بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(575)
الشيخ: الحكم الوضعي عين التكليفي أو منتزع منه
قال الشيخ ((قدس سره)): (ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أن الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول - كما اشتهر في ألسنة جماعة([1]) - أو لا، وإنما مرجعه إلى الحكم التكليفي؟ فنقول:
المشهور([2]) - كما في شرح الزبدة([3]) - بل الذي استقرّ عليه رأي المحقّقين - كما في شرح الوافية للسيّد صدر الدين([4]) -: أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء، فمعنى قولنا:
"إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها، فإذا خاطب الشارعُ البالغَ العاقلَ الموسِرَ بقوله: "إغرم ما أتلفته في حال صغرك"، انتُزع من هذا الخطاب معنى يُعبَّر عنه بسببية الإتلاف للضمان، ويقال: إنّه ضامن، بمعنى أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف)([5])
المناقشات
ولكن قد يورد عليه بوجوه:
1- اضطراب العبارة والتأرجح بين العينية والإنتزاع
الأول: اضطراب العبارة وتأرجحها بين العينية والإنتزاع، مع أنهما أمران مختلفان دون شك، بيانه: أن انتزاع شيء من شيء يقتضي تغايرهما دون ريب فإن الزوجية مثلاً منتزعة من الأربعة وهي غيرها ولا يصح القول بأن الأربعة هي الزوجية أو الزوجية هي الأربعة وإن كان وجودها بوجودها؛ إذ الستة أيضاً زوج وكذا الثمانية وليست أربعة، ولا ينفك الشيء عن نفسه بوجه، كما أن الأربعة لها جهات أخرى غير الزوجية ككونها كمّاً منفصلاً دونها فليست هي هي.
بعبارة أخرى: الأربعة من مقولة الكم المنفصل أما الزوجية فهي كيفية انتزاعية، وبوجه آخر إن عينية شيء لشيء يعني عدم انتزاع أحدهما من الآخر فإن عينية الجدار للحائط مثلاً دليل على أن الحائط ليس منتزعاً من الجدار إذ كيف ينتزع الشيء من نفسه؟ فهذا في المترادفين وكذا الحال في المتساويين فإن عينية الضاحك للناطق، مع فرض مساواتهما، يقتضي أن لا يصح القول بانتزاع أحدهما من الآخر.
لكنّ الشيخ ((قدس سره)) تارة عبّر بالعينية وأخرى بالإنتزاع فلاحظ قوله: (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) فهو صريح في العينية إذ قال: (هو الحكم...) ولو أراد الإنتزاع لوجب أن يقول: (إن كون الشيء سبباً لواجب يُنتزع من وجوب ذلك الواجب عند...) أو يعكس: (إن كون الشيء سبباً لواجب ينتزع منه وجوب ذلك الواجب عند...)
كما صرح بـ(فمعنى قولنا: إتلاف...) ولو أراد الإنتزاع لوجب القول: (فلازم، أو ملزوم، قولنا "إتلاف الصبي سبب لضمانه" هو أنه يجب...).
ثم قال، عادلاً عن العينية إلى الإنتزاع (فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسِرَ بقوله: "إغرم ما أتلفته في حال صغرك"، انتُزع من هذا الخطاب معنى يُعبَّر عنه بسببية الإتلاف للضمان، ويقال: إنّه ضامن) وهو صريح في الإنتزاع ولو أراد العينية لوجب أن يقول: (فإذا خاطب الشارع بقوله "إغرم..." كان معناه سببية الإتلاف للضمان).
ثم عاد للعينية إذ قال: (بمعنى أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف).
2- ليس جعل الوضعي محالاً ولا مخالفاً للعرف أو الظهور
ثانياً: أنه يرد عليه، سواء أأراد العينية أم الإنتزاع، أنه هل يريد الإستحالة العقلية أو الإرتكاز العرفي أو الظهور اللفظي؟.
فالأول: بأن يقصد استحالة جعل الملكية مثلاً جعلاً مستقلاً أو جعل زوجيتها له بالعقد أو جعل السببية الإعتبارية للدلوك لوجوب صلاة الظهر، فإنه يرد عليه أنه ((قدس سره)) لم يبيّن وجه الإستحالة، كما أنه لا يوجد وجه لها أبداً، فإنها اعتباريات والإعتبار أمره بيد المعتبر، بل أدل دليل على إمكان الشيء وقوعه إذ نجد بالبداهة أن أحدنا يمكنه أن يعتبر مجيء الضيف إلى داره سبباً لوجوب إكرامه أو يعتبر إهانة الموظف لديه لأحد المراجعين سبباً لفصله عن العمل فوراً أو يشترط في عقد الإجارة أن يكون دقّ المستأجر مسماراً واحداً في الجدار، مثلاً، سبباً لفسخها أو للخيار.
والثاني: أن يقصد أن الإرتكاز العرفي على أن معنى قوله: (الإتلاف سبب للضمان) هو وجوب غرامة المثل أو القيمة لدى الإتلاف، فإنه يرد عليه: بداهة أن الإرتكاز العرفي على كونهما أمرين وليس أن معنى هذا ذاك، بل قد يلزم أحدهما الآخر ويتفرع عليه.
والثالث: وأما الظهور اللفظي فإنه مع القائل بتغايرهما بل قد يستغرب إعادة أحدهما إلى الآخر إلا بتكلف شديد؛ ألا ترى العرف يستغرب من تفسير (إتلاف الصبي سبب لضمانه) بـ(أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها)؟
3- نصوص عباراته عليه، لا له!
ثالثاً: إن نصوص عباراته ((قدس سره)) التي اعتبرها مبيّنة لمدعاه (أو شاهدة عليه) تثبت عكس مقصوده فهي عليه، لا له، وذلك لمكان "عند" و"إذا" في كلماته التفسيرية فلاحظ قوله: (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) إذ من الواضح الفرق بين المطلق والمشروط وبين (الحكم بوجوب ذلك الواجب) و(الحكم بوجوب ذلك الواجب عند...) ومن البديهي الذي بنى عليه أنه ليس (كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب) بل كما صرح به هو (هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند...) فـ(عند) هي الحاملة للمعنى الإضافي الوضعي وما بعدها يختلف عما قبلها المجرد منها والذي هو الحكم الوضعي لو انفرد.
بعبارة أخرى: قوله (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) يستبطن بوضوح وصراحة أمرين: التكليف والوضع، والتكليف هو المشار إليه بقوله (هو الحكم بوجوب ذلك الشيء) والوضع هو المشار إليه بقوله (عند حصول ذلك الشيء).
بعبارة ثالثة: في تلك الجملة مقيّد وقيد فالمقيّد هو وجوب ذلك الواجب (وهو الحكم التكليفي إذا انفرد([6]) والقيد هو (عند حصول ذلك الشيء) وهذه العندية والتوقف والقيدية هي الحكم الوضعي.
وكذا قوله: (فمعنى قولنا: "إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها) فلاحظ وجود القيد "إذا" فإنه يفيد الحكم الوضعي وما قبله هو الحكم التكليفي..
ولا يتوهم أن "إذا" ظرف؛ لبداهة أن كلّاً من البلوغ والعقل شرط وليس مجرد ظرف.
إضافة إلى ذلك فإن الشيخ ((قدس سره)) أغفل قيداً آخر أهم وهو بيت القصيد ومحل البحث وهو "إذا" أخرى إذ كان يجب أن يقول: (فمعنى قولنا: "إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اتلف مال الغير وإذا اجتمع فيه شرائط التكليف) فإن إذا الأُولى وهي "إذا أتلف" هي منشأ الحكم الوضعي وما قبلها هو الحكم التكليفي... وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق ((عليه السلام)) ((إِذَا نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ فَلَا تَشْكُهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ، وَلَكِنِ اذْكُرْهَا لِبَعْضِ إِخْوَانِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تُعْدَمَ خَصْلَةً مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: إِمَّا كِفَايَةً بِمَالٍ، وَإِمَّا مَعُونَةً بِجَاهٍ، أَوْ دَعْوَةً فَتُسْتَجَابُ، أَوْ مَشُورَةً بِرَأْيٍ)) (الكافي: ج8 ص170)
--------------------------
([1]) منهم: العلامة في النهاية (مخطوط): 9، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد: 37، والشيخ البهائي في الزبدة: 30، والفاضل التوني في الوافية: 202، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائرية: 95، والسيد بحر العلوم في فوائده: 3، وكذا يظهر من القوانين 2: 54 و 1: 100، وهداية المسترشدين: 3، وإشارات الأصول: 6، والفصول: 2.
([2]) من جملة المشهور: الشهيد الأول في الذكرى 1: 40، والقواعد والفوائد 1: 30، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 76 وستأتي عبارته، وشريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الأصول: 6، مضافا إلى شارحي الزبدة والوافية كما أشير إليهما، وغيرهم.
([3]) غاية المأمول في شرح زبدة الأصول، للفاضل الجواد (مخطوط): الورقة 59.
([4]) شرح الوافية (مخطوط): 350.
([5]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج3 ص125-126.
([6]) كما أنه حكم تكليفي لو قيد لكنه حكم تكليفي مضيق لأنه مقيد.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(575)
قال الشيخ ((قدس سره)): (ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أن الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول - كما اشتهر في ألسنة جماعة([1]) - أو لا، وإنما مرجعه إلى الحكم التكليفي؟ فنقول:
المشهور([2]) - كما في شرح الزبدة([3]) - بل الذي استقرّ عليه رأي المحقّقين - كما في شرح الوافية للسيّد صدر الدين([4]) -: أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء، فمعنى قولنا:
"إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها، فإذا خاطب الشارعُ البالغَ العاقلَ الموسِرَ بقوله: "إغرم ما أتلفته في حال صغرك"، انتُزع من هذا الخطاب معنى يُعبَّر عنه بسببية الإتلاف للضمان، ويقال: إنّه ضامن، بمعنى أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف)([5])
المناقشات
ولكن قد يورد عليه بوجوه:
1- اضطراب العبارة والتأرجح بين العينية والإنتزاع
الأول: اضطراب العبارة وتأرجحها بين العينية والإنتزاع، مع أنهما أمران مختلفان دون شك، بيانه: أن انتزاع شيء من شيء يقتضي تغايرهما دون ريب فإن الزوجية مثلاً منتزعة من الأربعة وهي غيرها ولا يصح القول بأن الأربعة هي الزوجية أو الزوجية هي الأربعة وإن كان وجودها بوجودها؛ إذ الستة أيضاً زوج وكذا الثمانية وليست أربعة، ولا ينفك الشيء عن نفسه بوجه، كما أن الأربعة لها جهات أخرى غير الزوجية ككونها كمّاً منفصلاً دونها فليست هي هي.
بعبارة أخرى: الأربعة من مقولة الكم المنفصل أما الزوجية فهي كيفية انتزاعية، وبوجه آخر إن عينية شيء لشيء يعني عدم انتزاع أحدهما من الآخر فإن عينية الجدار للحائط مثلاً دليل على أن الحائط ليس منتزعاً من الجدار إذ كيف ينتزع الشيء من نفسه؟ فهذا في المترادفين وكذا الحال في المتساويين فإن عينية الضاحك للناطق، مع فرض مساواتهما، يقتضي أن لا يصح القول بانتزاع أحدهما من الآخر.
لكنّ الشيخ ((قدس سره)) تارة عبّر بالعينية وأخرى بالإنتزاع فلاحظ قوله: (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) فهو صريح في العينية إذ قال: (هو الحكم...) ولو أراد الإنتزاع لوجب أن يقول: (إن كون الشيء سبباً لواجب يُنتزع من وجوب ذلك الواجب عند...) أو يعكس: (إن كون الشيء سبباً لواجب ينتزع منه وجوب ذلك الواجب عند...)
كما صرح بـ(فمعنى قولنا: إتلاف...) ولو أراد الإنتزاع لوجب القول: (فلازم، أو ملزوم، قولنا "إتلاف الصبي سبب لضمانه" هو أنه يجب...).
ثم قال، عادلاً عن العينية إلى الإنتزاع (فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسِرَ بقوله: "إغرم ما أتلفته في حال صغرك"، انتُزع من هذا الخطاب معنى يُعبَّر عنه بسببية الإتلاف للضمان، ويقال: إنّه ضامن) وهو صريح في الإنتزاع ولو أراد العينية لوجب أن يقول: (فإذا خاطب الشارع بقوله "إغرم..." كان معناه سببية الإتلاف للضمان).
ثم عاد للعينية إذ قال: (بمعنى أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف).
2- ليس جعل الوضعي محالاً ولا مخالفاً للعرف أو الظهور
ثانياً: أنه يرد عليه، سواء أأراد العينية أم الإنتزاع، أنه هل يريد الإستحالة العقلية أو الإرتكاز العرفي أو الظهور اللفظي؟.
فالأول: بأن يقصد استحالة جعل الملكية مثلاً جعلاً مستقلاً أو جعل زوجيتها له بالعقد أو جعل السببية الإعتبارية للدلوك لوجوب صلاة الظهر، فإنه يرد عليه أنه ((قدس سره)) لم يبيّن وجه الإستحالة، كما أنه لا يوجد وجه لها أبداً، فإنها اعتباريات والإعتبار أمره بيد المعتبر، بل أدل دليل على إمكان الشيء وقوعه إذ نجد بالبداهة أن أحدنا يمكنه أن يعتبر مجيء الضيف إلى داره سبباً لوجوب إكرامه أو يعتبر إهانة الموظف لديه لأحد المراجعين سبباً لفصله عن العمل فوراً أو يشترط في عقد الإجارة أن يكون دقّ المستأجر مسماراً واحداً في الجدار، مثلاً، سبباً لفسخها أو للخيار.
والثاني: أن يقصد أن الإرتكاز العرفي على أن معنى قوله: (الإتلاف سبب للضمان) هو وجوب غرامة المثل أو القيمة لدى الإتلاف، فإنه يرد عليه: بداهة أن الإرتكاز العرفي على كونهما أمرين وليس أن معنى هذا ذاك، بل قد يلزم أحدهما الآخر ويتفرع عليه.
والثالث: وأما الظهور اللفظي فإنه مع القائل بتغايرهما بل قد يستغرب إعادة أحدهما إلى الآخر إلا بتكلف شديد؛ ألا ترى العرف يستغرب من تفسير (إتلاف الصبي سبب لضمانه) بـ(أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها)؟
3- نصوص عباراته عليه، لا له!
ثالثاً: إن نصوص عباراته ((قدس سره)) التي اعتبرها مبيّنة لمدعاه (أو شاهدة عليه) تثبت عكس مقصوده فهي عليه، لا له، وذلك لمكان "عند" و"إذا" في كلماته التفسيرية فلاحظ قوله: (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) إذ من الواضح الفرق بين المطلق والمشروط وبين (الحكم بوجوب ذلك الواجب) و(الحكم بوجوب ذلك الواجب عند...) ومن البديهي الذي بنى عليه أنه ليس (كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب) بل كما صرح به هو (هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند...) فـ(عند) هي الحاملة للمعنى الإضافي الوضعي وما بعدها يختلف عما قبلها المجرد منها والذي هو الحكم الوضعي لو انفرد.
بعبارة أخرى: قوله (وأنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) يستبطن بوضوح وصراحة أمرين: التكليف والوضع، والتكليف هو المشار إليه بقوله (هو الحكم بوجوب ذلك الشيء) والوضع هو المشار إليه بقوله (عند حصول ذلك الشيء).
بعبارة ثالثة: في تلك الجملة مقيّد وقيد فالمقيّد هو وجوب ذلك الواجب (وهو الحكم التكليفي إذا انفرد([6]) والقيد هو (عند حصول ذلك الشيء) وهذه العندية والتوقف والقيدية هي الحكم الوضعي.
وكذا قوله: (فمعنى قولنا: "إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها) فلاحظ وجود القيد "إذا" فإنه يفيد الحكم الوضعي وما قبله هو الحكم التكليفي..
ولا يتوهم أن "إذا" ظرف؛ لبداهة أن كلّاً من البلوغ والعقل شرط وليس مجرد ظرف.
إضافة إلى ذلك فإن الشيخ ((قدس سره)) أغفل قيداً آخر أهم وهو بيت القصيد ومحل البحث وهو "إذا" أخرى إذ كان يجب أن يقول: (فمعنى قولنا: "إتلاف الصبي سببٌ لضمانه"، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اتلف مال الغير وإذا اجتمع فيه شرائط التكليف) فإن إذا الأُولى وهي "إذا أتلف" هي منشأ الحكم الوضعي وما قبلها هو الحكم التكليفي... وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
قال الإمام الصادق ((عليه السلام)) ((إِذَا نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ فَلَا تَشْكُهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ، وَلَكِنِ اذْكُرْهَا لِبَعْضِ إِخْوَانِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تُعْدَمَ خَصْلَةً مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: إِمَّا كِفَايَةً بِمَالٍ، وَإِمَّا مَعُونَةً بِجَاهٍ، أَوْ دَعْوَةً فَتُسْتَجَابُ، أَوْ مَشُورَةً بِرَأْيٍ)) (الكافي: ج8 ص170)
([2]) من جملة المشهور: الشهيد الأول في الذكرى 1: 40، والقواعد والفوائد 1: 30، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 76 وستأتي عبارته، وشريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الأصول: 6، مضافا إلى شارحي الزبدة والوافية كما أشير إليهما، وغيرهم.
([3]) غاية المأمول في شرح زبدة الأصول، للفاضل الجواد (مخطوط): الورقة 59.
([4]) شرح الوافية (مخطوط): 350.
([5]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج3 ص125-126.
([6]) كما أنه حكم تكليفي لو قيد لكنه حكم تكليفي مضيق لأنه مقيد.