062-وجهان للتفصّي عن إشكال ان الشبهة غير المحصورة ليست واقعة واحدة فلا يشملها (لا حرج)
الثلاثاء 21 جمادى الآخرة 1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(62)
أجوبة عن إشكال صاحب العروة على الشيخ
ويمكن الجواب عن إشكال المحقق اليزدي: (فيقال فيما نحن فيه أيضاً: إنّ الاحتياط الكلي ليس واقعة واحدة و عنواناً واحداً بالنسبة إلى تكليف واحد حتى يرتفع بدليل رفع العسر والحرج)([1]) بوجوه:
1- عنوان المقدمية جامع للوقائع الكثيرة
الأول: ان الشبهات الحكمية غير المحصورة، وبالتبع الاحتياط الكلي فيها، وإن لم تكن بما هي هي واقعة واحدة، كي يشملها دليل العسر والحرج ولكن يوجد لها جامع به يقع متعلَّقاً لدليل العسر والحرج، والجامع هو (المقدمية) إذ الفرض ان الأحكام الكلية الواقعية اشتبهت في دائرة علم إجمالي أوسع هو المظنونات والمشكوكات والموهومات، أو الأولان فقط أو الأول خاصة، فيلزمنا العقل، اقتضاءً، بالاجتناب عن كافة المحتملات أو المظنونات في التحريمية والإتيان بكافة المحتملات أو المظنونات في الوجوبية، مقدمة لإحراز الامتثال القطعي، ومع اندراج الشبهات الحكمية كلها، تحت عنوان محدد هو المقدمية فانها تكون ببركة هذا الجامع موضوعاً للاحتياط الكلي فإذا كان عسراً وحرجاً شمله دليل (لا حرج) فيرتفع وجوب الاحتياط في الأطراف، وينتج ذلك حجية الظن المطلق فيها، إذ كان الأمر دائراً بعد انسداد باب العلم بين العمل بالاحتياط والظن، وحيث لم يجب العمل بالاحتياط لكونه عسراً وحرجاً، لزم العمل بالظن، بعبارة أخرى: يقال: ان مقدمة إحراز الامتثال القطعي هي الاحتياط بالإتيان بكافة المظنونات، أو تركها، فيجب الاحتياط من باب المقدمية، ثم يقال: لكن وجوب هذه المقدمة مستلزم للحرج والعسر فليس بمجعول.
إشكالات وأجوبة
وأما الجواب عن ذلك بان عدم وجوب الاحتياط الكلي، المقدمي حسبما فرضناه، لا ينتج حجية الظن مطلقاً، بل يستلزم وجوب التبعيض في الاحتياط فسيأتي ما فيه.
ولا يخفى ان الوجوب المقدمي للاحتياط في أطراف الشبهات الحكمية كلها، وصولاً إلى الامتثال القطعي، شرعي وعقلي حسبما اخترناه من وجوب مقدمة الواجب شرعاً وعقلاً، على ان القول بكونه وجوباً عقلياً غير شرعي، لا يضر؛ وذلك لأن الوجوب المقدمي للاحتياط عقلاً، يمكن ن يرفع الشارع اليد عنه إذا وجده مُوقِعاً المكلف في العسر والحرج، ولا يرد عليه ان الشارع بما هو شارع لا يتصرف في أحكام العقل؛ وذلك لأنه على فرض التسليم، ولا نسلم إذ([2]) مرجعهما واحد، فان الشارع إنما يتصرف في حكمه هو فلا يوجب الحكم إلا مع وصوله بعلم أو علمي، أما من دون ذلك فلا يلزم عبده به، فالاحتياط وإن كان مقدمة لإحراز التكاليف حينئذٍ لكنها حيث كانت تكاليف غير واصلة إلى مرتبة الفعلية فان وجوب المقدمة العقلي يرتفع لرفع الشارع اليد عن وجوب ذيها الشرعي.
لا يقال: لا يكون الظن حينئذٍ حجة أيضاً؟
إذ يقال: ان للشارع، ولكل مشرّع حكيم، ان يفصّل فيرفع اليد على ذيها إذا لم يمكن نيله إلا بالاحتياط في المقدمات، ولا يرفع اليد عنه إذا أمكن نيله بالظن. ولعله يأتي مزيد بيان لذلك.
2- الجامع العلم الإجمالي والشبهة محصورة أو العلم الإجمالي منحل
الثاني: ويمكن عرض جامع آخر وهو مفروض الكلام وهو (العلم الإجمالي) الموجب للتنجز عقلاً، وهذا العلم الإجمالي يختلف عن العلم الإجمالي الذي طرحه الشيخ في أطراف الشبهة الموضوعية غير المحصورة، وذلك لأن المقام (وهو الشبهات الحكمية التي انسد إليها باب العلم والعلمي إنما هو من الشبهة المحصورة لا غير المحصورة فإشكال اليزدي على الشيخ بقياس هذا الباب (العلم الإجمالي بالتكاليف) بذلك الباب (العلم الإجمالي في الشبهة الموضوعية غير المحصورة) قياس مع الفارق الجوهري إذ الشبهة هناك فُرِضت غير محصورة، كتردد الإناء النجس بين عشرة آلاف إناء، أما المقام فالشبهة محصورة وذلك لتردد الواجبات، ولنفرضها خمسمائة، بين الروايات الكثيرة، ولنفرضها ثلاثة آلاف، وهي من شبهة الكثير في الكثير والسُدُس من دائرة الشبهة المحصورة، بل نقول ان النسبة أقل بكثير جداً من ذلك إن لم نقل بانحلال العلم الإجمالي في الشبهات الحكمية، من رأس، إذ ان الروايات المعتبرة الدالة على الواجبات والمحرمات قد نفرضها ألفاً، وأما الأحكام المرددة بين كونها واجبة أو مندوبة، وكونها محرمة أو مكروهة، نظراً لعدم وضوح دلالة الروايات عليها أو لاحتمال التقية فيها أو لضعف في سندها أو لتعارضها، فانها محدودة جداً، كالدعاء عند رؤية الهلال والاستهلال في شهر رمضان وغسل الجمعة وما أشبه، وما عداها معلوم بالقطع، من إجماع وغيره، انه مندوب أو مكروه أو واجب أو حرام أو ان الحكم فيه إرشادي، وهذه الموارد المحدودة لا يعلم أصلاً بوجود حكم ملزم بينها، فالعلم الإجمالي منحل من أصله، فلا وجه للحكم بالاحتياط، فيبقى الظن هو الحجة على انه لو علم فان المعلوم واحد من عشرة مثلاً، فالشبهة محصورة، فالعلم الإجمالي منجز، فيجب الاحتياط فيه فلو لزم منه العسر والحرج ارتفع فننتقل إلى الظن بعد ان لم يجب الاحتياط، لولا شبهة الانتقال للتبعيض، وسيأتي الجواب عنها. فتأمل([3]).
3- العلم الإجمالي منحل في الموضوعية دون الحكمية
الثالث: سلّمنا([4])، لكن الفرق هو ان العلم الإجمالي الكبير في الشبهة الموضوعية غير المحصورة منحل إلى علوم إجمالية صغيرة، كالعلم الإجمالي بنجاسة إناء بين عشرة آلاف، وكون احدى الألف امرأة اخته من الرضاعة، وكون أحد العشرة آلاف ممن يضيّفه ممن لا يخمس... الخ، وحيث انحل إلى علوم إجمالية صغيرة كان اللازم النظر في حال كل علم إجمالي على حدة فما لم يلزم منه العسر والحرج، لزم الاحتياط فيه، وما لزم الحرج فيه ننتقل إلى الظن (وهو ما قاله اليزدي من التبعيض في الاحتياط) أما العلم الإجمالي الكبير في الشبهات الحكمية فغير منحل في دائرة المظنونات وإن انحل في دائرة المشكوكات والموهومات، وحيث لم ينحل في دائرة المظنونات نقول: ان الاحتياط فيها بأجمعها عسر وحرج، فيرفع بلا حرج فيكون الظن هو الملجأ حينئذٍ.
سلّمنا، لكن نقول، ان الاحتياط في أي حكم كلي، هو عسر وحرج على المكلف، فهذا هو الفرق بين الشبهتين إذ الاحتياط في بعض الشبهات الموضوعية غير المحصورة قد لا يكون حرجاً على المكلف، كتجنب الزواج من الألف إمرأة المشكوك كون اخته الرضاعية بينهن، أما الاحتياط في الشبهات الحكمية فان كلّاً منها حرجي لأن كل حكم جديد فهو إلزام وكل إلزام فهو إيقاع للمكلف في حرج، وحيث ان الحرج مرفوع فالملجأ الظن بعد فرض انسداد باب العلم وبعد التسليم بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية وتسليم ان إجراء البراءة مطلقاً موجب للخروج من الدين.
الجواب عن لزوم التبعيض في الاحتياط
وبذلك ظهر الجواب عن الإشكال السابق وهو (ان عدم وجوب الاحتياط الكلي لكونه عسراً وحرجاً لا يستلزم حجية الظن، إذ([5]) قد يجب حينئذٍ الاحتياط الجزئي أي التبعيض في الاحتياط فكلما لم يلزم منه العسر والحرج احتطنا بفعله في الشبهة الوجوبية أو تركه في التحريمية، فلا يكون الظن فيه حجة، وكلما لزم منه العسر والحرج ارتفع وجوب الاحتياط فكان الظن حجة)، ووجه الجواب: ان الاحتياط في الشبهة الحكمية عسر وحرج مطلقاً: أما الاحتياط الكلي فواضح وأما الاحتياط الجزئي أي في هذا العنوان، كالدعاء عند رؤية الهلال، فلأنه إلزام وكل إلزام فهو بحد ذاته حرجي وإن كان الشارع قد يوقع المكلف فيه لمصلحة أهم، لكن الفرض عدم قيام علم ولا علمي عليه، وإنما لدينا العمل بالظن أو بالاحتياط.
هذا، وستأتي أجوبة أخرى عن إشكال لزوم القول بالتبعيض في الاحتياط.
بوجه آخر: إذا انطلقنا من الوجوب المقدمي لامتثال كافة التكاليف وللاحتياط فيها، فان رفعه بلا حرج ينتج حجية الظن أي لزوم اللجوء إليه، وإذا انطلقنا من وجوب الاحتياط في كل عنوان عنوان فانه لا دليل على وجوبه، وذلك بعد فرض الجواب عن إشكال لزوم التبعيض حينئذٍ إذ لا دليل على ان الوصول الاحتمالي منجز، والبراءة مخرجة من الدين فلم يبق إلا الظن، فهذا هو دليل الانسداد لكن في كل عنوانٍ عنوانٍ بحياله.
الفرق بالاشتغال اليقيني في الشبهة الموضوعية دون الحكمية
وبعبارة أخرى: إنما وجب الاحتياط في الشبهة الموضوعية غير المحصورة، لفرض العلم بوجود الحكم وقيام الدليل عليه فالاشتغال يقيني، ولا يخرج عن عهدة الاشتغال إلا بامتثال كافة المصاديق المشتبهة أو تنجنبها (فيقال: لكنه حرجي فيرتفع بلا حرج، فنلجأ للظن حينئذٍ)، وذلك عكس الشبهة الحكمية الكلية غير المحصورة فان الاشتغال ليس فيها ليس يقينياً لفرض عدم قيام علم أو علمي عليها، فليس الاشتغال يقينياً ليجب الخروج عن عهدته بالاحتياط وإنما الاشتغال ظني بظن غير معتبر، والعقل يرى الاستناد إليه استناداً إلى الراجح، وعكسه المرجوح، فيُلزِم به، ولا يُلزِم بالاحتياط إذ لم يقم لديه دليل على ان الوصول الاحتمالي منجز. وسيأتي مزيد إيضاح بإذن الله تعالى. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((شيمَةُ الْأَتْقياءِ اغْتِنامُ الْمُهْلَةِ، وَالتَّزَوُّدُ لِلرَّحْلَةِ(( (غرر الحكم: ص743).
([4]) فهذا الجواب، على سبيل البدل مع الجواب السابق، أو هما على مبنيين متضادين.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين