بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(674)
الاستدلال بقاعدة الاشتراك في التكليف([1])
وأما قوله (قدس سره): (مثلاً إذا قال المولى: صلِّ أو صم ليس المأمور به خصوص الصوم ولا خصوص الصلاة، بحيث من يختار الصلاة كانت هي الواجبة في حقّه، ومن اختار الصوم كان هو الواجب عليه، فانّه مناف للاشتراك في التكليف)([2]).
المناقشة
فانه يرد عليه، إضافة إلى ما سبق، انه لا يصح الاستدلال لنفي هذا الرأي بكونه منافياً للاشتراك في التكليف، وذلك لأن الاشتراك في التكليف له معنيان وربما أضيف إليهما ثالث، والمعنيان الأولان لا شك فيهما لكنهما غير مرتبطين بالمقام ليكونا منافيين له، أي ليس المقام من صغرياتهما والثالث هو المجدي في المقام لكنه في حد نفسه غير تام على إطلاقه. توضيحه:
معاني الاشتراك في التكليف - اشتراك الجاهل والعالم
1- أن الاشتراك في التكليف قد يراد به (اشتراك العالم والجاهل) في التكليف، وهذا المعنى من المسلّمات، لأن مراتب الاقتضاء والإنشاء والفعلية غير منوطة بالعلم ولذا وجب مثلاً على من استغرق في النوم طوال الوقت، أن يقضي صلاته وذلك مما استدلوا بالاشتراك في التكليف عليه، ومنهم السيد الخوئي، بل ان منوطية التكليف بالعلم مستلزم للدور([3]) نعم المرتبة الرابعة وهي التنجز، أي استحقاق العقاب بالمخالفة، منوطة بالعلم، وعلى أي فهذا المعنى أجنبي عن المقام إذ البحث إنما هو عن اشتراك المخيرين بالواجب التخييري، في الحكم وانّ القول بوجوب هذا العِدل، عتق رقبة مثلاً، الذي اختاره زيد، عليه وذاك العِدل، إطعام ستين مسكيناً، الذي اختاره عمرو، عليه (بناءً على تفرع تعيّن التكليف على الإرادة والاختيار وهذا هو الذي شنّع به كل من المعتزلي والاشعري على الآخر، وهو الذي استند التنقيح([4]) في رده إلى قاعدة الاشتراك في التكليف) مناف لقاعدة الاشتراك في التكليف، وأين هذا من قاعدة اشتراك الجاهل بالتكليف مع العالم به؟
اشتراك المشافَه وغيره
2- وقد يراد به (اشتراك المشافَه وغيره، والحاضر والغائب) في التكليف، وهذا مسلّم أيضاً خلافاً لمن خصّ الخطابات أو التكاليف بالمشافهين، لكنه أيضاً كسابقه أجنبي عن المقام.
اشتراك كل مسلم مع سائر المسلمين
3- اشتراك كل فرد مع سائر المسلمين في التكليف، وهذا هو الذي ينفع التنقيح لدفع ذلك القول، كما هو مفاد عبارته أيضاً إذ قال: (مثلاً إذا قال المولى: صلِّ أو صم ليس المأمور به خصوص الصوم ولا خصوص الصلاة، بحيث من يختار الصلاة كانت هي الواجبة في حقّه، ومن اختار الصوم كان هو الواجب عليه، فانّه مناف للاشتراك في التكليف).
تحقيق صور الاشتراك من عدمها
لكنّ هذا المعنى غير صحيح، أي لا توجد هكذا قاعدة أبداً، على العموم الذي أراد الاستناد إليه، وما وجد منها غير نافع لنفي هذا القول.
بيان ذلك: انه لا شك في ان المعنى الصحيح للاشتراك في التكليف، هو اشتراك المكلفين المتماثلين في الصنف أو النوع أو الشروط والخصوصيات، في الحكم، وليس من الصحيح أبداً اشتراك كل مسلم مع كل مسلم آخر في التكليف مهما كان صنفه ونوعه وشروطه؛ ألا ترى أن للمسافر حكماً هو القصر وللحاضر حكماً آخر هو التمام وللمسافر في البلاد الأربعة حكماً ثالثاً هو التخيير؟ فلكل صنف من المكلفين حكم يشترك فيه معه من كان من صنفه لا مطلقاً؛ وألا ترى أن للحائض حكماً وللمستحاضة حكماً آخر وللطاهرة أحكاماً أخرى، وأن للرجعية أحكاماً وللبائنة أحكاماً، ولمن باع مع الشرط حكماً وبدونه حكماً آخر، ولمن كان مغبوناً في المعاملة حكماً، وغيره له حكم آخر، ولكثير الشك حكم ولغيره حكم آخر، وعلى أي فان من البديهيات أن (الاشتراك في التكليف) لو قصد به هذا المعنى الثالث، إنما يصح إذا أريد به اشتراك المتماثلين لا المتخالفين سواء في الأحكام الأولية كما سبق أم الثانوية فإن للمكرَه والمضطر حكماً غير حكم المختار وهكذا.
نعم إنما يصح هذا المعنى الثالث لو ثبت حكمٌ لمسلمٍ مّا بما هو مسلم، فانه يشترك معه كل مسلم آخر، ولذا لا يمكن الاستناد إلى هذه القاعدة، بمعناها الثالث الصحيح منه، لنفي القول بـ(بحيث من يختار الصلاة كانت هي الواجبة في حقّه، ومن اختار الصوم كان هو الواجب عليه) إذ ان من يختار هذا فيتعين في حقه يجب عليه، صنف مغاير لمن يختار ذاك فيجب عليه، أي كل منهما توفر فيه شرط مغاير للشرط الذي توفر في الآخر إذ الفرض ان شرط تعيّن التكليف هو الإرادة، وقد أراد كل منهما شيئاً مختلفاً فإرادة كل منهما مختلفة، نعم لو ثبت وجوب الصوم على هذا (أو وجوب عتق رقبةٍ، من بين خصال الكفارة الثلاثة) لأنه مسلم محضاً ووجوب الصلاة على ذاك (أو وجوب إطعام ستين مسكيناً... على الآخر) لأنه مسلم محضاً، لنافى ذلك الاشتراك في التكليف، لكن هذا الرأي، الذي عُبّر عنه بانه بشع (لجهات أخرى لا ربط لها بقاعدة الاشتراك) لا يذهب إلى أنّ الصوم أو العتق واجب على هذا لأنه مسلم والصلاة أو الإطعام واجب على الآخر لأنه مسلم، كي ينافي ذلك قاعدة الاشتراك، بل يقول بان شرط تعيّن وجوب الصوم على هذا هو إرادته له واختياره له، وشرط وجوب الصلاة على الآخر هو إرادته لها واختياره لها، فقد تغير الشرط فتغير الحكم وذلك (تغير الحكم بتغير الشرط) من المسلمات، فانه إذا تغيرت الشروط، كشرط الخيار وعدمه والأحوال، ككونها حائضاً أو طاهراً، وكونه عادلاً أو فاسقاً، في الشهادة وإمامة الجماعة وغيرها، والأوضاع، ككونه غنياً أو فقيراً في الزكاة والخمس و... تغيرت الأحكام، كما في الأمثلة الماضية وغيرها فان النفقة إنما تجب لها إذا كانت مطيعة فإذا نشزت لم تجب وهكذا.
وعلى أي فالصحيح نفي هذا الرأي البشع بمثل لزوم تفرّع حكم الله على إرادة العبد وغيره مما يناقش به في محله لا بقاعدة نفي الاشتراك في التكليف.
ما هو مستند قاعدة الاشتراك؟
وبعبارة أخرى: قاعدة نفي الاشتراك في التكليف بالمعنى الثالث، مستندها إما الإجماع والضرورة والتسالم وأما الروايات:
الإجماع والتسالم والضرورة
أما الإجماع والتسالم والضرورة فانها تفيد اشتراك المسلم مع مسلم آخر في التكليف إذا كان تمام الموضوع للحكم هو المسلم بما هو مسلم، وتفيد اشتراك كل صنف مع صنف آخر مماثل له في الشروط والقيود وارتفاع الموانع.. إلخ فلا تنفي هذا القول بل تثبته لأن المقام منه إذ يقول صاحب هذا القول البشع: نعم كل من أراد الصوم أو العتق وجب عليه الصوم، فاشترك المتماثلون في الشروط في التكليف، وكل من أراد الصلاة أو الإطعام اشترك معه من أراده، في التكليف.
الروايات:
وأما الاخبار فهي بين ما لا سند له وما لا دلالة له:
((حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ))
أ- إذ استدل على القاعدة (بالمعنى الثالث) بالنبوي المشهور: ((حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ))([5]) ولا سند له إلا عوالي اللآلئ مرسلاً بل لم نجده، في استقراء ناقص، في الكتب الفقهية السابقة على العلامة.
وعلى أي فانه لو عُثر له على سند تام فرضاً فإن معناه قد ظهر مما سبق وهو: (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة فيمن اشترك معه في الصنف أو النوع أو الشرط لا غيره، فحكمه (صلي الله عليه وآله وسلم) على هذه الحائض حكمه على جماعة الحائضات، لا على غيرهن من الطاهرات، وحكمي على هذا المسافر حكمي على سائر المسافرين لا الحاضرين فان لهم حكماً آخر وهكذا) و(حكمي على الواحد إذا كان بما هو مسلم حكمي على جماعة المسلمين) وذلك كالحكم على هذا المسلم بالطهارة وحلّية زواجه من مسلمة... إلخ
صحيحة زرارة: ((حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ...))
ب- صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))([6]) لكنّ هذا الرواية أجنبية عن المعنى الثالث للاشتراك، إذ تفيد الاشتراك الزمني دون الإفرادي، اي تفيد انّ ما ثبت من الحكم في زمنه (صلي الله عليه وآله وسلم) فهو ثابت إلى يوم القيامة، لكنها لا تتكفل ببيان الموضوع وان هذا الحكم ثابت على خصوص هذه الجماعة (كالقصر على المسافر) أو تلك (كالتمام على الحاضر) أو كحرمة الصلاة على الحائض ووجوبها على الطاهرة.. إلخ او انه ثابت لكل مسلم بما هو مسلم، فالتمسك بها لإثبات تلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وبعبارة أخرى وكما سبق: إنّ حلاله (صلي الله عليه وآله وسلم) على كل فرد من جماعةٍ ذاتِ خصوصية (كالسفر والحضر والنفاس والحيض.. إلخ) هو حكمه على سائر أفراد الجماعة ممن اتصف بتلك الخصوصية، وعليه تكون هذه الروايات دليلاً للاشعري والمعتزلة، على اختلاف حكم من اختار هذا العِدل عمن اختار ذاك العدل.
ولا يصح قياس الإكراه على التكليف
ثم ان قوله: (ويجري هذا في تعلّق كل من الاكراه أو الاضطرار إلى الجامع) يرد عليه: انه حتى لو سلّمنا صحة كلامه واستدلاله أعلاه بمنافاة هذا القول للاشتراك في الأحكام، فان تنظير المقام به غير تام، إذ قاعدة الاشتراك تجري في التكليف، وهي أجنبية تماماً عن دعوى الاشتراك في الإكراه والاضطرار؛ لبداهة انها في دائرة الأحكام ومحل البحث فيمن أكره على أحدهما في انه موضوعاً مكرَهٌ أو لا، فكيف يقال بان القول بان من اختار هذا كان مكرهاً عليه ومن اختار ذاك كان مكرهاً عليه منافٍ لقاعدة الاشتراك في التكليف؟ إذ إختيار هذا لهذا ولّد موضوعاً وإختيار ذاك لذاك ولّد موضوعاً آخر، ومن البديهي انه لا توجد قاعدة الاشتراك في الإكراه! نعم حيث تغير الموضوع تغير الحكم. فتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): ((لَا تُحَقِّرُوا دَعْوَةَ أَحَدٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِيكُمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ)) (الكافي: ج4 ص17)
-------------
([1]) على نفي القول بتعليق تعيين التكليف على إرادة المكلف.
([5]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام) ـ قم: ج1 ص456، وج2 ص98.
([6]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص58.
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): ((لَا تُحَقِّرُوا دَعْوَةَ أَحَدٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِيكُمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ)) (الكافي: ج4 ص17)