242- تفصيل الكلام عن النسبة بين الادلة الثلاثة (ليتفقهوا ) و ( اعلموا ) و( حكم العقل ) ، حسب المبنيين في المطلق وحسب المبنيين في مبحث انقلاب النسبة وعدمه ، ونتائج النسبة حسب المحتملات الاربعة السابقة : 1 ـ حمل المطلق على المقيد 2 ـ هما واجبان استقلاليان 3ـ هما واجبان ارتباطيان....
الأربعاء 30 ربيع الآخر 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول النسبة بين الأدلة الثلاثة وهي قوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) وقوله تعالى: (اعْلَمُوا) و(لِتَعْلَمُوا) ونظائرها، وبين حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل والذي لا يندفع الا بتحصيل العلمِ عن اجتهادٍ، لا بالعلم عن تقليد ولا بالاجتهاد الموجب للظن، ووصلنا إلى بحث انقلاب النسبة وعدمها.
دراسة نتيجة المسألة على مختلف المباني
ولكن حيث ان المباني مختلفة في المسألة لذا لا يكفي ان نطرح نتيجة البحث على ضوء مبنانا فقط كما انهينا البحث السابق بل لابد ان ندرس النتائج على ضوء مختلف المباني,فنقول:
مبنيان عامان
هنالك مبنيان عامان في موضوعين مختلفين، فعلينا ان نلاحظ مختلف النتائج على ضوء دمج هذين المبنيين ثم ضربها في المحتملات الأربعة الآنفة:
البحث الأول: هل تلاحظ الأدلة المختلفة في عرض واحد أو متعاقبة؟
أ- المبنى الأول: عندما تجتمع أدلة ثلاثة مختلفة على موضوع واحد فان هذه الأدلة تلاحظ بعرض واحد ابتداءا وتعالج دفعة,هذا هو الرأي المنصور تبعا للشيخ الأنصاري والآخوند الخرساني والذي بنينا عليه البحث.
ب- المبنى الثاني:ان الادلة لا تلاحظ عرضيا بل تلاحظ طوليا اي نلاحظ دليلين من الأدلة أولاً وبعد علاجهما ننتقل لعلاج المحصلة النهائية لهذين الدليلين مع الدليل الثالث، ولهذا القول تفصيل ليس المقام محله.
هذان مبنيان فيجب ملاحظة النتيجة على المبنيين معا.
البحث الثاني: هل الإطلاق بمقدمات الحكمة أم بالظهور العرفي؟
البحث المبنائي الثاني هو ما اشرنا إليه من: ان دلالة المطلق على الشمول هل هي بالظهور كما هو الرأي المنصور ام هي بمقدمات الحكمة كما هو الرأي المشهور؟
فعلينا ان نلاحظ هذه المباني الأربعة وانها ما الذي تنتج لدى وجود أدلة متعددة نريد ملاحظة النسبة بينها, فالبحث دقيق ويحتاج إلى التفات,فنقول:
ان هذه المباني الأربعة لا بد ان نضربها في صورنا الأربعة المتقدمة – وهي بحث مبنائي ثالث[1] - لنرى ما هي النتيجة؟
1- حمل (تفقهوا) على (إعلموا)
الصورة الأولى:ان نقول ان (تفقهوا) اي المطلق محمولة على المقيد اي (اعلموا) نظراً للقول بان القاعدة الكلية ان يحمل المطلق على المقيد الموافق له, ومعنى ان (تفقهوا) محمولة على (اعلموا) هو انها مقيدة به، فلو انتخبنا هذا المبنى فان النتيجة اذا لاحظناها منسوبة لتلك المباني الأربعة, ستكون بالمآل واحدة، وهي التقييد, توضيح ذلك:
المبنى الأول: أن نقول بملاحظة الأدلة الثلاثة في عرض واحد وعندئذ الأمر واضح لأن اعلموا مع الدليل العقلي متوافقان فوزانهما وزان واحد بالقياس إلى تفقهوا، وقد لاحظنا حسب هذا المبنى أن هذه الثلاثة: (اعلموا) مع الدليل العقلي مع (تفقهوا) في عرض واحد، فاعلموا تقيّد تفقهوا فاذا قيدتها فان التفقه غير الموصل للعلم غير مبرئ للذمة.
المبنى الثاني: ان نقول بالطولية والتعاقب في ملاحظة الأدلة، وههنا على هذا المبنى صورتان:
الأولى: أن نقول بملاحظة الدليلين النقليين أولا ثم العقلي، فالأمر كذلك إذ عندما نلاحظ تفقهوا مع اعلموا فان اعلموا تقييد تفقهوا، ثم ان المحصلة النهائية تطابق الدليل العقلي فلا مشكلة، لأن الدليل العقلي كان يقول بوجوب دفع الضرر المحتمل ولا يُدفع الا بالعلم، فالنتيجة متوافقة، اذن هذه هي الصورة الثانية على المبنى الثاني الذي يرى الطولية والتعاقب في الجمع بين الأدلة وملاحظة نسبتها.
الثانية: ان نقول بملاحظة الأدلة العقلية وتفقهوا أولا ثم نلاحظ اعلموا، وهذه نتيجتها بالمآل كما سبق، بل نقول: اننا لو لا حظنا تفقهوا مع اعلموا على حسب المبنى الآخر في الإطلاق (من كونه بالظهور)، فحتى لو قلنا ان تفقهوا توسع في دائرة الدليل العقلي فتفيد ان المؤمِّن هو العلمي ايضا, أي ان تفقهوا واردة على الدليل العقلي فهي موسعة اذ تنفي احتمال العقاب مع وجود الظني المعتبر؛ اذن تفقهوا وسعت الدائرة، لكنها لم تسلم من المشكلة لأن تفقهوا بعد ان وسعت الدائرة في الحكم العقلي ابتليت باعلموا فقيدتها (على الاحتمال الأول من الاحتمالات الأربعة – وهو ما نحن فيه من حمل المطلق على المقيد)
إذن النتيجة على هذا الرأي على كل المباني هو التضييق سواءا اقلنا أن الإطلاق بالظهور أم بمقدمات الحكمة وسواء اقلنا أن الدليل العقلي وارد على الدليل النقلي أم قلنا أن الدليل النقلي وارد، وسواء اقلنا ان الأدلة تلاحظ في عرض واحد او بالتعاقب، فالنتيجة على كل المباني هي التقييد وان العلم فقط مبرئ دون غيره.
أهمية بحث انقلاب النسبة
وهذا البحث وهو بحث انقلاب النسبة بحث مهم، وان الكثير من الروايات على ضوء هذا البحث نتائجها ومخرجاتها الفقهية قد تختلف، على حسب المباني المختلفة، هذا البحث لم يوفّ حقه إذ يحتاج إلى مجلد كامل كالكفاية لكن الأصوليين حيث انهم في اخر الأصول[2] يتطرقون له لذا يكون البحث عنه غير مستوفى، وعليه فان من المقترحات لمن يريد الكتابة في الأصول وان ينتج فيه، أن يبدأ بأواخر المباحث الأصولية، لأن المباحث الأولية قد استوفى الأعلام البحوث فيها إلى حد كبير أما أواخر البحوث فهي بالنسبة قليلة، وكان من حقها أن تبحث أكثر، نعم المحقق اليزدي صاحب العروة له كتاب ضخم في التعارض ولكن مع ذلك عندما يراجع نجد كثيرا من البحوث تحتاج إلى مزيد تحقيق وتنقيح وان يكتب سائر الأعلام أيضاً بذلك التفصيل وأكثر، وهذا البحث ينبهنا على ضرورة الإلمام الأكبر بالقسم الثاني من الأصول الذي يبدأ من مباحث القطع، (كما صنع الشيخ إذ بدأ الرسائل من مباحث القطع ثم الظن ثم الشك) وبخصوص بحث التعادل والترجيح.
2- القول بوجود واجبين استقلاليين
الصورة الثانية: ان نقول ان هنالك واجبان استقلاليان احدهما التفقه والثاني هو العلم وهذه الصورة هي التي ذهب اليها الشيخ الطوسي على حسب استنباط الشيخ الأنصاري من رأيه؛ فاذا علم المكلف عن تقليد فقد امتثل واجبا لكنه لم يمتثل الواجب الأخر وهو التفقه، ولكن هل يستحق العقاب؟ نعم يستحق العقاب لأنه عصى لكنه معفو عنه.
وعلى حسب هذا الرأي الثاني لا فرق أيضا على كل المباني من حيث النتيجة فانها موحدة لكن نوع النتيجة يختلف عن نوع نتيجة الصورة الأولى بشقوقها المختلفة لأن الصورة الأولى نتيجة المباني فيها كلها هي التضييق وان اعلموا فقط هو المبرئ للذمة، أما صورتنا الثانية فانه على كل المباني النتيجة أيضا واحدة لكن النتيجة هنا هي أن ههنا واجبان، على كل المباني، يضم احدهما إلى الأخر.
توضيح ذلك: سواء اقلنا أن حكم العقل وارد على تفقهوا بدعوى أن تفقهوا ظاهرة في الإطلاق بمقدمات الحكمة فحكم العقل وارد,أم عكسنا بان قلنا أن تفقهوا واردة على حكم العقل بوجوب دفع الضرر بدعوى أن تفقهوا ظاهرةٌ في الإطلاق بالظهور العرفي لا بمقدمات الحكمة، فانه على كلا التقديرين فان هنا واجبان لا يمكن رفع اليد عن احدهما ولا يسقط امتثال احدهما بفعل الأخر، لأنه لو قلنا أن حكم العقل وارد على تفقهوا وهو أسوء الفروض, فالنتيجة تكون أن دائرة تفقهوا ضيقت فاعلموا هو الواجب، لكن هذا لا ينفي كون التفقه بحد ذاته واجباً أيضا، لأن دائرة تفقهوا ضيقت من حيث الطريقية لا من حيث المصلحة السلوكية ودعوى الشيخ الطوسي ان التفقه له مصلحة سلوكية, بعبارة أخرى: تقييد الدليل العقلي لتفقهوا لأن الدليل العقلي يلاحظ الضرر بعدم إصابة الواقع لذا يشترط العلم فناظريته إذن للواقع، فإذا قيَّدَ ليتفقهوا، فإنما قيدها من حيث منظار الإصابة وأللا اصابة، أي ان مفاده ان التفقه الظني لا اعتبره حجة لأن احتمال الخطأ فيه كبير، لكن هذا لا ينفي أن الدليل الأخر يفيد أن التفقه بحد ذاته ذا موضوعية، فهو واجب إلى جنب واجب؛ أذن النتيجة النهائية على كل المباني التي ذكرنا اسوأها، هي وجوبان ينبغي أن يمتثلا، إذ لو قلنا بعكس هذا المبنى بان قلنا أن تفقهوا واردة على حكم العقل فذلك يعني أن تفقهوا عامة غير مضيقة لكن ذلك لا ينفي أن العلم واجب أخر له مصلحة قائمة به، سلوكية لا طريقية كي يقال ان تفقهوا قد وسّعت، هذه الصورة الثانية فليتدبر فيها.
3- القول بوجود واجبين ارتباطيين
الصورة الثالثة:ان نقول بوجود واجبين ارتباطيين، والكلام فيها هو الكلام بعينه بلا زيادة ولا نقيصة، إلا من حيث نحوِ الوجوب وانه استقلالي أو ارتباطيٌّ.
4- حمل اعلموا على مراتب الفضل
الصورة الرابعة: وهي صورة دقيقة وتنشعب إلى ثمان صور، وهي ما لو قلنا بأن اعلموا محمولة على مراتب الفضل فاننا عندئذ على المباني الأربعة الأخرى ستكون مخرجَاتنا ثماني صور ونتائجها متناقضة، ويأتي الكلام عنها بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - لكنه متفرع على البحث المبنائي الثاني. فتدبر
[2] - في بحث التعادل والترجيح، قبل بحث الاجتهاد والتقليد.
الأربعاء 30 ربيع الآخر 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |