||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 133- فلسفة التفاضل التكويني: 4- معادلة التناسب بين الامتيازات والمواهب وبين المسؤوليات والمناصب

 163- فقه المستقبل والمقاييس الواضحة لا كتشاف مستقبلنا الاخروي: اما الى جنة ، اما الى نار

 278- (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) 3 الصراط المستقيم في الحكومة الدينية وولاية الفقيه

 Reviewing Hermeneutic. Relativity of Truth, Knowledge & Texts – Part 3

 273- (هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) 11 أعمدة اليقين: الفطنة والحكمة والعبرة وسنة الاولين

 الخلاصة من كتاب حرمة الكذب ومستثنياته

 348- ان الانسان لفي خسر (6) موت الحضارة الغربية

 14- بحث رجالي: عن الغضائريين والكتاب المنسوب اليهما

 403- فائدة فقهية: دليل السيرة على جواز معاملات الصبي الراشد

 171- مباحث الاصول : (السيرة العقلائية)



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 310- الفوائد الأصولية: القصد (1)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4572

  • التصفحات : 29697903

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الطهارة (1446هـ) .

        • الموضوع : 116- أربعة أجوبة أخرى عن رادعية الاطلاقات عن قاعدة المقتضي والمانع .

116- أربعة أجوبة أخرى عن رادعية الاطلاقات عن قاعدة المقتضي والمانع
الأربعاء 23 ذو القعدة 1446هـــ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
(116)
4- الإطلاقات لا تردع عن السِّيَر الراسخة
الرابع: إنَّ السيرةَ العقلائية إذا كانت راسخةً لديهم، وجبَ تنصيص الشارع، ومطلقُ الـمُقنِّن، على خلافِها لو كان مخالفاً لها، ولا تكفي الإطلاقات والعمومات التي يغفل عنها وعن رادِعيتِها أكثر الناس، أو حتى جملةٌ معتدٌ بها منهم، فكيف بالتفات بعض الفقهاء فقط إليها؟ فإنّ في عدم التنصيص تفويتاً للأغراض الملزمة وأغراءً بالجهل.
وسيرةُ العقلاءِ على حجية الظواهر، وخبر الثقة، وقول الخبير، والتقليد، وكذا قاعدة المقتضي والمانع (في مواردها التي ذكرناها في التفصيلات السابقة)، وكذا الاستصحاب وعدم البراءة إلا بعد الفحص، راسخةٌ قويةٌ وعامةٌ شاملةٌ، فكيف يُكتفى بمثل (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[1]، ومثل «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعٌ: ... وَمَا لَا يَعْلَمُونَ...»[2]، أو حتى باستصحاب عدم الحجية[3] مثلاً لنفي حجية خبر الثقة وقاعدةِ المقتضي والمانع فيما كانَ الاقتضاءُ تكوينياً، والمانع منفياً بالأصل بعدَ الفحصِ، ونظائرِها، أو كيف يقال بشمول البراءة لما قبل الفحص، وهكذا؟
والحاصل: إنَّ الناسَ لا يرون أمثال هذه الأدلة مما يمسُّ أمثال تلك السِّيرَ ويغفلون عادة عن رادعيتها إلا أن ينص عليها، بل لو ألفتوا إلى رادِعيتها أثار استغرابَهُم إلا أن يصرّح لهم بالتعبد!
لكنَّ هذا الوجه يقتضي التفصيل في الاستصحاب وقاعدة الـمُقتضي والمانع ونظائرهما؛ إذ إنَّ سيرة العقلاءِ على القاعدتين راسخةٌ بعد الفحص، فلا يصلح حديث الرفع ولا النصوص الناهية عن قَفْوِ غيرِ العلمِ للرّدعِ عنه.
وأما سيرتُهم عليهما قبل الفحص، فلو سُلِّمت فهي غير راسخةٍ، فلا تجريان (لإثبات وجوبٍ أو حُرمةٍ أو لزومٍ في مثل العقد المشكوك لزومُه لاحتمال الغَبن ونحوه)، إذ تكون أدلةُ البراءةِ والنهي عن اتباع غير العلم رادعةً حينئذٍ.
ويشهدُ لهُ ويوضّحُه: أنَّ جميعَ التّجار في العالم يعتمدون على الاستصحاب وقاعدة الـمُقتَضي والمانع، بعد الفحص، اعتماداً راسخاً، دون ما قبله، فإنَّهم إن اعتمدوا فرضاً على أحدهما كان من قبيل غير الراسخ.
فمثلاً: لو رأى التاجر أنَّ البضاعةَ الفُلانيّةَ رخيصةٌ في بلدِه، وغاليةٌ في البلد الآخر، فإنَّه يستصحب الغلاء هناك والرخص هنا، استقبالياً، أو يُجري قاعدة الـمُقتَضي والمانع، ولكن بعد الفحص عن احتمالات انقلاب الحال في البلدين، قبل أن يُوقّع عقداً مثلاً على شراء البضاعة بعد خمسة أيّام من بلده، ليبيعها بعد عشرة أيّام في البلدِ الآخرِ، فإذا فحص ووجد أنَّ الظواهر تفيد عدم انقلاب الحال فيهما، أقدم على الشراء، ولا يجد أبداً أنَّ أدلة النهي عن قَفْوِ غير العلم في التكوينيات، (وكذا التشريعات كما سيأتي) جاريةٌ وشاملةٌ للمقامِ. عكس ما قبل الفحص؛ إذ يجدها مشمولُهُ للنهي.
وذلكَ في التكوينيات والاعتباريات واضحٌ، وكذا التشريعيات، إذ إنَّ العقد مُقتضٍ للزوم، والغبنُ مانعٌ عنه (وكذا الشرط و...) فإذا اشترى من التاجر بضاعةً، ولكنَّهُ احتمل احتمالاً عقلائيّاً كونه مغبوناً، أو احتمل التاجرُ نفسه، وكان مُتقياً، كونَهُ غابناً، جاهلاً بذلك، كما لو كانت البضاعة في السوق منخفضة السعر جدّاً جدّاً، وقيمتها ألف، لكنَّه باعها متوهِّماً ارتفاع قيمتها جدّاً (وأنَّ قيمتَها مائة ألف)، فبناءً على كون الغبن الاسم مصدري موجباً لجواز العقد، فإنَّ عليه أن يفحص إذا أراد براءة ذمَّته، أو إذا طالبه المشتري، وللمشتري، في بناء العقلاء، أن يطالب بالفحص لدفع احتمال الغبن إذا كان احتماله عقلائياً أو تأكيده، كما أن عُرف المتشرِّعة الملقى إليهم الكلام، يرون ذلك كذلك، أي يرون حجّية قاعدةِ الـمُقتضي والمانع في الشرعيّات، كهذه المسألة، بعد الفحص لا قبله[4].
 
٥- دعوى الملازمة، مع البرهان الإنِّي
الخامس: ما سبق (ثالثًا: سَلَّمنا، لكن قد تُدَّعَى الملازمةُ بين جريان سيرة العقلاء على أمر وجريان سيرة المتشرِّعة عليه، وسيرة المتشرِّعة حُجَّةٌ إمَّا لأنَّها نشأت من الشَّارع، لو تجرَّدت عن سيرة العقلاء، واختصَّت بهم، وإمَّا لأنَّ الشَّارع أمضاها، ولو بعدم الرَّدع، إذ إنَّ سيرة المتشرِّعة في الشُّؤون الشَّرعيَّة، لو لم تكن مقبولةً له، لوجب أن يردع عنها، وإلَّا أغرى بالجهل، وفَوَّتَ أغراضَه الملزمة، ومن هنا، فإنَّ تقرير المعصوم (عليه السَّلام) حُجَّة، وسكوته إمضاءٌ)[5].
ولكن مع تكميله بالبرهان الإنِّي، ليصلح أن يكون جواباً عن إشكال أنَّ إطلاقات حديث الرفع و(لا تَقْفُ) رادعةٌ؛ إذ يجاب عنه بأنَّها لو كانت رادعةً، لارتدعوا، وحيث لا، فلا.
بعبارة أخرى: نعتمد على القياس الاستثنائيِّ فنقول: إنَّه بعد الإذعان بأن جريان سيرة العقلاء يستلزم جريان سيرة المتشرِّعة، يقال: لو كانت أدلة الرفع ونظائرها رادعةً، لما جرت سيرة المتشرِّعة، والتالي باطل فالـمُقدَّم مثله.
بل يمكن تركيب هذا الجواب على الوجه الرابع أيضاً، وهو: (رابعًا: سَلَّمْنا، لكن لا شَكَّ في أنَّ السير العقَلائيَّة في معرض السَّراية إلى المتشرِّعة، وإن قُلنا بأنَّه لا دليل على السَّراية فعلًا، كما أشكل به الكفاية، وإذا كانت في معرض السَّراية، ولم يرتضها الشَّرع، وجب عليه البيان والرَّدع، وإلَّا كان خِلاف الحِكمة، وتفريطًا في أغراضه الملزمة، وإغراءً بالجهل)[6].
إذ نقول: لو كانت السيرة العقلائيّة في معرض السّراية للمتشرِّعة، ولو كانت أدلة الرفع وأخواتُها كافيةً للرّدع عن السّراية[7]، لما بقيَ احتمال السّراية، لكنَّ احتمال سرايتها موجود وجداناً، فَكفايتها للرّدع غير تامٍّ، لكنَّه مشكل، فتأمّل.
6- القواعد علمٌ عرفيٌّ، فهي حاكمةٌ أو واردةٌ على دليل الرفع والقَفْو
السادس: أن يقال بأنَّ مفاد أدلّة حجيّة خبر الثّقة، وقول الخَبير، والظّواهر، وقاعدة الـمُقتَضي والمانع، وحتى الاستصحاب، علمٌ عرفيٌّ أو عاديٌّ، المعبَّر عنه بالعلميِّ، فهي خارجةٌ عن دليل الرفع والقَفوِ، موضوعاً.
لكنَّ هذا خاصٌّ في القاعدتين بما بعد الفحص، إذ إنَّهما علمٌ عرفيٌّ بعدَهُ، لا ما قبلَهُ.
وعلى أيٍّ، فإنَّ هذا مبنيٌّ على ما هو الحقُّ المستظهر من كون المذكورات كواشف ومرائي للواقع، وطُرقٌ بنفسها أو بجعلها وتنزيلها، فتكون حاكمةً أو واردةً.
وأما لو قُلنا بأنَّه لا كاشفيّةَ ولا جعل لها في بعضها، كالاستصحاب والقاعدة، بل إنَّما هو التّنجيزُ والأعذار، لتقدَّمت قاعدة لا تقف وحديث الرفع عليها، إذ على هذا الفرض ليست هنالك كاشفيّة ولا طريقيّة، ولا علمٌ، بل مجرد أنَّه إن أصاب فمنجِّزٌ، وإن أخطأ فمُعذِّرٌ، فتكون موارد القاعدتين موضوعاً داخلةً في أدلّة القَفوِ والرفعِ، فتصلح للرّادعيّة لو كُنّا وهذا الوجه وحده، لولا سائر الوجوه الماضية أو الآتية.
وبقيت وجوه ثلاثة، لاحقاً بإذن الله تعالى.
 
حكم الدم المردد بين الحيض والاستحاضة
تتمة: ذكرنا في درس سابق[8] (وفي كتاب الطهارة – الحيض، قال: (وإن علمت بكونه دماً واشتبه عليها: فإمّا أن يشتبه بدم الاستحاضة، أو بدم البكارة، أو بدم القرحة. فإن اشتبه بدم الاستحاضة يرجع إلى الصفات، فإن كان بصفة الحيض يحكم بأنه حيض، وإلاّ فإن كان في أيّام العادة فكذلك، وإلاّ فيحكم بأنّه استحاضة)[9].
والحكم بالرجوع إلى الصفات هو نوع اختبار (لا البناء على الحالة السابقة، أو إجراء البراءة)، وكذا الرجوع إلى العادة فإنّه قد يكون مخالفاً للبناء على الحالة السابقة وإجراء البراءة.
 
الجواب: لزوم الفحص فيه للروايات الخاصة
لكنّ هذا الفرع ممّا لا يصحّ الاستشهاد به، إذ لا يبعد أنَّ المشهور اعتمدوا على الروايات التي ذكرت مميّزات الحيض عن الاستحاضة، وكونَها مبنيّةً على لزوم الفحص، وإن كان المستظهر عدم دلالتها، وعلى أيٍّ، فمستندهم ظاهراً ليس الأصل، بل الروايات).
وبعض توضيح ذلك وتقويته من جهةٍ، والإشكال عليه من جهةٍ، بإيجازٍ: إنَّ التي اشتبه حيضُها باستحاضتِها، ترجع إلى أيّام عادتها، فما كان في أيّام العادة فهو حيضٌ، وإلّا فاستحاضةٌ، فإن لم تكن لها عادةٌ، أو نَسِيَتها، ترجع إلى الصفات، وذلك في اشتباه الحيض بالاستحاضة (الـمُتَّصل بدم الحيض، كما اختاره الشيخ (قدس سره)، أو الأعمّ أي عند مطلق اشتباه الحيض بالاستحاضة، كما هو المشهور).
وذلك كلُّه استناداً إلى الروايات، ومنها مثلاً: كصحيح حفص بن البختري أو حسنته: «دَخَلَتْ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) امْرَأَةٌ فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْمَرْأَةِ يَسْتَمِرُّ بِهَا الدَّمُ فَلَا تَدْرِي حَيْضٌ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؟
قَالَ: فَقَالَ لَهَا: إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ حَارٌّ عَبِيطٌ أَسْوَدُ لَهُ دَفْعٌ وَحَرَارَةٌ، وَدَمَ الِاسْتِحَاضَةِ أَصْفَرُ بَارِدٌ، فَإِذَا كَانَ لِلدَّمِ حَرَارَةٌ وَدَفْعٌ وَسَوَادٌ فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ.
قَالَ: فَخَرَجَتْ وَهِيَ تَقُولُ: وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانَ امْرَأَةً مَا زَادَ عَلَى هَذَا»[10].
وصحيح معاوية بن عمار عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْحَيْضِ لَيْسَ يَخْرُجَانِ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، إِنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ بَارِدٌ، وَدَمَ الْحَيْضِ حَارٌّ»[11].
وموثق اسحاق بن جرير عنه (عليه السلام) قال: «سَأَلَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَّا أَنْ أُدْخِلَهَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهَا فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ وَمَعَهَا مَوْلَاةٌ لَهَا – إلى أن قال – قَالَتْ: فَإِنَّ الدَّمَ‌ يَسْتَمِرُّ بِهَا الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟
قَالَ: تَجْلِسُ أَيَّامَ حَيْضِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَيَّامَ حَيْضِهَا تَخْتَلِفُ عَلَيْهَا، وَكَانَ يَتَقَدَّمُ الْحَيْضُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَيَتَأَخَّرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَمَا عِلْمُهَا بِهِ؟ قَالَ: دَمُ الْحَيْضِ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ، هُوَ دَمٌ حَارٌّ تَجِدُ لَهُ حُرْقَةً، وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمٌ فَاسِدٌ بَارِدٌ»[12].
إذاً: ليس المستندُ في وجوب الفحص في ذلك، هو التزام المشهور بقاعدةٍ عامّةٍ اسمها لزوم الفحص في الشُّبهات الموضوعيّة بقول مطلق، بل هو هذه الروايات الخاصّة، وبديهيٌّ أنَّ الكُلَّ مُجمِعٌ على لزوم الفحص كلّما وردت رواية معتبرة به، وعلى عدم لزومه كلّما دلّت عليه الروايات، (كما سبقت مواردُها) إنّما الكلامُ فيما لا نصَّ فيه، وأنّه هل الأصل فيه في الشُّبهة الموضوعيّة الفحص أو عدمه؟ فالمشهور إنّما بَنَوا على لزوم الفحص لهذه الروايات.
 
الردّ: بل لارتكازية لزوم الفحص
ولكن يمكن الجواب: بأنّه لم يَرِدْ في تلك الروايات لزوم الفحص، بل إنّما ذُكِرَ الضابط والمائز بين الدّمين، وإنّما استنبط المشهور لزوم الفحص من ذكر الإمام (عليه السلام) الضابط، ممّا يدلُّ على أنَّ ارتكازهم العامَّ على لزوم الفحص في الشُّبهة الموضوعيّة، وإلّا لما حكموا بلزوم الفحص في المقام مع عدم ذكر الرواية له، بل وجب أن يحكُموا بأنّه إن انكشف لها هذا (صفاتُ الدمِ: أسود حارٌّ...) فحيضٌ، وإن انكشف لها ذاك (بارد أصفر) فاستِحاضةٌ.
 
ردّ الرد بوجهين:
ولكن يرد عليه أمران:
أوّلاً: إنَّ الانتقال منها إليه (أي من الروايات الذاكرة للضابط إلى لزوم الفحص) عرفيٌّ، أي الملازمة عرفيّةٌ، فليس قولهم بالفحص لِبِنائهم ارتكازيّاً على لزومه في الشُّبهات الموضوعيّة (كي يقال بإنَّه يضادُّ مبناهم الأصوليّ)، بل لظهور تصنيف الإمام (عليه السلام) الدم إلى صنفين في لزوم التعرّف عليه.
لكنّ هذا الجواب لو تمّ لكان لنا لا علينا؛ إذ لنا أن ندّعي عرفية فهم التلازم بين تشريع حكمٍ وبين إيجاب الفحص عن موضوعه المشتبه كما مضى وسيأتي أيضاً[13].
ثانياً: إنَّ المقام ليس من صُغريّات الفحص؛ إذ كون الدم حارّاً أسود أو بارداً أصفر، لا يحتاج من المرأة إلى فحص، بل هو معروف لها وجداناً أو بأدنى نَظرٍ، فيندرج في تفصيل المحقِّق النّائِيني الآنف، بل وكذا معرفة أنّ هذا الدم المشتبه في أيّام عادتها أو لا؛ إذ النّساء عادةً مُستَحضِراتٌ لأيّام عادَتهنَّ، وإن غَفَلتْ أو نَسيت، كَفاها أدنى التفاتٍ أو سؤالٍ، دون حاجةٍ إلى فَحصٍ.
والحاصلُ: إنَّ الموردين[14] ليسا فحصاً عرفاً، ولو قيل بأنهما فحص فلا تبعد دعوى انصراف لزوم الفحص عن الفحص القليل جداً. والله العالم.
 
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِذَا ذَهَبَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الْجَسَدُ كَذَلِكَ إِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الْإِيمَانُ» الكافي: ج2 ص87.
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 23 ذو القعدة 1446هـــ  ||  القرّاء : 106



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net