمة حفظ كتب الضلال برواية عبد الملك بن أعين المروية في (من لا يحضره الفقيه): عن محمد بن حمران عن أبيه(أي حمران بن أعين)عن عبد الملك بن أعين قال "قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني قد ابتليت بهذا العلم (أي علم التنجيم) فأريد الحاجة ( أي كالسفر أو الزواج أو غيرهما)، فإذا نظرتإلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم اذهب فيها (أي في الحاجة)، وإذارأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة؟ فقال لي (عليه السلام): أتقضي؟ قلت: نعم، قال: احرق كتبك"، وهنا موطن الشاهد في مسألة حفظ كتب الضلال، فان الرواية تطرح في مبحث التنجيم وحكمه,لكن موطن الاستدلال على مرادنا هو آخر الرواية، حيث يقول الإمام(عليه السلام): احرق كتبك، وماأمره (عليه السلام) بذلكإلا لأنالكتب كتب ضلال.
عبارة الشيخ الأنصاري ومورد البحث:
وإما عبارة الشيخ فهي: "ومقتضى الإستفصال في هذه الرواية انه إذا لم يترتب على إبقاء كتب الضلال مفسدة، لم يحرم" ومعنى كلامه: إن حفظ كتب الضلال إذا كان بنحو المقدمة الموصلة حرم ذلك وإلا فلا وعليهفلو قطع الشخص بان هذه الكتب ستؤدي إلى ضلال أبنائه، ولكنه لسبب أولآخر لم يضلوا، فان هذه الرواية – بحسب كلام الشيخ – لا تدل على الحرمة ، والشيخ طرح هذه المسالة بشكل سريع كما هو حال بقية الأعلامالذين استدلوا بهذه الرواية، ولكن الواقع هو إن الجملةالأخيرة من الرواية تستدعي تحقيقا معمقا، ونحن سنقتصر على بعض الحديث عن ذلك وسيتمحور البحث على كلمة (تقضي)، وكلمة (أحرق كتبك) فالتوقف سيكون في هذين الموردين فقط.
المبحثالأول: ماهو معنى كلمة (تقضي)؟
وحول معنى هذهالكلمة (أتقضي) ذكر العلامة المجلسي في بحاره احتمالات ثلاثة، وسنذكر عبارتهإن شاء الله تعالى، كما سنذكر ماهو أوسع منها وذلك لزيادة الإيضاح والنفع في المقام .
خمسة احتمالات في ( تقضي ):
والاحتمالات في كلمة (تقضي) - مبدئيا - هي خمسة، بحسب تتبع معاني (القضاء) الممكن انطباقها على المقام، وإلا فإن معانيه أكثر وسنشير إلى المعاني بشكل مختصر فنقول:
إن العلامة الحلي في شرح كتاب التجريد ذكر للقضاء ثلاثة معان ٍ، اثنان منهما يرتبطانبمبحثنا، وأما المعنى الثالث وهو (الخلق) فانه أجنبي عن المقام كما هو واضح، مثل قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، أي: خلقهن، وكما قلنا فإنناسنذكرالمعنيين الآخرين لنرى مدى انطباقهما على روايتنالنرى المستظهر من مقصود الإمام (عليه السلام)منها، ثم نذكر بعد ذلك ثلاثة معان ٍ أخرى للقضاء قد ذكرها الطريحي في مجمع البحرين، لنرى كذلك مدى انطباقها على موردنامن عدمه.
المعنى الأول: وهو المعنى الذي ذكره العلامة الحلي في شرح التجريد وهو( الحكم والإيجاب)، كقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، أي انه تعالى اوجب وحكم وألزم الناسبالعبادة له وحدهوبالإحسان للوالدين، وهذا المعنى يحتمل انطباقه علىروايتنا فان الإمام(عليه السلام) عندما قال: تقضي؟ فلعل مراده أتحكم وتلزم نفسك بالعمل على طبقها؟ فقال الراوي: نعم, فقال الإمام(عليه السلام):احرق كتبك، والنتيجة على هذا المعنى إن الرواية ستكون خاصة بماإذا حكم الشخص على نفسه أو حتى على غيره – لوحدة الملاك –، على حسب ما رآه أو سمعه من الطالع فان ذلك حرام.
المعنى الثاني: وقد ذكر هذا المعنىالعلامة الحلي أيضا في نفس الكتاب، وهو (الإعلاموالإخبار)وهذا المعنى يختلف تمام الاختلاف عن المعنى الأول؛ فانه اخبار وذاك إنشاء،وهذا المعنى كذلك قد ورد في القرانالمجيد كما في قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)، وكما هو واضح فان المراد ليس هو إننا أوجبنا عليهم ذلك تشريعا،وإنما أعلمناهموأخبرناهم بما سيصنعون من الفساد مستقبلا، وهذا بلاغ تحذيري وإنذاري لهم.
وهذا الاحتمالأيضا وارد في الرواية حيث قال الإمام(عليه السلام):تقضي؟ أي:أتخبر وتُعِلم الآخرين بهذه الاستنتاجات المتعلقة بعلم التنجيم؟ وذلك بحث مطروح، وهو هل إنإخبار المنجم حلال أو حرام؟ وبعبارة أخرى:إنإخبار المنجم له موضوعية في التحريم، وسنشير إلى هذا البحث بإيجاز لاحقا إن شاء الله تعالى، الإخبار عن النجوم حرام في بعض الموارد قطعا، وفي بعض الموارد والصور الأخرىجائز على كلام.
المعنى الثالث: ما ذكره في مجمع البحرين منان من معاني القضاء هو (الإمضاء)– بحسب تعبيرنا – كما في قوله تعالى: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)، أي أمض ما أنت ممض، والإمضاء هو الجري على طبق التخطيط والترتيب ، والمراد بالآية– على هذا التفسير - هو ان ما قمت بتخطيطه، افعله وأجرِه علينا، وهذا المعنى يختلف عن المعنى الأول والثانيكما هو واضح، وهو أيضامحتمل، فقول الإمام(عليه السلام):تقضي؟أي: هل إن هندسة وخطة حياتك تجري فيها على طبق الطالع أو لا؟. فتأمل
المعنى الرابع: ما ذكره مجمع البحرين، أيضاً من ان معاني القضاء هو الفعل، أي ان نفس الفعل يطلق عليه القضاء، والفعل هو مؤدى المعنى السابق – الثالث -؛فان الفعل مسبوق بالترتيب والتخطيط، وهذا المعنى أيضا قد ذكر في القران الحكيم كما في قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ)أي إذاأُديت الصلاة، وكذا في قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ)، أي إذاأديتموها، وهذا المعنى لاربط له بالإمضاءوإنما هو في مرتبة مابعد الإمضاء والتخطيط.
وهذا الاحتمال أي الرابع كذلك ينطبق على مقامنا احتمالا فان الإمام(عليه السلام) يقول "أتقضي"؟ أي أتفعل؟ ولو كان هذا المعنى مرادا فانه سيكون نفس الفعلعن استناد إلى الطالع حراماً، وأما التخطيط والهندسة بشكل عام،إذا لم يؤدإلى نفس الفعل فليس بمحرم، وعليه فسيختلف الحكم الشرعي.
المعنى الخامس: ما ذكره أيضاً من ان من معاني القضاء هو (الإكمالوالإتمام) كما في قوله تعال: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى)، أي أتمأجلا، وهذا الاحتمال كذلك يحتمل انطباقه على روايتنا فيكون معنى تقضي؟ أي أتتم العمل على طبق الطالع؟
والحاصل: أن المعنى الثالث هو التخطيط والجري في المقدمات على ضوئه، والرابع هو الفعل الذي يشمل الشروع فيه، وأما المعنى الخامس فانه إكمال ذلك الفعل وإتمامه،
وهذه المعاني الخمسة ينبغي إن نحللها ونتدبر فيها؛ لنرى أيها المقصود والمراد في كلام الإمام(عليه السلام)، وأي منها هو المعنى الحقيقي وايها المجاز؟
كلام العلامة المجلسي في البحار :
لقد نقل العلامة المجلسي في بحاره هذه الرواية عن (الفقيه) وعن (دعوات الرواندي) ثم ذكر بيانا لها فقال:
بيان: (قوله تقضي على بناء المعلوم أي تحكم بالحوادثوتخبر بالأمور الآنية او الغائبة ) ، وهذا هو الاحتمال الأولعند الشيخ المجلسي حسب ظاهر كلامه، لكنه في الواقع ينحل الى احتمالين
وأما الاحتمال الثانيالذي ذكره فهو: (أوتحكم بان للنجوم تأثيرا أوان لذلك الطالع اثرااو على بناء المجهول – أي بضم الاول تُقضى – أي اذا ذهبت في طالع الخير تُقضى حاجتك وتعتقد ذلك) – وهو الاحتمال الثالث عنده –(والاحتمال الأول عندي اظهر، وهذا خبر معتبر يدل على ان الإخباربأحكام النجوم والاعتناء بسعادة النجوم والطوالع، محرم يجب الاحتراز عنه) انتهى كلامهرفع مقامه، وسيتضح تحليل كلامه، مما سيأتي بإذن الله تعالى.
أقسام التنجيم وأحكامه
المبحث الثاني: واما المبحث الثاني فتحقيقه مهم جدا؛ وذلك لان الرواية ستختلف سعة وضيقابناء عليه، ونحن سنشير لرؤوس المطالب والنقاط هنا بالقدر الضروري لإيضاح حكم حفظ كتب الضلال فنقول:
ان الأحكام الشرعية المتعلقة بمورد السؤال – أي التنجيم – هي احد عشر حكماً من الناحية المبدئية، بل أكثر وبعض هذه الأحكام يتعلق بالجوانح، أي القلب، واما البعض الآخر فيتعلق بالجوارح,أي اللسان او البنان.
ثمانية صور في المقام:
ان (التنجيم) من حيث التحليل والتحريم له إحدى عشرة صورة – بل أكثر -:
الصورة الأولى: - وهي مرتبطة بجانحة القلب، وهيان يعتقد الانسان بكون حركات النجوم وطوالعا وشروقها وغروبها، علة تامة لحوادث العالم السفلي استقلالا مع إنكار وجود الصانع، وهذه الصورة لا شك في كونها محرمة وان المعتقد بها كافر.
الصورة الثانية: ان يعتقد الإنسان بكون النجوم علة تامة للتأثير وانها قديمة، ولكن بدون إنكار وجود الله تعالى، لكن مع الاعتقادبتعطيل الخالق جل اسمه وبسط يده وتصرفه في الأمور, (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) وهذا كفر وبلا شك.
الصورة الثالثة: الصورة الثانية بعينها لكن معان يعتقد الشخص بان هذه الكواكب حادثة بخلاف الصورة الثانية من كونها قديمة وهذه الصورة كذلك كفر .
وهذه الصور الثلاثة المتقدمة لم يشك فيها احد من المسلمين بأنها كفر، علىكل من يعتقد بأحدها.
الصورة الرابعة: ان يعتقد بان هذه الكواكب هي العلة التامة، إلا انه يعتقد كذلك استناد هذه العلة إلى الله تعالى، ولكنه يرى انها مجبولة على هذه الأفعالويراها كذلك مظهرا لإرادته تعالى، أي انه يقر بوجود الباري، ولكنه يقول ان هذه الكواكب في تأثيرها مجبورة على ذلك وهي مظهر تام لإرادة الحق تعالى، وهذه الصورة – كالصورة الآتية - كذلك كفر لا كلام فيه –على الأقل عند الشيعة - وذلك لان ظاهر الآيات والروايات,بل انه يعد من ضروريات الدين، ان الخلق والرزق والإماتة والإحياء مستندة له تعالى، لا للكواكب.
الصورة الخامسة:ما سبق بعينه لكن مع الاعتقاد بانها ذات اختيار – لا انها مجبورة - ولكن إرادتها هي عين إرادة واختيار الله تعالى، وهذه أيضاكفر كسابقاتهاوللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
السبت 16 محرم 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |